ابْنُ الخَيَّاط أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ
 
شَاعِرُ عَصْرِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن يَحْيَى بنِ صَدَقَة التَّغْلِبِيّ، الدِّمَشْقِيّ، الكَاتِبُ، مِنْ كِبَارِ الأَدبَاء، وَنظمُهُ فِي الذِّرْوَةِ، وَ(دِيْوَانُهُ)شَائِع، عَاشَ سَبْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ:سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَلَهُ:
أَوَ مَا تَرَى قَلَقَ الغَدِيْرِ كَأَنَّهُ*يَبْدُو لِعَيْنِكَ مِنْهُ حَلْيُ مَنَاطِقِ
مُتَرَقْرِقٍ لَعِبَ الشُّعَاعُ بِمَائِهِ*فَارْتَجَّ يَخْفِقُ مِثْلَ ثَلْبِ العَاشِقِ
فَابْن الخَيَّاط الدِّمَشْقِيّ، هُوَ أَحْمَد بن سنِي الدَّوْلَة أَبِي الكَتَائِب الكَاتِب ابْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ مِنْ طَرَابُلُس، وَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بحَمَاة لأَبِي الفوَارس بن مَانك، وَخدمه مُدَّةً، ثُمَّ اشْتُهِرَ بِالشّعر، وَمدحَ المُلُوْكَ وَالأُمَرَاءَ، وَاجتمع بِحَلَبَ بِالأَمِيْر أَبِي الفِتيَان بن حيُّوس، وَرَوَى عَنْهُ، وَعَنِ:السَّابِق مُحَمَّد بن الخَضِر بن أَبِي مهزول المعرِي، وَحَسَّان بن الحُبَابِ، وَأَبِي نَصْرٍ بن الخيسِي، وَعَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ الدويدَة.
رَوَى عَنْهُ:أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّليطُلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ القَيْسَرَانِيّ الشَّاعِر، وَتَخَرَّج بِهِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ ابْنُ الخَيَّاط شَاعِرَ الشَّام.
وَقَالَ لِي أَبُو الفوَارس نَجَاءُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العُمَرِيّ بِدِمَشْقَ سَنَة عَشْرٍ - وَكَانَ شَاعِراً مُفلقاً - :ابْنُ الخَيَّاط فِي عصره أَشعرُ الشَّامِيّين بِلاَ خِلاَف.
(37/444)

قَالَ السِّلَفِيّ:وَقَدِ اخْترتُ مِنْ شِعْرِهِ(مجلدَة)لطيفَة، وَسَمِعتُهَا مِنْهُ.(19/478)
وَقَالَ ابْنُ الخَيَّاط:دَخَلتُ فِي الصِّبَا عَلَى الأَمِيْرِ ابْن حيُّوس بِحَلَبَ وَهُوَ مُسِنٌّ، فَأَنشدتُهُ لِي:
لَمْ يَبْقَ عِنْدِي مَا يُبَاعُ بِدِرْهَمٍ*وَكَفَاكَ عَيْنُ مَنْظَرِي عَنْ مَخْبَرِي
إِلاَّ صُبَابَةَ مَاءِ وَجْهٍ صُنْتُهَا*مِنْ أَنْ تُبَاعَ وَأَيْنَ أَيْنَ المُشْتَرِي؟
فَقَالَ لَهُ ابْنُ حيوس:لَوْ قُلْتُ:وَأَنْتَ نِعْمَ المُشْتَرِي، لَكَانَ أَحْسَنَ.
ثُمَّ قَالَ:كَرُمْتَ عِنْدِي، وَنعيتَ إِلَيَّ نَفْسِي، فَإِنَّ الشَّام لاَ يَخلو مِنْ شَاعِر مُجيد، فَأَنْت وَارثي، فَاقصِدْ بنِي عَمَّار بِطَرَابُلُس، فَإِنَّهُم يُحبُّوْنَ هَذَا الفنَّ، ثُمَّ وَصَلَه بِثِيَابٍ، وَدَنَانِيْر، وَمَضَى إِلَى بنِي عَمَّار، فَوصلُوْهُ، وَمدحهُم.
قَالَ العمَادُ الكَاتِب:ابْنُ حيُّوس أَصْنَعُ مِنِ ابْنِ الخَيَّاط، لَكِن لِشعر ابْنِ الخَيَّاط طَلاَوَةٌ لَيْسَتْ لَهُ، وَمَنْ كَانَ يَنظر إِلَى ابْنِ الخَيَّاط، يَعتقِدُه جَمَّالاً أَوْ حَمَّالاً، لِبزَّته وَشكله وَعرضه.
فَمَنْ قَوْله فِي عضد الدَّوْلَة أبق بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ الأَمِيْر بِدِمَشْقَ قصيدته المَشْهُوْرَة الفَائِقَة، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِيْنَ بَيْتاً، أَوَّلُهَا:
خُذَا مِنْ صَبَا نَجْدٍ أَمَاناً لِقَلْبِهِ*فَقَدْ كَانَ رَيَّاهَا يَطِيْرُ بِلُبِّهِ(19/479)
وَمدح القَاضِي فَخر الملك أَبَا عَلِيٍّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ بِطَرَابُلس بِهَذِهِ:
هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدَى عَلَى النَّاسِ مَسْرَاهُ*فَمَنْ لِمُشَوِّقٍ إِنْ تَهَوَّمَ جَفْنَاهُ
وَهِيَ طَوِيْلَة.
وَلَهُ فِي الرَّئِيْس وَجيهِ المُلْكِ أَبِي الذّوَاد مُفَرَج بن الحَسَنِ الصُّوْفِيّ:
لَوْ كُنْتَ شَاهِدَ عَبْرَتِي يَوْمَ النَّقَا*لَمَنَعْتَ قَلْبَكَ بَعْدَهَا أَنْ يَعْشَقَا
(37/445)

