إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيُّ
 
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، إِمَامُ الحَرَمَيْنِ، أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَيُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ:فِي أَوّل سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.(18/469)
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِيْهِ، وَأَبِي سَعْدٍ النّصرويِيّ، وَأَبِي حَسَّانٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المُزَكِّي، وَمَنْصُوْر بنِ رَامش، وَعِدَّة.
وَقِيْلَ:إِنَّهُ سَمِعَ حُضُوْراً مِنْ صَاحِب الأَصَمّ عَلِيِّ بن مُحَمَّدٍ الطِّرَازِيّ.
وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً سمِعنَاهَا.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيّ، وَزَاهِرٌ الشَّحَّامِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ المَسْجِدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَفِي(فُنُوْن)ابْنِ عَقِيْلَ:قَالَ عَمِيْدُ المُلْك:قَدِمَ أَبُو المَعَالِي، فَكلَّم أَبَا القَاسِمِ بن بَرْهَان فِي العبَاد، هَلْ لَهم أَفعَال؟
(35/443)

فَقَالَ أَبُو المَعَالِي:إِن وَجَدْتَ آيَةً تَقتضِي ذَا فَالحجّةُ لَكَ، فَتلاَ{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُوْنِ ذَلِكَ هم لَهَا عَامِلُوْنَ}[المُؤْمِنُوْنَ:63]وَمَدَّ بِهَا صَوْتَه، وَكَرَّرَ{هم لَهَا عَامِلُوْنَ}، وَقوله:{لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُوْنَ}[التَّوبَة:42]أَي كَانُوا مُسْتطيعين.
فَأَخَذَ أَبُو المَعَالِي يَسْتَروحُ إِلَى التَّأْوِيْل، فَقَالَ:وَاللهِ إِنَّكَ بَارِد؛تَتَأَوّلُ صَرِيحَ كَلاَمِ الله لِتُصَحِّحَ بتَأْويلِكَ كَلاَم الأَشْعَرِيّ، وَأَكَلَّهُ ابْنُ بَرْهَان بِالحُجَّة، فَبُهِتَ.(18/470)
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:كَانَ أَبُو المَعَالِي، إِمَامَ الأَئِمَّة عَلَى الإِطلاَق، مُجمَعاً عَلَى إِمَامتِهِ شرقاً وَغرباً، لَمْ تَرَ العُيُونُ مِثْلَهُ.
تَفَقَّهَ عَلَى وَالِده، وَتُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلأَبِي المَعَالِي عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَدرَّس مَكَانه، وَكَانَ يَتردَّدُ إِلَى مدرسَة البَيْهَقِيّ، وَأَحْكَمَ الأُصُوْلَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ الإِسفرَايينِيّ الإِسكَاف.
(35/444)

وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْ مِيْرَاثه وَمِنْ مَعلُوْمٍ لَهُ، إِلَى أَنْ ظهر التَّعصُّب بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَاضْطَرَبتِ الأَحْوَالُ، فَاضطر إِلَى السَّفَر عَنْ نَيْسَابُوْر، فَذَهَبَ إِلَى المعَسْكَر، ثُمَّ إِلَى بَغْدَادَ، وَصَحِبَ الوَزِيْرَ أَبَا نَصْر الكُنْدُرِيّ مُدَّة يَطُوْفُ مَعَهُ، وَيلتقِي فِي حضَرتِهِ بكِبَارِ العُلَمَاءِ، وَيُنَاظرهُم، فَتَحَنَّك بِهِم، وَتهذَّب، وَشَاعَ ذِكْرهُ، ثُمَّ حَجَّ، وَجَاوَرَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ يَدرِّس، وَيُفْتِي، وَيَجمَعُ طُرُقَ المَذْهَب، إِلَى أَنْ رَجَعَ إِلَى بلده بَعْد مُضِيِّ نَوْبَة التَّعَصُّب، فَدرَّس بنظَامِيَّة نَيْسَابُوْر، وَاسْتقَام الأَمْر، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً غَيْر مُزَاحَم وَلاَ مُدَافَع، مُسَلَّماً لَهُ المِحْرَابُ وَالمِنْبَر وَالخُطبَة وَالتدرِيس، وَمَجْلِسُ الوعظ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَظهرت تَصَانِيْفُهُ، وَحضر درسه الأَكَابِرُ وَالجمعُ العَظِيْم مِنَ الطَّلَبَة، كَانَ يَقعدُ بَيْنَ يَدَيْهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَث مائَة، وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنذرِيّ قَالَ:
تُوُفِّيَ وَالِد أَبِي المَعَالِي، فَأُقعِد مَكَانه وَلَمْ يُكْمِل عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَكَانَ يَدرِّس، وَأَحكم الأُصُوْل عَلَى أَبِي القَاسِمِ الإِسكَاف، وَجَاورَ ثُمَّ رَجَعَ...إِلَى أَنْ قَالَ:
وَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَأَبِي سَعْدٍ بن عَليَّك، وَفضلِ الله بن أَبِي الخَيْرِ المِيْهَنِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ البَغْدَادِيّ، وَأَجَاز لَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، وَسَمِعَ مِنَ الطّرَازِيّ، كَذَا قَالَ.
(35/445)

وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:قَرَأْتُ بخط أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ بن أَبِي عَلِيٍّ:سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفِيروزآبَادِي يَقُوْلُ:تَمَتَّعُوا مِنْ هَذَا الإِمَام، فَإِنَّهُ نُزْهَةُ هَذَا الزَّمَان - يَعْنِي:أَبَا المعَالِي الجُوَيْنِيّ - .(18/471)
وَقَرَأْتُ بخطِّ أَبِي جَعْفَرٍ أَيْضاً:سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي يَقُوْلُ:قَرَأْتُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً، ثُمَّ خَلَّيْتُ أَهْلَ الإِسْلاَم بِإِسلاَمهم فِيْهَا وَعلُوْمهم الظَّاهِرَة، وَركبتُ البَحْرَ الخِضَمَّ، وَغُصتُ فِي الَّذِي نَهَى أَهْلُ الإِسْلاَم، كُلّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ الحَقّ، وَكُنْتُ أَهرُبُ فِي سَالفِ الدَّهْر مِنَ التقليد، وَالآنَ فَقَدْ رَجَعت إِلَى كلمَة الحَقّ، عَلَيْكُم بدين العجَائِز، فَإِنْ لَمْ يَدركنِي الحَقّ بلطيف برّه، فَأَمُوْت عَلَى دين العجَائِز، وَيُخْتم عَاقبَة أَمرِي عِنْد الرّحيل عَلَى كلمَة الإِخلاَص:لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، فَالويلُ لابْنِ الجُوَيْنِيّ.
قُلْتُ:كَانَ هَذَا الإِمَام مَعَ فَرْط ذكَائِهِ وَإِمَامته فِي الفروع وَأُصُوْلِ المَذْهَب وَقُوَّةِ مُنَاظرته لاَ يَدْرِي الحَدِيْثَ كَمَا يَليق بِهِ لاَ مَتْناً وَلاَ إِسْنَاداً.
ذكر فِي كِتَابِ(البُرْهَان)حَدِيْث مُعَاذٍ فِي القيَاسِ فَقَالَ:هُوَ مُدَوَّنٌ فِي الصِّحَاح، متفق عَلَى صحَّته.(18/472)
قُلْتُ:بَلْ مَدَارُه عَلَى الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو، وَفِيْهِ جهَالَة، عَنْ رِجَال مِنْ أَهْلِ حِمْص، عَنْ مُعَاذ.
فَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
قَالَ المَازرِيّ فِي شرح(البُرْهَان)فِي قَوْله:إِنَّ اللهَ يَعلَمُ الكُلِّيَّاتِ لاَ الجُزْئِيَّات:وَدِدْتُ لَوْ مَحَوْتُهَا بِدَمِي.
وَقِيْلَ:لَمْ يَقُلْ بِهَذِهِ المَسْأَلَة تَصرِيحاً، بَلْ أُلزم بِهَا لأَنَّه
(35/446)

