الفُرَاوِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ
 
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُفْتِي، مُسْنِدُ خُرَاسَان، فَقِيْهُ الحرم، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي العَبَّاسِ الصَّاعدي، الفُرَاوِي، النَّيْسَابُوْرِيّ، الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ:فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ تَقدِيراً، لأَنَّ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِيَّ أَجَازَ لَهُ فِيْهَا.(19/616)
(38/72)

وَسَمِعَ(صَحِيْح مُسْلِم)مِنْ:أَبِي الحُسَيْنِ عَبْد الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ، وَسَمِعَ(جزء ابْن نُجيد)مِنْ عُمَرَ بن مَسْرُوْر الزَّاهِد، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي أَيْضاً، وَمِنْ:أَبِي سَعْدٍ الكَنْجَرُوذِي، وَالحَافِظ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الخَبَّازِيّ، وَأَبِي يَعْلَى إِسْحَاق الصَّابونِي، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَأَحْمَد بن الحَسَنِ الأَزْهَرِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الخَشَّاب، وَمُحَمَّدِ بن عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ العَدَوِيّ الهَرَوِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن عَلِيٍّ التَّاجِر، وَنَصْرِ بن عَلِيٍّ الطُّوْسِيّ الحَاكِم، وَعَلِيِّ بن يُوْسُفَ الجُوَيْنِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَةَ بن الإِسْمَاعِيْلِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ زَاهِر، وَأَبِي عَامِرٍ مَحْمُوْدِ بن القَاسِمِ الأَزْدِيّ، وَإِمَامِ الحَرَمَيْنِ أَبِي المَعَالِي، وَأَبِي الوَلِيْدِ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ النسوِي، وَالأَمِيْرِ مُظَفَّر بن مُحَمَّدٍ المِيكَالِي، وَعَلِيِّ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ اللحسَانِي.
وَسَمِعَ(صَحِيْح البُخَارِيِّ)مِنْ:سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ العيَار، وَأَبِي سهلٍ الحفصي.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ:أَبِي عُثْمَانَ البَحيرِي، وَالشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَطَائِفَة.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ:أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَتَفَرَّد بِـ(صَحِيْحِ مُسْلِمٍ)، وَبِالأَسْمَاء وَالصِّفَاتِ، وَدَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ، وَالدَّعوَاتِ الكَبِيْرِ، وَبِالبَعْثِ لِلبَيهَقِيِّ.
(38/73)

قَالَهُ السَّمْعَانِيّ، وَقَالَ:هُوَ إِمَامٌ مفتٍ، مُنَاظر وَاعِظ، حسنُ الأَخلاَق وَالمعَاشرَة، مكرمٌ لِلْغربَاء، مَا رَأَيْتُ فِي شُيُوْخِي مِثْله، وَكَانَ جَوَاداً كَثِيْرَ التبسُّم.(19/617)
قُلْتُ:رَوَى عَنْهُ:أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَيُوْسُفُ بن آدَمَ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَابْنُ يَاسِر الجيَّانِي، وَأَبُو الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ، وَابْن صَدَقَة الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ الصَّفَّارُ، وَعبدُ السَّلام بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَكَاف، وَعبدُ الرَّحِيْم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشّعرِي، وَمَنْصُوْرُ بن عَبْد المُنْعِمِ الفُرَاوِي، وَأَبُو الفُتُوْح مُحَمَّد بن المُطَهَّر الفَاطِمِي، وَأَبُو المفَاخر سَعِيْد بن المَأْمُوْني، وَالمُؤَيَّد بن مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَة:القَاضِي أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَغَيْرُهُ.
(38/74)

ذكره عَبْد الغَافِرِ فِي(سيَاقه)، فَقَالَ:فَقِيْهُ الحرمِ، البَارعُ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، الحَافِظُ لِلْقوَاعدِ، نَشَأَ بَيْنَ الصُّوْفِيَّة، وَوصل إِلَيْهِ بركَةُ أَنفَاسِهِم، دَرسَ الأُصُوْل وَالتَّفْسِيْرَ عَلَى زَيْنِ الإِسْلاَمِ القُشَيْرِيِّ، ثُمَّ اخْتلف إِلَى مَجْلِس أَبِي المَعَالِي، وَلاَزَمَ دَرسَه مَا عَاشَ، وَتَفَقَّهَ، وَعلَّق عَنْهُ الأُصُوْلَ، وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ المَذكُورِيْنَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَجَّ، وَعَقَدَ المَجْلِس بِبَغْدَادَ وَسَائِرِ البِلاَدِ، وَأَظهر العِلْمَ بِالحَرَمَيْنِ، وَكَانَ مِنْهُ بِهِمَا أَثرٌ، وَذِكْرٌ، وَمَا تَعدَّى حدَّ العُلَمَاء وَسِيرَةَ الصَّالِحِيْنَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّبَذُّلِ فِي المَلبَسِ وَالعيش، وَتَسَتَّر بِكِتَابَة الشُّروط لاتصَاله بِالزمرَّة الشحَامِيَة مُصَاهرَةً، وَدرَّس بِالمدرسَة النَّاصحيَة، وَأَمَّ بِمسجد المطرّز، وَعَقَدَ بِهِ مَجْلِسَ الإِملاَء فِي الأُسْبُوْع يَوْمَ الأَحَد، وَلَهُ مَجَالِسُ الوعظ المشحونَة بِالفَوَائِد وَالمُبَالَغَة فِي النصح، حَدَّثَ بِـ(الصَّحِيْحَيْنِ)، وَ(غَرِيْب الحَدِيْث)لِلْخطَابِي، وَاللهِ يَزِيْد فِي مُدَّته، وَيَفسَحُ فِي مهلته، إِمْتَاعاً للمُسْلِمِين بفَائِدته.(19/618)
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ عبدَ الرَّشِيْد بن عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ بِمَرْو يَقُوْلُ:الفُرَاوِي أَلفُ رَاوِي.
وَحَكَى وَالِدُه الفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ عَنِ الأَمِيْر أَبِي الحَسَنِ السمحورِي:أَنَّهُ رَأَى فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُوْلُ لابْنِي مُحَمَّد:قَدْ جَعَلتُك فِي عقد المَجْلِس.
(38/75)

