ظَهِيْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الرُّوذْرَاوَرِيُّ
 
الوَزِيْرُ العَادلُ، ظَهِيرُ الدِّين، أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّد الرُّوذْرَاوَرِي.
مَوْلِدُهُ:بِقَلْعَة كَنْكُور، مِنْ أَعْمَالِ هَمَذَان، سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ:تَغَيَّر القَائِمُ عَلَى وَزِيْره أَبِي نَصْرٍ بن جَهير، فَصرفه بِأَبِي يَعْلَى الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَخَدَم وَلدُه أَبُو شُجَاعٍ صهرُ ابْن رضوَان القَائِم بِثَلاَثِيْنَ أَلف دِيْنَارٍ.
(37/23)

فَعزلَ ابْنَ جَهير سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَمَاتَ حِيْنَئِذٍ أَبُو يَعْلَى، فَعُوِّضَ وَلدُه أَبُو شُجَاعٍ عَنِ المَال بِدَارِ البسَاسيرِي، فَبَاع مِنْهَا بِأَضعَافِ ذَلِكَ المَالِ، وَتَكَسَّب، وَتَعَانَى العَقَار، ثُمَّ خَدَمَ وَلِيَّ العَهْدِ المقتدي، وَصَارَ صَاحِبَ سِرِّهِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ، عَظُمَ أَبُو شُجَاعٍ، فَسَمِعَ نِظَامُ الملك، فَكَاتَب المقتدي فِي إِبْعَاده، فَكَتَبَ المقتدي إِلَى النِّظَام بخطِّه يُعرِّفه مَنْزِلَةَ أَبِي شُجَاع لديه، وَيَصِفُ دينه وَفضلَه، ثُمَّ أَمر أَبَا شُجَاع بِالمضِيِّ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَبَعَثَ فِي خدمته خَادمَه مختصاً، فَخضع النِّظَام، وَعَاد لأَبِي شُجَاع بِالودِّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، ثُمَّ عَزَل المقتدي ابْنَ جَهير فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا شُجَاع، وَأَقْبَلت سعَادتُه، وَتَمَكَّنَ مِنَ المقتدي تَمكُّناً عجيباً، وَعزَّت الخِلاَفَةُ، وَأَمِنَ النَّاسُ، وَعُمِرَتِ العِرَاق، وَكَثرت المكَاسبُ.(19/29)
وَكَانَ كَثِيْرَ التِّلاَوَة وَالتَّهجُّد، وَيَكْتُب مَصَاحِفَ، وَيَجْلِس لِلمَظَالِمِ، فَيغتصُّ الدِّيْوَان بِالسَّادَة وَالكُبَرَاء، وَيُنَادِي الحُجَّاب:أَيْنَ أَصْحَابُ الحوَائِج؟فِيُنْصِفُ المَظْلُوْم، وَيُؤَدِّي عَنِ المَحْبُوس، وَلَهُ فِي عدله حِكَايَاتٌ فِي إِنصَاف الضَّعِيْف مِنَ الأَمِيْرِ.
وَخَلعت عَلَيْهِ بِنْتُ السُّلْطَان ملكشَاهُ حِيْنَ تَزَوَّجت بِالمقتدي، فَاسْتعفَى مِنْ لُبس الحَرِيْر، فَنفَّذت لَهُ عِمَامَةً وَدَبِيقيَّةً بِمائتين وَسَبْعِيْنَ دِيْنَاراً، فَلبسهَا.
وَقِيْلَ:إِنَّهُ أَمر لَيْلَةً بعمل قطَائِف، فَلَمَّا أُحْضِرَت، تذكَّر نُفُوْسَ مسَاكين تَشتهيهَا، فَأَمر بِحملهَا إِلَى فُقَرَاء وَأَضرَّاء.
(37/24)

وَقِيْلَ:أُحصي مَا أَنفقه عَلَى يَد كَاتِبٍ لَهُ، فَبَلَغَ أَزْيدَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
قَالَ الكَاتِب:وَكُنْتُ وَاحِداً مِنْ عَشْرَة يَتَوَلَّوْنَ صَدَقَاتِهِ.
وَكَانَ كَامِلاً فِي فُنُوْن، وَلَهُ يَدٌ بيضَاء فِي البلاغَة وَالبيَان، وَكِتَابَتُه طَبَقَةٌ عَالِيَة عَلَى طرِيقَة ابْنِ مُقلَة.
وَلَقَدْ بالغ ابْنُ النَّجَّار فِي اسْتيفَاء تَرْجَمَته.(19/30)
وَزر سَبْعَ سِنِيْنَ وَسَبْعَةَ أَشهر، ثُمَّ عُزِلَ بِأَمر السُّلْطَان مَلِكشَاهُ لِلْخَلِيْفَة لِمَوْجِدَةٍ، فَأَنْشَدَ أَبُو شُجَاعٍ:
تَولاَّهَا وَلَيْسَ لَهُ عَدُوٌّ*وَفَارَقَهَا وَلَيْسَ لَهُ صَدِيْقُ
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الجُمُعَةِ، فَضجَّتِ العَامَّةُ يَدعُوْنَ لَهُ، وَيُصَافحونه، فَأُلزم لِذَلِكَ بِأَنْ لاَ يَخْرُج مِنْ دَاره، فَاتَّخَذَ فِي دِهليزه مَسْجِداً، ثُمَّ حَجَّ لِعَامِهِ، وَرجع، فَمُنِعَ مِنْ دُخُوْل بَغْدَاد، وَبُعِثَ إِلَى رُوذْرَاور، فَبقِي فِيْهَا سنتين، ثُمَّ حَجَّ بَعْد مَوْتِ النّظَام وَالسُّلْطَان وَالخَلِيْفَة، وَنَزَلَ المَدِيْنَة وَتَزَهَّد، فَمَاتَ خَادِمٌ، فَأَعْطَى الخدَامَ ذهباً، حَتَّى جُعِلَ مَوْضِعَ الخَادِم، فَكَانَ يَكنُس وَيُوقِدُ، وَلَبِسَ الخَام، وَحَفِظَ القُرْآن هُنَاكَ، وَطلب مِنْهُ أَبُو عَلِيٍّ العِجْلِيّ أَنْ يَقرَأَ عَلَيْهِ دِيْوَانَه، فَامْتَنَعَ، وَأَنشده بعضه.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الهَمَذَانِيّ:دُفِنَ بِالبَقِيْع، فِي نِصْفِ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - .
وَخَلَّف مِنَ الوَلَد الصَّاحبَ نظَامَ الدِّين، فَتُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَهُوَ وَالِدُ الوَزِيْر المُعْظَم ظهِيرِ الدّين مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ حُسَيْن ابن الوَزِيْر أَبِي شُجَاع.(19/31)
وَزَرَ لِلمُسْتظهر فِي حَيَاة أَبِيْهِ، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ لَحِقَ بِالسُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه، فَتَشَفَّعَ السُّلْطَانُ فِي الوَلَد إِلَى المُسْتظهِر حَتَّى اسْتوزره، فَوزر، وَسِنُّه يَوْمَئِذٍ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّة أَشْهُرٍ، وَنَاب عَنْهُ عَلِيّ بن طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، ثُمَّ اسْتُخلف المُسْترشد، فَعَزَلَهُ، وَلَمْ يُسْتَخدم بَعْدهَا، وَلَزِمَ دَاره نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً مُرَفَّهاً مُكرَّماً، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّدَقَة.
مَاتَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
(37/25)