مَسْعُوْدٌ أَبُو الفَتْحِ بن مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ
 
السُّلْطَان الكَبِيْر، غِيَاث الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مَسْعُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ ابْنِ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ.
نشَأَ بِالمَوْصِل مَعَ أَتَابَك مَوْدُوْد، وَرباهُ، ثُمَّ مَعَ آقْسُنْقُر البرسقِي، ثُمَّ مَعَ خُوش بِك صَاحِب المَوْصِل، فَلَمَّا مَاتَ وَالِده، حسن لَهُ خوش بك الخُرُوج عَلَى أَخِيْهِ مَحْمُوْد، فَالتقيَا، فَانْكَسَرَ مَسْعُوْد، ثُمَّ تَنقَّلَت بِهِ الأَحْوَال، وَاسْتقلَّ بِالسلطنَة فِي سَنَةِ 528، وَقَدِمَ بَغْدَادَ. (20/385)
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ عَادِلاً لَيِّناً، كَبِيْرَ النَّفْس، فَرَّق مَمْلَكته عَلَى أَصْحَابه، وَمَا نَاوَأَهُ أَحَد إِلاَّ وَظَفِرَ بِهِ، وَقَتَلَ خلقاً مِنْ كِبَارِ الأُمَرَاء وَالخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشد وَالمُسْترشد، لأَنَّه وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُسْترشد لاستطَالَة نوَاب مَسْعُوْد عَلَى العِرَاقِ، وَعَارضُوا الخَلِيْفَة فِي أَملاَكه، فَبَرَزَ لِحَرْبِهِ، فَجَيْش مَسْعُوْد بِهَمَذَان، فَالتقيَا، فَانْكَسَرَ جَيْش المُسْترشد، وَأُسِرَ فِي عِدَّة مِنْ أُمَرَائِهِ، وَطَافَ بِهِم مَسْعُوْد بِأَذْرَبِيْجَان، وَقُتِلَ الخَلِيْفَة بِمرَاغَة، وَأَقْبَلَ مَسْعُوْد عَلَى اللَّذَات وَالبطَالَة، وَحَدَّثَ لَهُ علَة الغثيَان مُدَّة، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمّه سَنْجَر منَازعَة، ثُمَّ تَصَالَحَا.
(39/396)

قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: كَانَ كَثِيْرَ المزَاح، حَسَنَ الخلق، كَرِيْماً، عَفِيْفاً عَنْ أَمْوَال الرَّعِيَّةِ، مِنْ أَحْسَن السَّلاَطِيْن سيرَة، وَأَليَنِهِم عرِيكَة.
قُلْتُ: أَبطل مُكوساً وَمظَالِم كَثِيْرَة، وَعدل، وَاتَّسَع ملكه، وَكَانَ يَمِيْل إِلَى العُلَمَاء وَالصَّالِحِيْنَ، وَيَتوَاضع لَهُم.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخْبَرَنَا السُّلْطَان مَسْعُوْد، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَاضِي المَرَسْتَان، أَخْبَرَنَا البَرْمَكِيّ بِحَدِيْث مِنْ (جُزْءِ الأَنْصَارِيِّ).
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، ذَا رَأْي وَشَهَامَة، تليق بِهِ السّلطنَة، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَة، مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. (20/386)
قُلْتُ: نُقل إِلَى أَصْبَهَانَ، فَدُفِنَ بِهَا، وَعَاشَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ أَحَبّ خَاص بَك التركمَانِي، فَرقَّاهُ، وَقدمه عَلَى جَمِيْع قُوَاده، وَكثرت أَمْوَاله، فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان، قَالَ خَاص بَك لولده مَلِكْشَاه: سَأَقبض عَلَيْك صُوْرَة، وَأَطلب أَخَاك مُحَمَّداً لأُملكه، فَإِذَا جَاءَ أَمسكنَاهُ، وَتستقل أَنْتَ.
قَالَ: فَافْعَلْ.
فَمَا نَفق خُبثه عَلَى مُحَمَّدٍ، وَجَاءَ إِلَى هَمَذَان، فَبَادر العَسْكَر إِلَيْهِ، فَقَالَ: كَلاَمكُم مَعَ خَاص بَك فَهُوَ الوَالِد.
فَوَصَلَ هَذَا القَوْل إِلَى خَاص بَك، فَاطِمَأَنَّ، وَتلقَاهُ، وَقَدَّمَ لَهُ تُحَفاً، ثُمَّ قُتِلَ خَاص بِك، وَخلَّف أَمْوَالاً جَزِيْلَة مِنْ بَعْضهَا سَبْعُوْنَ أَلفَ ثَوْبِ أَطلس.
قَالَ المُؤَيَّد: بَدرهُ السُّلْطَان مُحَمَّد ثَانِي يَوْم مِنْ قُدومه، وَقَتَلَه، وَقَتَلَ مَعَهُ آخر.
(39/397)