أَبُو يُوْسُفَ القَزْوِيْنِيُّ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُحَمَّدٍ
 
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ وَفَاضِلهُم، أَبُو يُوْسُفَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ بُنْدَارٍ القَزْوِيْنِيُّ المُفَسِّرُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ:أَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَالقَاضِي عَبْدَ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ، وَأخذ عَنْهُ الاعتزَال، وَسَمِعَ بهَمَذَان مِنْ أَبِي طَاهِر بن سَلَمَةَ، وَبِأَصْبَهَانَ عنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَبِحَرَّانَ عَنْ أَبِي القَاسِمِ الزَّيديّ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البنّاء، وَهِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس، وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّحَبِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ الحَافِظ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ أَحَدَ الفُضَلاَء المُقَدَّمِين، جمع(التَّفْسِيْر)الكَبِيْر الَّذِي لَمْ يُرَ فِي التَّفَاسير أَكْبَر مِنْهُ، وَلاَ أَجْمَع لِلفَوَائِد، لَوْلاَ أَنَّهُ مزجه بِالاعتزَال، وَبثَّ فِيْهِ مُعتَقده، وَلَمْ يَتَّبع نهج السَّلَف، أَقَامَ بِمِصْرَ سِنِيْنَ، وَحصَّل أَحمَالاً مِنَ الكُتُب، وَحملَهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى الاعتزَال.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر:سَكَنَ طرَابُلُس مُدَّة.
سَمِعْتُ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ يَقُوْلُ:إِنَّ أَبَا يُوْسُف صَنَّف(التَّفْسِيْر)فِي ثَلاَثِ مائَة مُجَلَّدٍ وَنَيِّفٍ.
وقَالَ:مَنْ قرَأَه عَلِيَّ وَهَبْتُ لَهُ النُّسْخَة.
(36/97)

فَلَمْ يَقرَأْه أَحَد.
وَقَالَ هِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس:دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَقَدْ زَمِنَ، فَقَالَ:مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قُلْتُ:مَنْ دِمَشْق.
قَالَ:بَلَدِ النَّصْب.(18/618)
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر:قِيْلَ:سَأَله ابْن البَرَّاج شَيْخُ الرَّافِضَّة بِطَرَابُلس:مَا تَقُوْلُ فِي الشَّيخين؟
قَالَ:سِفلتَان.
قَالَ:مَنْ تَعْنِي؟
قَالَ:أَنَا وَأَنْت.
ابْنُ عَقِيْل فِي(فُنونه)قَالَ:قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مِصْرَ القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ القَزْوِيْنِيّ، وَكَانَ يَفتخر بِالاعتزَال، وَيَتوسَّعُ فِي قدح العُلَمَاء، وَلَهُ جُرْأَةٌ، وَكَانَ إِذَا قصد بَاب نَظَام الملك؛يَقُوْلُ:استَأْذنُوا لأَبِي يُوْسُفَ المُعْتَزِلِي.
وَكَانَ طَوِيْلَ اللِّسَان بِعِلْمٍ تَارَةً، وَبِسَفَهٍ تَارَةً، لَمْ يَكُنْ مُحققاً إِلاَّ فِي التَّفْسِيْر، فَانَّه لَهِجَ بِذَلِكَ حَتَّى جمع كِتَاباً بلغَ خَمْسَ مائَةِ مُجلَّد، فِيْهِ العَجَائِب، رَأَيْتُ مِنْهُ مُجلَّدَةً فِي آيَة وَاحِدَة، وَهِيَ:{واتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ}[البَقَرَةُ:102]فَذَكَرَ السِّحْرَ وَالمُلُوْك الَّذِيْنَ نَفق عَلَيْهِم السِّحرُ، وَتَأْثيرَاته وَأَنْوَاعه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ:مَلك مِنَ الكُتُب مَا لَمْ يَملِكه أَحَدٌ، قِيْلَ:ابْتَاعهَا مِنْ مِصْرَ بِالخُبز وَقت القَحط، وحَدَّثَنِي عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ ابْتَاعهَا بِالأَثَمَان الغَاليَة.
كَانَ يَبتَاع مِنْ كُتُب السِّيرَافِيّ، وَكَانَتْ أَزِيدَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلف مُجلَّد، فَكَانَ أَبُو يُوْسُفَ يَشْتَرِي فِي كُلِّ أُسْبُوْع بِمائَةِ دِيْنَارٍ، وَيَقُوْلُ:قَدْ بِعتُ رحلِي وَمَا فِي بَيْتِي.
وَكَانَ الرُّؤَسَاء يَصِلُونَهُ، وَقِيْلَ:قَدِمَ بَغْدَادَ بِعَشْرَةِ أَحمَالِ كُتب، وَأَكْثَرُهَا بخُطُوط مَنْسُوْبَة.
(36/98)

