الصَّابُونِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ
 
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، المُفَسِّرُ، المُذَكِّرُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَابِدِ بن عَامِرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصَّابُوْنِيُّ.
وُلِدَ:سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَأَوّل مَجْلِس عَقدَه لِلوعظ إِثر قَتْلِ أَبِيْهِ فِي سَنَةِ ثنتين وَثَمَانِيْنَ وَهُوَ ابْنُ تِسْع سِنِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْ:أَبِي سَعِيْدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْن مِهْرَانَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ المَخْلَدي، وَأَبِي طَاهِر بنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ الخفَّاف، وَعبد الرَّحْمَن بنِ أَبِي شُرَيْح، وَزَاهِرِ بنِ أَحْمَدَ الفَقِيْه، وَطَبَقَتهم، وَمِنْ بَعْدهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ:الكتَّانِي، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ صَصْرَى، وَنجَا بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي العَلاَءِ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَابْنُه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَخَلْقٌ آخِرهُم أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَاوِي.(18/41)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ:حَدَّثَنَا إِمَام المُسْلِمِيْنَ حَقّاً، وَشيخُ الإِسْلاَم صدقاً، أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُوْنِيّ.
ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَة.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَالِكِيّ:أَبُو عُثْمَانَ مِمَّنْ شَهِدَتْ لَهُ أَعيَانُ الرِّجَال بِالكَمَال فِي الحِفْظِ وَالتَّفْسِيْر.
(35/30)

وَقَالَ عبد الغَافِر فِي(السِّيَاق):الأُسْتَاذُ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْلُ الصَّابُوْنِيّ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، المُفَسِّرُ المُحَدِّث، الوَاعِظ، أَوحدُ وَقته فِي طرِيقه، وَعَظَ المُسْلِمِينَ سبعينَ سَنَةً، وَخَطَبَ وَصَلَّى فِي الجَامِع نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ حَافِظاً، كَثِيْرَ السَّمَاع وَالتَّصَانِيْف، حرِيصاً عَلَى العِلْم، سَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ وَهرَاةَ وَسَرْخَس وَالحِجَازِ وَالشَّامِ وَالجِبَالِ، وَحَدَّثَ بِخُرَاسَانَ وَالهِنْد وَجُرْجَان وَالشَّام وَالثُّغُوْرِ وَالحِجَازِ وَالقدس، وَرُزِقَ العِزَّ وَالجَاهَ فِي الدِّين وَالدُّنْيَا، وَكَانَ جَمَالاً لِلبلد، مقبولاً عَنِ المُوَافِق وَالمُخَالف، مجمعٌ عَلَى أَنَّهُ عديمُ النّظير، وَسيفُ السُّنَّةِ، وَدَامغُ البِدعَة، وَكَانَ أَبُوْهُ الإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ مِنْ كِبَارِ الوَاعِظين بِنَيْسَابُوْرَ، فَفُتِكَ بِهِ لأَجْلِ المَذْهَب، وَقُتِلَ، فَأُقْعِدَ ابْنُه هَذَا ابْنُ تِسْعِ سِنِيْنَ، فَأُقْعِدَ بِمَجْلِس الوعظ، وَحضرهُ أَئِمَّةُ الوَقْت، وَأَخَذَ الإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ الصُّعلوكِيُّ فِي تَرْتِيْبهِ وَتهيئَةِ شَأْنِهِ، وَكَانَ يَحضُر مَجْلِسَهُ هُوَ وَالأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاقَ الإِسفرَايينِيّ، وَالأُسْتَاذ أَبُو بَكْرٍ بنُ فُورَك، وَيَعْجَبُوْنَ مِنْ كَمَال ذكَائِهِ، وَحُسْنِ إِيرَاده، حَتَّى صَارَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَكَانَ مُشْتَغِلاً بكَثْرَةِ العِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ، حَتَّى كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَل.(18/42)
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُتُبِيّ فِي(تَارِيْخِهِ):فِي المُحَرَّمِ تُوُفِّيَ أَبُو عُثْمَانَ سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
(35/31)

