فَخْرُ المُلْكِ بن عَمَّارٍ
 
صَاحِب طَرَابُلُس، كَانَ مِنْ دُهَاة الرِّجَال وَأَفرَادِ الزَّمَان شَجَاعَةً وَإِقدَاماً وَرَأْياً وَحَزْماً، ابْتُلِي بَلَدُهُ بِحصَارِ الفِرَنْجِ خَمْسَة أَعْوَام، وَهُوَ يُقَاومهُم وَيُنكِي فِي العَدُوّ، وَيَستظهِرُ عَلَيْهِم، وَيُرَاسِلُ مُلُوْكَ الأَطرَافِ، وَيُتحِفُهُم بِالهدَايَا، وَهُم حَائِرُوْنَ فِي أَنْفُسهم، وَلَمْ يُنْجِدْه أَحَد، وَقَدْ رَاسل صَاحِبَ الرُّوْم مَرَّات، وَكَانَ حَسَنَ التَّدْبِيْر فِي الحِصَار، جَيِّدَ المكيدَة وَالمخَادعَة، براً وَبَحْراً، شتَاءً وَصيفاً، حَتَّى تَفَانت رِجَالُه، وَكَلَّتْ أَبْطَالُه، فَرَكِبَ فِي البَحْر، وَطَلَع حَتَّى قَدِمَ دِمَشْق، وَأُخِذَتْ طَرَابُلُس مِنْهُ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، فَأَقطعه طُغْتِكِيْن قَرْيَة الزَّبَدَانِي، وَكَانَ لِشِدَّة مَا نَزل بِهِ يُصَادرُ الرَّعيَّة وَيَعْسِفُهُم، وَجَرَتْ لَهُ تَنَقُّلاَتٌ وَأَحْوَال، إِلَى أَنْ أَدبرت أَيَّامُهُ، وَوَافَاهُ حِمَامُه - وَاللهُ يَسْمَحُ لَهُ - .(19/312)
(37/291)