وَعَنْهُ قَالَ:مَلكتُ سِتِّيْنَ تَفسيراً.(18/619)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ:وَأَهدَى لِلنِّظَامِ(غَرِيْب الحَدِيْث)لإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ فِي عَشْرِ مُجَلَّدَات، و(شعر الكُمَيْت)فِي ثَلاَث عشر مجلدَة، و(عَهْدَ)القَاضِي عَبْد الجَبَّارِ بخطّ الصَّاحب إِسْمَاعِيْل بن عَبَّادٍ، كُلّ سطر فِي وَرقَة، وَلَهُ غلاَف آبنُوس فِي غلظ الأُسْطُوَانَة، وَأَهدَى لَهُ مُصحفاً بخطٍّ مَنْسُوْب بَيْنَ سطوره القِرَاءات بِأَحْمَر، وَاللُّغَةُ بِأَخضر، وَالإِعرَابُ بِأَزرق، وَهُوَ مُذَهَّب، فَأَعْطَاهُ النّظَامُ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَمَا أَنْصَفَه، لَكنَّه اعتذر، وَقَالَ:مَا عِنْدِي مَالٌ حَلاَلٌ سِوَاهَا.
قَالَ المُؤتَمَن:تركتُه لِمَا كَانَ يَتظَاهِر بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ:وَكَانَ فَصِيْحاً، حُلوَ الإِشَارَة، يَحفظ غَرَائِب الحِكَايَات وَالأَخْبَار، زِيديَّ المَذْهَب، فَسَّر فِي سَبْع مائَة مُجَلَّدٍ كِبَارِ.
قيل:دخل الغزَالِيُّ إِلَيْهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ:مِنَ المدرسَة بِبَغْدَادَ.
قَالَ الغزَالِيّ:لَوْ قُلْتُ:إِنِّيْ مِنْ طُوْس، لذكر تَغفِيل أَهْلِ طُوْس، مِنْ أَنَّهم سَأَلُوا المَأْمُوْن، وَتوسَّلُوا إِلَيْهِ بقبرِ أَبِيْهِ عِنْدَهُم، وَطَلَبُوا أَنْ يُحَوِّلَ الكَعْبَة إِلَى بلدهم.
وَأَنَّهُ جَاءَ عَنْ بَعْضِهم أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَجمه، فَقَال:بالتَّيس.
فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ:كَانَ مِنْ سَنتين بِالجدي، وَالسَّاعَةَ قَدْ كَبِرَ.(18/620)
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة:أَبُو يُوْسُفَ كَانَ مُعْتَزِليّاً دَاعِيَةً يَقُوْلُ:لَمْ يَبْقَ مَنْ يَنْصُر هَذَا المَذْهَب غَيْرِي، وَكَانَ قَدْ أَسنّ، وَكَادَ أَنْ يَخفَى فِي مَجْلِسِهِ، وَلَهُ لِسَانُ شَابٍّ.
(36/99)

ذكر لِي أَنَّ(تَفْسِيْره)ثَلاَثُ مائَةِ مُجلَّد، مِنْهَا سَبْعَةٌ فِي سُوْرَة الفَاتِحَة.
وَكَانَ عِنْدَهُ جُزء مِنْ حَدِيْثِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الأَنْصَارِيّ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بَعْضَه، عَنِ القَاضِي عَبْدِ الجَبَّارِ، عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، قرَأْتُهُ لولَدَيْ شَيْخِنَا ابْن سِوَار المُقْرِئ، وَقَرَأْتُ لَهُمَا جزءاً مِنْ حَدِيْثِ المَحَامِلِيّ، وَسَمِعَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ أَوْ نَحْوهَا.
وَكَانَ لاَ يُسَالِم أَحَداً مِنَ السَّلَف، وَيَقُوْلُ لَنَا:اخْرجُوا تَدْخُلِ المَلاَئِكَة.
وَقِيْلَ:وُلِدَ سَنَةَ(393).
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ:مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
بعُوْنَ الله وَتوفِيقه تَمَّ الجزء الثَّامن عشر مِنْ(سير أَعْلاَم النُّبَلاَء)وَيتلُوْهُ الجزء التَّاسع عشر، وَأَوَّلُه:تَرْجَمَة الدَّبَّاس مُحَمَّد بن عَلِيٍّ البغويّ.
وَجَاءَ فِي آخِرِ الأَصْلِ مَا نَصُّهُ:
تم الجُزءُ الحَادِي عَشَرَ بِحَمْدِ الله تَعَالى وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ.
وَصَلَّى الله عَلَى سيِّدنَا مُحَمَّد وَآله وَصحبِه، وَسلَّمَ تَسلِيماً كَثِيْراً، وَكَانَ الفرَاغُ مِنْهُ لَيْلَةَ الاثْنَيْن، لِثِنْتَي عَشْرةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ شَهرِ ذِي الحِجَةِ، سَنةَ 741.
وَهِي أوَّلُ نُسخةٍ نُسختْ مِن خَطِّ المُصنِّفِ، وَيَتلُوه في الَّذي يَلِيهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى - :مُحَمَّد بن عَلِيٍّ البغويّ الدَّبَّاس.
(36/100)

المُجَلَّدُ التَّاسِعَ عَشَرَ
(19/5)