نَصْرُ الدَّوْلَةِ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ دوسْتكَ الكُرْدِيُّ
 
صَاحِبُ دِيَارِ بَكْرٍ وَمَيَّافَارِقين، المَلِكُ، نَصْرُ الدَّوْلَةِ، أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ دوسْتك الكُرْدِيُّ.
قَتَلَ أَخَاهُ مَنْصُوْراً بِقَلْعَة الهَتَّاخ، وَتَمَكَّنَ، وَكَانَتْ دَوْلَتُه إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ رَئِيْساً حَازِماً عَادِلاً، مُكِبّاً عَلَى اللَّهْو، وَمَعَ ذَا فَلَمْ تَفُتْهُ صَلاَةُ الصُّبْح فِيْمَا قِيْلَ، وَكَانَ لَهُ ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ سُرِّيَّة، يَخلو كُلّ لَيْلَةٍ بوَاحِدَة، خَلَّفَ عِدَّة أَوْلاَد، مَدَحَتْهُ الشُّعَرَاء، وَوزر لَهُ الوَزِيْرُ أَبُو القَاسِمِ ابْن المَغْرِبِيّ - صَاحِب الأَدب - مرَّتين، ثُمَّ وَزر لَهُ فَخر الدَّوْلَة بن جَهِيْر، وَكَانَ مُحْتَشِماً، كَثِيْرَ الأَمْوَال، نَفَّذ إِلَى السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك تَقدِمة سَنِّيَّة، وَتُحَفاً مِنْ جملتهَا الجبل اليَاقُوْت، الَّذِي كَانَ لِبَنِي بُويه، أَخَذَه بِالثمن مِنِ ابْنِ جَلاَل الدَّوْلَة، وَكَانَ مِنْ كَرَمِهِ يَبذُرُ القمح مِنَ الأَهرَاءِ لِلطُّيور.
تُوُفِّيَ:فِي شَوَّال سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَعَاشَ نَحْوَ الثَّمَانِيْنَ وَتَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُه نِظَام الدَّوْلَة نَصْر.(18/119)
(35/101)

فَمِنْ أَخْبَار نَصْر الدَّوْلَة - وَالحَدِيْثُ شجُوْنٌ - أَنَّ مملكَةَ المَوْصِلِ ذَهَبت مِنْ أَوْلاَد نَاصِر الدَّوْلَة ابْنَ حَمْدَان سَنَوَات، وَانضمَّ وَلدَاهُ إِبْرَاهِيْمُ وَحُسَيْن إِلَى شرف الدَّوْلَة، ابْنِ عَضُدِ الدَّوْلَة، فَكَانَا مِنْ أُمَرَائِهِ، فَلَمَّا تَملَّكَ أَخُوْهُ بَهَاءُ الدَّوْلَة؛اسْتَأْذنَاهُ فِي المَسِيْر لأَخذ المَوْصِل، فَأَذنَ لَهُمَا، فَقَاتَلهُمَا عَامِلُهَا، فَمَالتِ المَوَاصلَةُ إِلَى الأَخوين، فَهَرَبَ العَامِلُ وَجُنده، وَدَخَلَ الأَخَوَانِ المَوْصِلَ، فَطَمِعَ فِيْهِمَا الأَمِيْرُ بَاد، صَاحِبُ ديَار بكر، فَالتقَاهُمَا، فَقِيْلَ:فَبَادَرَ ابْنُ أُخْته الأَمِيْرُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ مَرْوَانَ الكُردي فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة إِلَى حصنِ كَيْفَا، وَهُنَاكَ زَوْجَةُ بَاد، فَقَالَ لَهَا:قُتِلَ خَالِي، وَأَنَا أَتَزَوَّجُكِ، فَمَلَّكَتْهُ الحِصنَ وَغَيْرهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى بلاَد خَالِهِ، وَحَارَبَ وَلَدَي نَاصِرِ الدَّوْلَة مَرَّات، وَسَارَ إِلَى مِصْرَ، وَتَقلَّد مِنَ العَزِيْز حلبَ وَأَمَاكن، وَرجَعَ فَوَثَبَ عَلَيْهِ شُطَّارُ آمِدَ بِالسكَاكين، فَقتلُوْهُ، وَتَملَّك بآمِدَ ابْنُ دمنَة، وَقَامَ مُمَهِّدُ الدَّوْلَة أَخُو أَبِي عَلِيٍّ، فَتَمَلَّك مَيَّافَارِقين، فَعمل الأَمِيْرُ شروَةُ لَهُ دَعْوَةً قَتَلَهُ فِيْهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى ممَالِك بنِي مَرْوَان سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَة، وَحَبَس مُمَهِّدُ الدَّوْلَة أَخَاهُ، وَهُوَ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ صَاحِبُ التَّرْجَمَة لأَجْل رُؤْيَا، فَإِنَّهُ رَأَى الشَّمْس فِي حَجْره، وَقَدْ أَخَذَهَا مِنْهُ أَحْمَدُ، فَأَخْرَجَهُ شروَةٌ مِنَ السجن، وَأَعْطَاهُ أَرْزَن.
(35/102)

هَذَا كُلّه وَأَبُوْهم مَرْوَان باقٍ أَعْمَى، مقيمٌ بِأَرْزَنَ، فَتمكَّن أَحْمَدُ، وَخَرَجتِ البِلاَدُ عَنْ طَاعَة شَروَة، وَاسْتَوْلَى أَحْمَدُ عَلَى مَدَائِن ديَار بكر، وَامتدت أَيَّامُهُ، وَأَمَّا المَوْصِل فَقصدهَا الأَمِيْرُ أَبُو الذّوَّاد مُحَمَّدُ بنُ المُسيِّب العُقَيْلِيّ، وَحَارَبَ، وَظفر بصَاحِبهَا أَبِي الطَّاهِر إِبْرَاهِيْمَ بن نَاصِر الدَّوْلَة، وَبأَوْلاَدِه وَبجَمَاعَةٍ مِنْ قُوَاده، فَقَتَلَهُم، وَتَملَّك زَمَاناً.
طَالت إِمْرَةُ ابْنِه نَصْر.
وَتُوُفِّيَ:سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه مَنْصُوْر.(18/120)
(35/103)