قَالَ بِمسَأَلَة الاسْترسَال فِيمَا لَيْسَ بِمُتَنَاهٍ مِنْ نَعيمِ أَهْل الجَنَّة، فَاللهُ أَعْلَم.
قُلْتُ:هَذِهِ هَفْوَة اعتزَال، هُجِرَ أَبُو المَعَالِي عَلَيْهَا، وَحَلَفَ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ لاَ يُكَلِّمهُ، وَنُفِيَ بِسَبَبهَا، فَجَاور وَتعبَّد، وَتَاب - وَللهِ الحَمْدُ - مِنْهَا، كَمَا أَنَّهُ فِي الآخَرِ رجَّحَ مَذْهَب السَّلَف فِي الصِّفَات وَأَقَرَّه.(18/473)
قَالَ الفَقِيْه غَانِم المُوْشِيلِي:سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا المعَالِي يَقُوْلُ:لَوِ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ مَا اشْتَغَلتُ بِالكَلاَم.
(35/447)

قَالَ أَبُو المَعَالِي فِي كِتَابِ(الرِّسَالَة النّظَامِيَّة):اخْتلفت مسَالكُ العُلَمَاء فِي الظَّوَاهر الَّتِي وَردت فِي الكِتَاب وَالسّنَّة، وَامْتَنَعَ عَلَى أَهْلِ الحَقِّ فَحوَاهَا، فَرَأَى بَعْضُهم تَأْويلَهَا، وَالتَزَم ذَلِكَ فِي القُرْآن، وَمَا يَصح مِنَ السُّنَن وَذَهَبَ أَئِمَّة السَّلَف إِلَى الاَنكِفَاف، عَنِ التَّأْوِيْل وَإِجرَاءِ الظَّوَاهر عَلَى مَوَاردهَا، وَتَفويضِ معَانِيْهَا إِلَى الرَّب تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيْه رَأْياً، وَنَدينُ الله بِهِ عَقداً اتِّبَاعُ سلفِ الأُمَّة، فَالأُوْلَى الاَتِّبَاعُ، وَالِدَّليلُ السَّمَعِيُّ القَاطعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجمَاع الأُمَّة حُجَّةٌ مُتَّبَعَة، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَم الشَّرِيعَة، وَقَدْ درج صَحْبُ الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ترك التَّعرض لِمَعَانِيْهَا وَدَرْكِ مَا فِيْهَا وَهم صِفْوَة الإِسْلاَم المُسْتقلُّوْنَ بِأَعبَاءِ الشَّرِيعَة، وَكَانُوا لاَ يَأْلُوْنَ جهداً فِي ضبط قوَاعدِ الملَّة وَالتَّوَاصِي بحِفْظِهَا، وَتعَلِيْمِ النَّاس مَا يَحتَاجُوْنَ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَلَو كَانَ تَأْويلُ هَذِهِ الظوَاهر مسوَغاً أَومحتُوْماً؛لأَوشك أَنْ يَكُوْنَ اهتمَامُهم بِهَا فَوْقَ اهتمَامِهم بفُروع الشّرِيعَة، فَإِذَا تَصرَّم عصرُهم وَعصرُ التَّابِعِيْنَ عَلَى الإِضرَاب عَنِ التَّأْوِيْل؛كَانَ ذَلِكَ قَاطعاً بِأَنَّهُ الوَجْهُ المُتَّبع، فَحقَّ عَلَى ذِي الدِّيْن أَنْ يَعتقد تَنَزُّه البَارِي عَنْ صِفَات المُحْدَثِيْنَ، وَلاَ يَخوضَ فِي تَأْويل المشكلاَت، وَيَكِلَ معنَاهَا إِلَى الرَّب، فَلْيُجْرِ آيَة الاسْتِوَاءِ وَالمجِيْء وَقوله:{لِمَا خَلَقْتُ بَيَدَيّ}[ص:75]، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرَّحْمَن:27]، وَ{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القَمَر:14].
(35/448)

