ابْنُ بُنْدَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ العِجْلِيُّ
 
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ المُحَدِّثِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ العِجْلِيُّ، الرَّازِيُّ، المَكِّيُّ المَوْلِدِ، المُقْرِئُ.
تَلاَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ المُجَاهِدي؛تِلْمِيْذِ ابْن مُجَاهِد، وَتَلاَ بحرف ابْن عَامِرٍ عَلَى مُقْرِئ دِمَشْق عَلِيِّ بن دَاوُدَ الدَّارَانِي، وَتَلاَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِي، وَجَمَاعَة.(18/136)
وَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ:أَحْمَد بن فِرَاس، وَعَلِيِّ بن جَعْفَرٍ السيروَانِي الزَّاهِد، وَوَالدِه أَبِي العَبَّاسِ بن بُنْدَار، وَبَالرَّيّ مِنْ جَعْفَرِ بن فنَاكِي.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ الرّفَاء، وَعِدَّة.
وَبِدِمَشْقَ مِنْ عَبْدِ الوَهَّابِ الكِلاَبِيّ.
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَة.
وَبِالبَصْرَةِ، وَالكُوْفَة، وَحَرَّان، وَتستر، وَالرُّهَا، وَفَسَا، وَحِمْص، وَمِصْر، وَالرّملَة، وَنِيسَابور، وَنَسَا، وَجُرْجَان، وَجَال فِي الآفَاق عَامَّة عُمُره، وَكَانَ مِنْ أَفرَادِ الدَّهْر عِلْماً وَعملاً.
أَخَذَ عَنْهُ:المُسْتغفرِي أَحَدُ شُيُوْخِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَأَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَنَصْرُ بنُ مُحَمَّدٍ الشيرَازِيُّ؛شَيْخٌ لِلسِّلَفِيِّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخلاَّل، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ سعدويه، وَفَاطِمَةُ بِنْت البَغْدَادِيّ، وَخَلْق.
(35/119)

وَلحقَ بِمِصْرَ أَبَا مُسْلِمٍ الكَاتِب.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ:كَانَ ثِقَةً، جَوَّالاً، إِمَاماً فِي القِرَاءات، أَوحدَ فِي طرِيقِهِ، كَانَ الشُّيُوْخ يُعَظِّمُونَهُ، وَكَانَ لاَ يَسْكُنُ الخَوَانِق، بَلْ يَأْوِي إِلَى مَسْجِد خرَابٍ، فَإِذَا عُرِفَ مَكَانُه نَزَحَ، وَكَانَ لاَ يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، فَإِذَا فُتِحَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آثَرَ بِهِ.(18/137)
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَة:قرَأَ عَلَيْهِ القُرْآن جَمَاعَةٌ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدنَا إِلَى كَرْمَان، فَحَدَّثَ بِهَا.
وَتُوُفِّيَ فِي بلد أَوْشِير:فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ:وَوُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَرع، مُتَدَيِّن، عَارِفٌ بِالقِرَاءات، عَالِمٌ بِالأَدب وَالنَّحْو، هُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مِثْلِي، وَأَشهرُ مِنَ الشَّمْس، وَأَضوَأُ مِنَ القَمَر، ذُو فُنُوْن مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ مَهِيْباً منظوراً، فَصِيْحاً، حسنَ الطّرِيقَة، كَبِيْرَ الوزن.
قَالَ السِّلَفِيّ:سَمِعْتُ عبدَ السَّلام بن سَلَمَةَ بِمَرَنْدَ يَقُوْلُ:اقْتَدَى أَبُو الفَضْلِ الرَّازِيُّ بِالسيروَانِي شَيْخِ الحَرم، وَصَحِبَ السيروَانِيُّ أَبَا مُحَمَّدٍ المُرْتَعِشَ صَاحِبَ الجُنَيْدِ.
وَقَالَ الخلاَّل:خَرَجَ أَبُو الفَضْلِ الإِمَامُ نَحْو كَرْمَان، فَشيَّعه النَّاسُ، فَصرفهُم، وَقصد الطَّرِيْق وَحْدَه، وَهُوَ يَقُوْلُ:
إِذَا نَحْنُ أَدْلَجْنَا وَأَنْتَ إِمَامُنَا*كَفَى لِمَطَايَانَا بِذِكْرَاكَ حَادِيَا
قَالَ الخَلاَّلُ:وَأَنشدنِي لِنَفْسِهِ:
يَا مَوْتُ مَا أَجْفَاكَ مِنْ زَائِرٍ*تَنْزِلُ بِالمَرْءِ عَلَى رَغْمِهِ
وَتَأْخُذُ العَذْرَاءَ مِنْ خِدْرِهَا*وَتَأْخُذُ الوَاحِدَ مِنْ أُمِّهِ
(35/120)

قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي(الذّيل):كَانَ مُقْرِئاً فَاضِلاً، كَثِيْرَ التَّصَانِيْف، حَسَنَ السِّيْرَةِ، زَاهِداً، مُتَعَبِّداً، خَشِنَ العيش، منفرداً، قَانِعاً، يُقرِئ وَيُسمِعُ فِي أَكْثَر أَوقَاتِهِ، وَكَانَ يُسَافر وَحْدَه، وَيدخل البَرَارِي.(18/138)
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ:أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق قَالَ:
وَردَ عَلَيْنَا الإِمَامُ الأَوحدُ أَبُو الفَضْلِ الرَّازِيّ - لَقَّاهُ اللهُ رضوَانه، وَأَسكنه جنَانَه - وَكَانَ إِمَاماً مِنَ الأَئِمَّةِ الثِّقَات فِي الحَدِيْثِ وَالروَايَات وَالسّنَة وَالآيَات، ذِكْرُهُ يَملأُ الفم، وَيَذْرِفُ العين، قَدِمَ أَصْبَهَان مرَاراً، سَمِعْتُ مِنْهُ قطعَةً صَالِحَةً، وَكَانَ رَجُلاً مَهِيْباً، مديدَ القَامَة، وَلياً مِنْ أَوْلِيَاء الله، صَاحِبَ كَرَامَات، طَوَّفَ الدُّنْيَا مُفِيداً وَمُسْتفِيداً.
وَقَالَ الخلاَّل:كَانَ أَبُو الفَضْلِ فِي طَرِيْق، وَمَعَهُ خُبْز وَفَانِيذ، فَأَرَادَ قُطَّاعَ الطَّرِيْق أَخَذَه مِنْهُ، فَدَفَعهم بعَصَاهُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:لأَنَّه كَانَ حَلاَلاً، وَرُبَّمَا كُنْت لاَ أَجِدُ مِثْله.
وَدَخَلَ كَرْمَان فِي هَيئَةٍ رَثَّةٍ وَعَلَيْهِ أَخلاَقٌ وَأَسمَال، فَحُمِلَ إِلَى الملك، وَقَالُوا:جَاسوس.
فَقَالَ المَلِكُ:مَا الخَبَر؟
قَالَ:تسَأَلُنِي عَنْ خَبَرِ الأَرْضِ أَوْ خَبَر السَّمَاء؟فَإِنْ كُنْتَ تسَأَلُنِي عَنْ خَبَر السَّمَاء فـ{كُلُّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرَّحْمَن:29]وَإِنْ كُنْتَ تسَأَلُنِي عَنْ خَبَر الأَرْض فـ{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرَّحْمَن:26]فَتَعَجَّبَ المَلِكُ مِنْ كَلاَمِهِ، وَأَكْرَمَهُ، وَعرض عَلَيْهِ مَالاً، فَلَمْ يَقبله.(18/139)
(35/121)