وَقَالَ السِّلَفِيّ فِي(مُعْجَم السَّفَر):سَمِعْتُ الحَسَنَ بن أَبِي الحر بِسَلَمَاسَ يَقُوْلُ:قَدِمَ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُوْنِيّ بَعْد حجِّه وَمَعَهُ أَخُوْهُ أَبُو يَعْلَى فِي أَتْبَاعٍ وَدوَابّ، فَنَزَلَ عَلَى جَدِّي أَحْمَدَ بن يُوْسُفَ الهِلاَلِي، فَقَامَ بِجمِيْع مُؤَنِه، وَكَانَ يَعْقدُ المَجْلِسَ كُلَّ يَوْم، وَافْتَتَنَ النَّاسُ بِهِ، وَكَانَ أَخُوْهُ فِيْهِ دُعَابَة، فَسَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَقُوْلُ وَقت أَن وَدَّع النَّاس:يَا أَهْل سَلَمَاسَ!لِي عِنْدكُم أَشْهُرٌ أَعِظُ وَأَنَا فِي تَفْسِيْر آيَةٍ وَمَا يَتعلَّقُ بِهَا، وَلَوْ بَقِيْتُ عِنْدكُم تَمَّام سَنَةٍ لمَا تَعرَّضتُ لغَيْرهَا، وَالحَمْدُ للهِ.
قَالَ عبد الغَافِر فِي(تَارِيْخِهِ):حَكَى الثِّقَاتُ أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ كَانَ يَعِظُ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ كِتَابٌ وَردَ مِنْ بُخَارَى، مُشْتَمِلٌ عَلَى ذكرِ وَبَاءٍ عَظِيْم بِهَا، لِيَدْعُوَ لَهُم، وَوصف فِي الكِتَاب أَنَّ رَجُلاً أَعْطَى خَبَّازاً دِرْهَماً، فَكَانَ يَزِنُ، وَالصَّانِعُ يَخْبِزُ، وَالمُشْتَرِي وَاقف، فَمَاتَ ثَلاَثتهُم فِي سَاعَة.(18/43)
فَلَمَّا قرَأَ الكِتَابَ هَالَهُ ذَلِكَ، وَاسْتقرَأَ مِنَ القَارِئ{أَفأَمِنَ الَّذِيْنَ مَكَرُوا السَّيِّآتِ}[النحل:45]...الآيَات، وَنظَائِرهَا، وَبَالَغَ فِي التّخويف وَالتَّحذِير، وَأَثَّرَ ذَلِكَ فِيْهِ وَتغَيَّرَ، وَغَلَبَهُ وَجعُ البَطنِ، وَأُنْزِلَ مِنَ المِنْبَرِ يَصيح مِنَ الوجعِ، فَحُمِلَ إِلَى حمَّامٍ، فَبَقِيَ إِلَى قَرِيْب المَغْرِب يَتقَلَّب ظَهْراً لبطن، وَبَقِيَ أُسْبُوْعاً لاَ يَنفَعُهُ علاج، فَأَوْصَى، وَودَّعَ أَوْلاَدَهُ، وَمَاتَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عقيبَ عصرِ الجُمُعَة رَابع المحرَّم، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ أَخُوْهُ أَبُو يَعْلَى.
(35/32)

وَأَطنب عبدُ الغَافِرِ فِي وَصْفِهِ، وَأَسهب...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابٍ كتَبَهُ زَيْنُ الإِسْلاَم مِنْ طُوْس فِي التَّعزِيَة لِشيخِ الإِسْلاَم:أَلَيْسَ لَمْ يَجْسُرْ مُفْتَرٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ فِي وَقته؟أَلَيْسَتِ السُّنَّةُ كَانَتْ بِمَكَانِهِ مَنْصُوْرَة، وَالبِدْعَةُ لِفَرْطِ حِشمتِهِ مقهورَة؟أَلَيْسَ كَانَ دَاعِياً إِلَى اللهِ، هَادِياً عِبَادَ اللهِ، شَابّاً لاَ صَبْوَةَ لَهُ، كَهْلاً لاَ كَبْوَةَ لَهُ، شَيْخاً لاَ هَفْوَة لَهُ؟يَا أَصْحَابَ المحَابر، وَطِّؤُوا رِحَالكُم، قَدْ غُيِّبَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ إِلمَامكُم، وَيَا أَربَابَ المَنَابِر، أَعْظَمَ اللهُ أُجوركُم، فَقَدْ مَضَى سَيِّدَكُم وَإِمَامُكُم.
قَالَ الكَتَّانِي:مَا رَأَيْتُ شَيْخاً فِي مَعْنَى أَبِي عُثْمَانَ زُهْداً وَعِلماً، كَانَ يَحفَظُ مِنْ كُلِّ فَن لاَ يَقْعُدُ بِهِ شَيْءٌ، وَكَانَ يَحفظُ التَّفْسِيْر مِنْ كُتُب كَثِيْرَة، وَكَانَ مِنْ حُفَّاظ الحَدِيْث.
قُلْتُ:وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثر، لَهُ مُصَنَّف فِي السُّنَةِ وَاعْتِقَادِ السَّلَف، مَا رَ?هُ مُنْصِفٌ إِلاَّ وَاعْتَرف لَهُ.(18/44)
قَالَ مَعْمَر بن الفَاخر:سَمِعْتُ عبدَ الرَّشِيْد بنَ نَاصِر الوَاعِظ بِمَكَّةَ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عبد الغَافِر، سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا المعَالِي الجُوَيْنِيّ يَقُوْلُ:كُنْتُ بِمَكَّةَ أَترَدَّدُ فِي المذَاهب، فَرَأَيْت النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي:عَلَيْك بَاعْتِقَاد ابْن الصَّابُوْنِيّ.
قَالَ عبدُ الغَافِر:وَمِمَّا قِيْلَ فِي أَبِي عُثْمَانَ قَوْلُ الإِمَام أَبِي الحَسَنِ؛عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ الدَّاوُوْدِيّ:
أَودَى الإِمَامُ الحَبْرُ إِسْمَاعِيْلُ*لَهَفِي عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْهُ بَدِيْلُ
(35/33)

بَكَتِ السَّمَا وَالأَرْضُ يَوْمَ وَفَاتِهِ*وَبَكَى عَلَيْهِ الوَحْيُ وَالتَّنْزِيلُ
وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ المُنِير تَنَاوحَا*حُزْناً عَلَيْهِ وَللنُّجومِ عَوِيلُ
وَالأَرْضُ خَاشِعَةً تَبْكِي شَجْوَهَا*وَيْلِي تَوَلْوِلُ أَيْنَ إِسْمَاعِيْلُ؟
أَيْنَ الإِمَامُ الفَرْدُ فِي آدَابِهِ*مَا إِنْ لَهُ فِي العَالِمِينَ عَدِيْلُ
لاَ تَخْدَعَنْكَ مُنَى الحَيَاةِ فَإِنَّهَا*تُلهِي وَتُنسِي وَالمُنَى تَضليلُ
وَتَأَهَّبَنْ لِلموتِ قَبْلَ نُزُولِهِ*فَالموتُ حَتْمٌ وَالبقَاءُ قَلِيْلُ(18/45)
(35/34)