الحج عبادة و أخلاق
 

الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده و لم يجعل له عوجا ، و أشهد أن لا اله الا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صادق الوعد الأمين المبعوث بين يدي الساعة رحمة للعالمين و على أله و صحبه الميامين و بعد:
ان من الأركان و الأسس التي عليها بني الإسلام حج بيت الله الحرام ، و قد يسر الله على عباده المؤمنين من حيث أنه فرضه على ذوي اليسار و أوجبه عليهم مرة في العمر .
الحج موسم اعزاز لدين الله و تعظيم لشعائر الله استجابة لنداء الرحمن منذ أن أمر خليله ابراهيم عليه الصلاة و السلام برفع النداء ، و من حينها و الناس تقبل على البيت الحرام و البلد الحرام استجابة لأمر الله القائل : و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان الله غني عن العالمين
و الإستطاعة ههنا القدرة على الحج موؤنة و ركنا ، و قد رفع الله الحرج على المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ، و ليس من الحيل أن يحج المرء بمال حرام فالله طيب لا يقبل الا طيبا و قد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم رجلا أطال السفر أشعث أغبر ، يمد يديه الى السماء و مطعمه حرام و مشربه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب له ، فكيف يشهد المرء ربه على نفسه عند البيت العتيق أنه أخذ المال من غير حله كما قال تعالى :
ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على انفسهم بالكفر، اولئك حبطت اعمالهم وفي النار هم خالدون، انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الاخر واقام الصلاة واتى الزكاة ولم يخش الا الله، فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين
و ليس من الحيلة كذلك أن يحج المرء على ظهر غيره كما حدث لرجل خرج مع الناس ليحج بغير زاد و لا راحلة فأبصره الإمام أحمد رحمه الله فسأله ، فأجاب الرجل انما خرج من بيته قاصدا الحج متوكلا ، عندها قال له العالم الرباني امام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله : بل على جراب الناس توكلت
و هذا يفيد أنه ينبغي على المرء أن لا يتكلف و أن لا يحمل نفسه أو غيره ما لا يطيق فقد يستدين المرء و الدين منهي عنه كما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :الدين هم بالليل وذل بالنهار ، ثم قد يكون عنده ما يكفي للحج و يترك أهله بدون معونة طيلة أيام الحج ما يعرضهم الى المسألة أو الى تصرفات تؤدي الى المعصية
و كما أسلفنا ذكره فان الله أراد بعباده اليسر و قد هلك المتنطعون و ان الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه
ثم ان الذي يغفل عنه الكثيرين و الله أعلم بما في صدور العالمين هو اخلاص النية لله عز وجل و انما الأعمال بالنيات و انما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته لله و رسوله فهجرته لله و رسوله ، و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه
و الحج في العمر مرة و من زاد فهو تطوع ... ، ثم ان نبي الله صلى الله عليه و سلم ذكر أن شر الطعام طعام الوليمة يدعى اليها من يأباها و يمنعها من يأتيها ، و قد اتخذ الناس في هذه السنين تقاليد جعلوها دينا لم يأمر بها الله ، فان الواحد منهم اذا قصد حج بيت الله الحرام جمع الناس على طعام فيه تبذير و انفاق للأموال و اذا عاد زاد على ذلك بالدفوف و ما يصحبه من معصية ، حتى صار المرء اذا أراد الحج فكر و قدر كم من مال سيكفيه حتى يستضيف القرية لطعام الذهاب و الإياب و في ذلك مشقة على عباد الله لم يأمر بها الله و رسوله صلى الله عليه و سلم ، فالمرء لا يدعو ا الناس الى طعام كلما كبر و سلم و الله انما يتقبل من المتقين و قد كان عباد الله الصالحين من الذين سبقونا بالإيمان غفر الله لنا و لهم اذا أحسن خشي أن لا يقبل منه فكيف بهؤلاء يتبعون الحسنة السيئة , و من سرته حسنته و ساءته سيئته فذلكم المؤمن
كما ان بعض الناس يظن أن الحج لا يكون الا عند اقتراب الأجل ، حيث تبدو علاماته من انحناء الظهر و الرقبة ، و هذا الظن في غيره محله ، فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم باغتنام الخمس قبل خمس ثم قال : تعجلوا الحج فانه لا يدري أحدكم ما يعرض له
و الأمر بيد الله يصرف القلوب و الأمور كما يشاء و هو كل يوم في شأن ، لا مشيئة للعباد الا ما شاء لهم فما شاء لهم كان و ما لم يشاء لم يكن
ثم ان من البلاء أن يشيب المرء في الإسلام ثم لا يعلم أحكام أركانه التي به أمر ، و لو تعلم لكان خيرا له و أقوم ، و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم القائل : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
و لوكان لمن جهل أن يتعلم ، لعلم أن الإسلام دين نظام ، فلو تعلم المرء من صلاته ذاك النظام لتيسر على الناس حج بيت الله الحرام دون فسوق أو جدال ، فالحج ليس موضع استعراض للقوة و العضلات و انما هو موضع الخشوع و الرحمة ، ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم
قال تعالى : الحج أشهر معلومات : فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حج فلم يرفث و لم يفسق رجع من ذنوبه كيوم و لدته أمه
نسأل الله لمن حج حجا مبرورا و ذنبا مغفورا انه سميع عليم

الحج عبادة و أخلاق

مواضيع الزاهد الورع