وَعَذَرْتَ فِي أَنْ لاَ أُطِيْقَ تَجَلُّداً*وَعَجِبْتَ مِنْ أَنْ لاَ أَذُوْبَ تَحَرُّقَا
إِنَّ الظِّبَاءَ غَدَاةَ رَامَةَ لَمْ تَدَعْ*إِلاَّ حَشَىً قَلِقاً وَقَلْباً شَيِّقَا
سَنَحَتْ وَمَا مَنَحَتْ وَكَمْ مِنْ عَارِضٍ*قَدْ مَرَّ مُجْتَازاً عَلَيْكَ وَمَا سَقَى
وَهِيَ طَوِيْلَة.
وَلَهُ فِي أَبق الأَمِيْرِ المَذْكُور قصيدتُهُ المَشْهُوْرَة:
سَلُوْا سَيْفَ أَلْحَاظِهِ المُمْتَشَقْ*أَعِنْدَ القُلُوْبِ دَمٌ لِلْحَدَقْ؟
أَمَا مِنْ مُعِيْنٍ وَلاَ عَاذِرٍ*إِذَا عَنَّفَ الشَّوْقُ يَوْماً رَفَقْ
تَجَلَّى لَنَا صَارِمُ المُقْلَتَيْ*ـنِ مَاضِي المُوَشَّحِ وَالمُنْتَطَقْ
مِنَ التُّرْكِ مَا سَهْمُهُ إِذْ رَمَى*بِأَفْتَكَ مِنْ طَرْفِهِ إِذْ رَمَقْ
وَليْلَةَ وَافَيْتُهُ زَائِراً*سَمِيْرَ السُّهَادِ ضَجِيْعَ القَلَقْ
وَقَدْ رَاضَتِ الكَأْسُ أَخْلاَقَهُ*وَوَقَّرَ بِالسُّكْرِ مِنْهُ النَّزَقْ
وَخَفَّ العِنَاقُ فَقَبَّلْتُهُ*شَهِيَّ المُقبَّلِ وَالمُعْتَنَقْ
وَبِتُّ أُخَالِجُ شَكِّي بِهِ*أَزَوْرٌ طَرَا أَمْ خَيَالٌ طَرَقْ؟
أُفَكِّرُ فِي الهَجْرِ كَيْفَ انْقَضَى*وَأَعْجَبُ لِلوَصْلِ كَيْفَ اتَّفَقْ
فَلِلْحُبِّ مَا عَزَّ مِنِّي وَهَان*وَلِلْحُسْنِ مَا جَلَّ مِنْهُ وَدَقْ
لَقَدْ أَبَقَ الدَّمْعُ مِنْ رَاحَتَـ*ـيَّ لَمَّا أَحَسَّ بِنُعْمَى أَبَقْ
تَطَاوَحَ يَهْرُبُ مِنْ جُوْدِهِ*وَمَنْ أَمَّهُ السَّيْلُ خَافَ الغَرَقْ(19/480)
وَلَهُ فِي أَبِي النّجم هِبَة اللهِ بن بديع الأَصْبَهَانِيّ وَزِيْر الملك تُتُش، مِنْهَا:
وَخَيْلٍ تَمَطَّتْ بِي وَلَيْلٍ كَأَنَّهُ*تَرَادُفُ وَفْدِ الهَمِّ أَوْ زَاخِرُ اليَمِّ
شَقَقْتُ دُجَاهُ وَالنُّجُوْمُ كَأَنَّهَا*قلاَئِدُ نَظْمِي أَوْ مَسَاعِي أَبِي النَّجْمِ
(37/446)

