و يكثر فيهم السمن
 


الحمد لله و كفى و صلى الله و سلم على نبيه الكريم و على أله و صحبه و من اهتدى بهداه الى يوم الدين ، ثم أما بعد :
تعتبر ظاهرة السمنة من الظواهر المتفشية في السنين الأخيرة و التي يعاني منها الكثيرين في جميع مجتمعات العالم ، و مع هذه الظاهرة يحاول الأخصائيون ايجاد حلول للحد من انتشارها أو معالجتها بشتى السبل.
ان كل شيء زاد على حده انقلب الى ضده ، و خير الأمور أوسطها ، فالإفراط و التفريط في الشيء مذمومان و على الإنسان أن يحافظ على صحته و يغتنم وقتها ما استطاع الى ذلك سبيلا حتى قيل : درهم وقاية تنفقه في صحتك خير من قنطار علاج .
هذا ما أدى بكثير من الناس ذكورا و اناثا الى الإحتياط من الطعام و الإمتناع عن تناوله خشية أن يزداد حجم الجسد مع ما يليه من المعانات المعنوية و الحسية ، و اذا كنت بطنا فعد نفسك رمنا ، الا أن هؤلاء الأشخاص ربما لا يحسنون التصرف بتحديد وزن الطعام الذي سيدخل جوفهم بكل دقة : اذ يحدد لهم الأطباء عقاقير و مواد تجعلهم يكرهون الطعام حتى تجد الواحد منهم يخشى من الأكل أكثر من أي شيء فينتهي به المطاف الى فقدان الشهية و بفقدانها يضعف وزنه ، حتى تحسبه هيكل من الهياكل العظمية المكسوة بمزعة من لحم .
و قد بليت كثير من النساء و للأسف الشديد بالوسوسة ، لا وسوسة العبادة انما وسوسة السمنة فترى النحيلة منهن تريد أن تفقد الوزن و تحرم على نفسها أنواعا من الأطعمة فتجلب لنفسها بتصرفها الأرعن مرضا لم يكن لتحس به لو شكرت نعمة الله تعالى وقد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم كلما نظر الى المراة أن يقول :


اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي


اذن مشكلة هؤلاء المرضى ، و أقول مرضى لأنهم فعلا مرضى ، تكمن في عدم الإعتراف بالذات ، فمهما يكن شكلك عليك أن تحمد الله تعالى أن خلقك مسلما عاقلا و لتعلم أن الله جعل من حكمته في الخلق الإختلاف ليبلو بعضنا ببعض :
يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم
و لست أفهم لماذا يحاول بعض الناس مسخ هيئاتهم حتى يحاولوا ارضاء شخص مجهول ربما لا يبدي أي احساس تجاههم كما قال القائل :


جننا بليلى و ليلى جنت بغيرنا *** و أخرى جنت بنا لا نريدها


فقبل أن تحاول الفتاة أن ترضي الغير و رضاء الناس غاية لا تدرك و لو كان للبشر أن يرضوا أحدا لأرضوا ربهم المتفضل عليهم بالنعم غير أن الله تعالى يقول في الحديث القدسي :
اني و الجن و الإنس في نباء عظيم : أخلق و يعبد غيري ، أرزق و يشكر غيري ، خيري الى العباد نازل و شرهم الي صاعد ، أتحبب اليهم بالنعم و يتبغضون الي بالمعاصي
و هذه طبيعة الإنسان اذا مسه الشر جزوعا و اذا مسه الخير منوعا الا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ..
الإنسان الجهول لا يشكر و شكر النعمة زيادة لها :


اذا كنت في نعمة فارعها *** فان المعاصي تزيل النعم
و داوم عليها بشكر الإلاه*** فان الإلاه سريع النقم


على الإنسان أن يثق بنفسه و أن يعطي لنفسه قيمتها التي تستحق حتى يحترم ، و من هانت عنده نفسه كانت عند الناس أهون
ثم اذا تبين هذا فعلى الإنسان أن يعلم أن الشبع سبب كثير من البلايا ، قال بشر بن الحارث :ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال لأنه إذا شبع من الحلال دعته نفسه إلى الحرام فكيف من هذه الأقذار
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :ماملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه
و المشكلة و الله أعلم تكمن في أن أغلب المعنيين بالأمر يكثرون من الأكل ثم لا يتحركون ، لأن الحركة و العمل يمكنان الإنسان من الإعتدال فكما أن هناك ليل و نهار فلابد أن يكون هناك تعب و راحة فاذا زاد كل منهما عن حده انقلب الى ضده فكما أن ارهاق البدن يؤدي الى الحتف فان الخلود الى الراحة بؤدي الى هشاشة العظام و جمود في الذات ، و لهذا تجد السمنة غالبا في النساء اللواتي يلزمن أطعمة المطبخ أو الذكور ذوي الأعمال المريحة التي يتذوقون بها الأطعمة اللذيذة
و الحل لا يكمن اذن في الإمتناع عن الطعام و الشراب كما قال تعالى :
يأيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين
أو كقوله تعالى : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق
انما الحل يكمن في ضمير الإنسان فلو أكل الإنسان ثم صام لكان خيرا له كما قال تعالى : و أن تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون
و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : صوموا تصحوا
ثم اذا كان الناس يسألون عن سبب الأوجاع و الأمراض التي لم تكن في أسلافهم فليعلموا انما هو كما قال علماؤنا : تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوا من الفجور
و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم اذ يقول :
أوصيكم بأصحابي ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم ثمّ يفشوا الكذب ويظهر فيهم السِّمنُ يشهدونَ ولا يستشهدون وينذرون ولا يفون فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ولا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كان الشيطان ثالثهما

 

مواضيع الزاهد الورع