وَمَا صَحَّ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُول كخبر النُّزَولِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذكرنَاهُ.(18/474)
قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ:سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ القَيْرَوَانِيّ الأَدِيْبَ - وَكَانَ يَخْتلِف إِلَى درس الأُسْتَاذ أَبِي المَعَالِي فِي الكَلاَم - فَقَالَ:سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي اليَوْم يَقُوْلُ:
يَا أَصْحَابنَا لاَ تَشتغلُوا بِالكَلاَم، فَلَو عَرَفْتُ أَنَّ الكَلاَم يَبلغُ بِي مَا بلغَ مَا اشْتَغَلتُ بِهِ.
وَحَكَى الفَقِيْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ الرُّسْتمِيّ قَالَ:حَكَى لَنَا أَبُو الفَتْحِ الطّبرِيُّ الفَقِيْه قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ:اشَهِدُوا عَليَّ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْ كُلِّ مَقَالَةٍ تُخَالف السُّنَّة، وَأَنِّي أَمُوْتُ عَلَى مَا يَموتُ عَلَيْهِ عجَائِز نَيْسَابُوْر.(18/475)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ:حضَر المُحَدِّثُ أَبُو جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيّ فِي مَجْلِسَ وَعظِ أَبِي المَعَالِي، فَقَالَ:كَانَ اللهُ وَلاَ عرش، وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَر:أَخْبِرْنَا يَا أَسْتَاذ عَنْ هَذِهِ الضَّرُوْرَة الَّتِي نَجدُهَا، مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ:يَا الله!إِلاَّ وَجَد مِنْ قَلْبِهِ ضَرُوْرَة تَطلب العلوَّ وَلاَ يَلتَفِتُ يَمنَةً وَلاَ يَسرَةً، فَكَيْفَ نَدفَعُ هَذِهِ الضَّرُوْرَة عَنْ أَنْفُسنَا؟، أَوْ قَالَ:فَهَلْ عِنْدَك دوَاءٌ لدفعِ هَذِهِ الضَّرُوْرَة الَّتِي نَجدُهَا؟
فَقَالَ:يَا حَبِيْبِي!مَا ثمَّ إِلاَّ الحَيْرَة.
وَلطم عَلَى رَأْسه، وَنَزَلَ، وَبَقِيَ وَقت عَجِيْب، وَقَالَ فِيمَا بَعْد:حيَّرنِي الهَمَذَانِيّ.
(35/449)