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ الطُّليطلِي:كَانَ ابْنُ الخَيَّاط أَوّل مَا دَخَلَ طَرَابُلُس وَهُوَ شَابّ يغشَانِي فِي حَلقتِي، وَيُنشدنِي مَا أَسْتكثرُهُ لَهُ، فَأَتَّهِمُهُ لأَنَّنِي كُنْتُ إِذَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَدب، لاَ يَقومُ بِهِ، فَوبَّختُهُ يَوْماً عَلَى قِطعَة عملهَا، وَقُلْتُ:أَنْتَ لاَ تَقُوْم بنَحْو وَلاَ لُغَة، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الشِّعر؟
فَقَامَ إِلَى زَاويَة، فَفَكَّر، ثُمَّ قَالَ:اسَمِع:
وَفَاضِلٍ قَالَ إِذْ أَنْشَدْتُهُ نُخَباً*مِنْ بَعْضِ شِعْرِي وَشِعْرِي كُلُّهُ نُخَبُ:
لاَ شَيْءَ عِنْدَكَ مِمَّا يَسْتَعِيْنُ بِهِ*مَنْ شَأْنُهُ مُعْجِزَاتُ النَّظْمِ وَالخُطَبُ
فَلاَ عَرُوْضٌ وَلاَ نَحْوٌ وَلاَ لُغَةٌ*قُلْ لِي:فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الفَضْلُ وَالأَدَبُ؟
فَقُلْتُ قَوْلَ امْرِئٍ صَحَّتْ قَرِيْحَتُهُ:*إِنَّ القَرِيحَةَ عِلْمٌ لَيْسَ يُكْتَسَبُ
(19/481)
(37/447)

ذَوْقِي عَرُوضِي وَلَفْظِي جُلُّهُ لُغَتِي*وَالنَّحْو طَبْعِي فَهَلْ يَعْتَاقُنِي سَبَبُ؟
فَقُلْتُ:حسبُك، وَاللهِ لاَ اسْتَعظمتُ لَكَ بَعْدَهَا عَظِيْماً، وَلزَمَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَفَاد مِنَ الأَدب مَا اسْتَقلَّ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ القَيْسَرَانِيّ:وَقَّعَ هِبَةُ اللهِ بن بديع أَبُو النّجم لابْنِ الخَيَّاط بِأَلفِ دِيْنَار، وَهُوَ آخِرُ شَاعِر فِي زَمَانِنَا وَقَّعَ بِأَلف دِيْنَار.
وَلَهُ فِي سديدِ المُلْكِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُقَلِّد بن نَصْرِ بن مُنْقِذ بِشَيْزَرَ:
يَقينِي يَقينِي حَادِثَاتِ النَّوَائِب*وَحزمِي حَزْمِي فِي ظُهُوْرِ النَّجَائِبِ
سَيُنْجِدُنِي جَيْشٌ مِنَ العَزْمِ طَالَمَا*غَلَبْتُ بِهِ الخَطْبَ الَّذِي هُوَ غَالِبِي
وَمَنْ كَانَ حَرْبَ الدَّهْرِ عَوَّدَ نَفْسَهُ*قِرَاعَ اللَّيَالِي لاَ قِرَاعَ الكَتَائِبِ
وَمَا كُلُّ دَانٍ مِنْ مَرَامٍ بِظَافِرٍ*وَلاَ كُلُّ نَاءٍ عَنْ رَجَاءٍ بِخَائِبِ
وَإِنَّ الغِنَى مِنِّي لأَدْنَى مَسَافَةً*وَأَقْرَبُ مِمَّا بَيْنَ عَيْنِي وَحَاجِبِي
سَأَصحَبُ آمَالِي إِلَى ابْنِ مُقَلَّدٍ*فَتُنْجِحُ مَا أَلوَى الزَّمَانُ بِصَاحِبِ
فِي أَبيَات.(19/482)
(37/448)