قَالَ ابْنُ عَسَاكِر:إِلَى الفُرَاوِي كَانَتْ رحلتِي الثَّانِيَة، وَكَانَ يُقْصَدُ مِنَ النَّوَاحِي لِمَا اجْتَمَع فِيْهِ مِنْ عُلُوِّ الإِسْنَاد، وَوُفُورِ العِلْم، وَصحَّةِ الاعتقَاد، وَحُسنِ الخلقِ، وَالإِقبالِ بكليته عَلَى الطَّالب.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ:وَسَمِعْتُ الفُرَاوِي يَقُوْلُ:
كُنَّا نَسْمَعُ(مُسْنَدَ أَبِي عَوَانَةَ)عَلَى القُشَيْرِيِّ، وَكَانَ يَحْضُرُ رَئِيْس يَجْلِسُ بِجنب الشَّيْخِ، فَغَاب يَوْماً، وَكَانَ الشَّيْخ يَجْلِسُ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ أَسودُ خشن، وَعِمَامَةٌ صَغِيرَةٌ، وَكُنْتُ أَظُنّ أَنَّ السَّمَاع عَلَى ذَلِكَ المحتشم، فَشرع أَبِي فِي القِرَاءةِ، فَقُلْتُ:عَلَى مَنْ تَقرَأُ وَالشَّيْخ مَا حضَر؟
فَقَالَ:وَكَأَنَّك تَظُنّ أَن شيخَك ذَلِكَ الشَّخْص؟
قُلْتُ:نَعم.
فَضَاق صَدْرُهُ وَاسْترجع، وَقَالَ:يَا بُنَيَّ شيخُك هَذَا القَاعِد، ثُمَّ أَعَاد لِي مِنْ أَوَّل الكِتَاب.
ثُمَّ قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بن أَبِي نَصْرٍ الطَّبَسِي يَقُوْلُ:
قَرَأْت(صَحِيْح مُسْلِم)عَلَى الفُرَاوِي سَبْعَ عَشْرَةَ نَوْبَة، وَقَالَ:أُوصيك أَنْ تحضر غسلِي، وَأَن تُصلِي عَلَيَّ فِي الدَّار، وَأَنْ تُدْخِلِ لِسَانك فِي فِيَّ، فَإِنَّك قَرَأْت بِهِ كَثِيْراً حَدِيْث رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .(19/619)
قَالَ السَّمْعَانِيّ:فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بُكْرَةً، وَمَا وَصلُوا بِهِ إِلَى المَقْبَرَة إِلَى بَعْدَ الظُّهْر مِنَ الزِّحَام، وَأَذْكُر أَنَّا كُنَّا فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَحملنَا مِحَفَّتَهُ عَلَى رقَابِنَا إِلَى قَبْرِ مُسْلِم لإِتْمَام(الصَّحِيح)، فَلَمَّا فَرَغَ القَارِئ مِنَ الكِتَاب، بَكَى الشَّيْخُ، وَدَعَا وَأَبْكَى الحَاضرِيْنَ، وَقَالَ:لَعَلَّ هَذَا الكِتَاب لاَ يُقرَأُ عليَّ بَعْدَ هَذَا.
فَتُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ - :فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال، وَدُفِنَ عِنْد إِمَامِ الأَئِمَّة ابْنِ خُزَيْمَةَ.
قَالَ:وَقد أَملَى أَكْثَر مِنْ أَلف مَجْلِس.
قُلْتُ:وَخَرَّجُوا لَهُ أَحَادِيْث سُدَاسيَة سَمِعْنَاهَا، وَمائَة حَدِيْثٍ عَوَالِي عِنْد أَصْحَابِ ابْنِ عَبدِ الدَّائِمِ، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ المسَاوَاة وَغَيْرُ ذَلِكَ.
(38/76)