لأَبِي المَعَالِي كِتَاب(نِهَايَة المَطلِب فِي المَذْهَب)؛ثَمَانِيَة أَسفَار، وَكِتَاب(الإِرشَاد فِي أُصُوْل الدِّيْنِ)، كِتَاب(الرِّسَالَة النّظَامِيَّة فِي الأَحكَام الإِسلاَمِيَّة)، كِتَاب(الشَّامل فِي أُصُوْل الدِّيْنِ)، كِتَاب(البُرْهَان فِي أُصُوْل الفِقْه)، كِتَاب(مدَارك العُقُوْل)لَمْ يُتِمَّه، كِتَاب(غِيَاث الأُمَم فِي الإِمَامَة)، كِتَاب(مُغِيْث الخلق فِي اخْتيَار الأَحقّ)، كِتَاب(غُنيَة المُسْترشدين)فِي الخلاَف.(18/476)
وَكَانَ إِذَا أَخَذَ فِي عِلم الصُّوْفِيَّة وَشَرْحِ الأَحْوَال أَبَكَى الحَاضِرِيْنَ، وَكَانَ يذكر فِي اليَوْمِ دروساً؛الدَّرسُ فِي عِدَّة أَورَاق، لاَ يَتَلَعْثَمُ فِي كلمَةٍ مِنْهَا.
وَصفه بِهَذَا وَأَضعَافِه عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
تُوُفِّيَ:فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيع الآخر سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَدُفِنَ فِي دَارِهِ، ثُمَّ نُقِلَ بَعْد سِنِيْنَ إِلَى مَقْبَرَة الحُسَيْن، فَدُفِنَ بِجنب وَالِده، وَكسرُوا مِنْبَره، وَغُلِّقَتِ الأَسواق، وَرُثِي بقصَائِد، وَكَانَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِ مائَة تِلْمِيْذ، كَسرُوا محَابِرَهم وَأَقلاَمهُم، وَأَقَامُوا حَوْلاً، وَوُضعتِ المنَادِيل عَنِ الرُّؤُوس عَاماً، بِحَيْثُ مَا اجْترَأَ أَحَدٌ عَلَى سَتْرِ رَأْسِه، وَكَانَتِ الطَّلَبَةُ يَطوفُوْنَ فِي البلدِ نَائِحين عَلَيْهِ، مُبَالغِيْن فِي الصِّيَاح وَالجَزَعِ.
قُلْتُ:هَذَا كَانَ مِنْ زِيّ الأَعَاجم لاَ مِنْ فِعل العُلَمَاء المتّبعين.(18/477)
(35/450)

وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي فِي(الدمِيَة)فِي حقّه:الفِقْهُ فَقه الشَّافِعِيّ وَالأَدبُ أَدبُ الأَصْمَعِيّ، وَفِي الوعظ الحَسَنِ الحَسَنُ البَصْرِيّ، وَكَيْفَ مَا هُوَ فَهُوَ إِمَام كُلِّ إِمَام، وَالمُسْتَعلِي بهِمَّتِهِ عَلَى كُلِّ هَام، وَالفَائِز بِالظَّفَر عَلَى إِرغَام كُلّ ضِرْغَام، إِنْ تَصدَّر لِلفقه، فَالمُزَنِيّ مِنْ مُزْنَتِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ فَالأَشْعَرِيّ شَعْرَةٌ مِنْ وَفْرَتِهِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْه فِي كِتَابِهِ، عَنْ عبدِ القَادِر الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الحَافِظ، سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ:{الرَّحْمَن عَلَى العرش}[طه:5]فَقَالَ:كَانَ اللهُ وَلاَ عرش.
وَجَعَلَ يَتخبَّطُ، فَقُلْتُ:هَلْ عِنْدَك لِلضرُوْرَاتِ مِنْ حِيْلَةٍ؟
فَقَالَ:مَا مَعْنَى هَذِهِ الإِشَارَة؟
قُلْتُ:مَا قَالَ عَارِف قَطُّ:يَا رباه!إِلاَّ قَبْلَ أَنْ يَتحرك لِسَانه، قَامَ مِنْ باطنه قصدٌ لاَ يَلتفت يَمنَةً وَلاَ يَسرَةً - يَقصِد الفَوْقَ - فَهَلْ لِهَذَا القصدِ الضّرُوْرِيِّ عِنْدَك مِنْ حِيْلَة؛فَتُنْبِئَنَا نَتخلَّص مِنَ الفوق وَالتّحت؟وَبكَيْتُ وَبَكَى الخَلْقُ، فَضَرَبَ بكُمِّه عَلَى السَّرِيْر، وَصَاح بِالحَيْرَة، وَمَزَّق مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَصَارَت قِيَامَةٌ فِي المَسْجَدِ، وَنَزَلَ يَقُوْلُ:يَا حَبِيْبِي!الحيرَة الحيرَة، وَالدّهشَة الدّهشَة.(18/478)
(35/451)