ابْنُ الخَشَّابِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ
 
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الخَشَّابِ، مَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي العَرَبِيَّةِ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ بَلَغَ رُتْبَةَ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن الحُسَيْنِ الرَّبَعِيّ، وَأُبَيٍّ النَّرْسِيّ، وَيَحْيَى بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ البَارع، وَأَبِي غَالِبٍ البَنَّاءِ، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَعِدَّةٍ.
وَقرَأَ كَثِيْراً، وَحصَّل الأُصُوْلَ.
وَأَخَذَ الأَدَبَ عَنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ المُحَوَّلِ شَيْخِ اللُّغَةِ، وَأَبِي السَّعَادَاتِ بن الشَّجَرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي زَيْدٍ الفَصِيْحِيِّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مَوْهُوْبِ بنِ الجَوَالِيْقِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ جَوَامرد النَّحْوِيِّ.
وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ فِي علمِ اللِّسَانِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ المَلِيْحِ المَضْبُوْطِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَبَالَغَ فِي السَّمَاعِ حَتَّى قَرَأَ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَحصَّلَ مِنَ الكُتُبِ شَيْئاً لاَ يُوْصَفُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ فِي النَّحْوِ خَلقٌ.
(40/48)

حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالشَّيْخ المُوَفَّق، وَأَبُو البَقَاءِ العُكْبَرِيّ، وَمُحَمَّد بن عِمَاد، وَفَخْر الدِّيْنِ بنُ تَيْمِيَةَ، وَمَنْصُوْر بن أَحْمَدَ بنِ المُعَوّجِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَابّ كَامِل فَاضِل، لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّة بِالأَدب وَاللُّغَة وَالنَّحْو وَالحَدِيْث، يَقْرَأُ الحَدِيْث قِرَاءة حَسَنَة صَحِيْحَة سرِيعَة مَفْهُوْمَة، سَمِعَ الكَثِيْر، وَحصَّل الأُصُوْل مِنْ أَيِّ وَجهٍ، كَانَ يَضنُّ بِهَا، سَمِعْتُ بقِرَاءتِه كَثِيْراً، وَكَانَ يُدِيْم القِرَاءة طُول النَّهَارِ مِنْ غَيْرِ فُتُورٍ، سَمِعْتُ أَبَا شُجَاعٍ البِسْطَامِيَّ يَقُوْلُ:
قَرَأَ عَلَيَّ ابنُ الخَشَّابِ (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) لأَبِي مُحَمَّدٍ القُتَبِيِّ قِرَاءةً مَا سَمِعْتُ قَبْلَهَا مِثْلَهَا فِي الصِّحَّةِ وَالسُّرعَةِ، وَحضَر جَمَاعَة مِنَ الفُضَلاَءِ، فَكَانُوا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأْخُذُوا عَلَيْهِ فَلْتَةَ لِسَانٍ، فَمَا قَدَرُوا. (20/525)
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَخَذَ ابْنُ الخَشَّابِ الحِسَابَ وَالهَنْدَسَة عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَاضِي المَرَسْتَان، وَأَخَذَ الفَرَائِض عَنْ أَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيّ، وَكَانَ ثِقَةً، وَلَمْ يَكُنْ فِي دِيْنِهِ بِذَاكَ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الشَّيْخ المُوَفَّق:
كَانَ ابْنُ الخَشَّاب إِمَامَ أَهْل عصرِه فِي عِلمِ العَرَبِيَّة، حَضَرتُ كَثِيْراً مِنْ مَجَالِسِهِ، وَلَمْ أَتَمَكَّنْ مِنَ الإِكثَارِ عَنْهُ لِكَثْرَة الزِّحَامِ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الكَلاَمِ فِي السُّنَّةِ وَشَرحِهَا.
قَالَ ابْنُ الأَخْضَرِ: كُنْت عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الحَنَابِلَةِ، فَسَأَلَهُ مَكِّيٌّ الغَرَّادُ: هَلْ عِنْدَكَ كِتَابُ (الجِبَالِ)؟
(40/49)

فَقَالَ: يَا أَبْلَهُ! مَا تَرَاهُم حَوْلِي؟ (20/526)
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سُئِلَ: أَيُمَدُّ القَفَا أَوْ يُقْصَرُ؟
فَقَالَ: يُمدُّ، ثُمَّ يُقْصَرُ.
وَكَانَ مَزَّاحاً.
وَقِيْلَ: عرضَ اثْنَانِ عَلَيْهِ شِعراً لَهُمَا، فَسَمِعَ لِلأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ أَردَأُ شِعراً مِنْهُ.
قَالَ: كَيْفَ تَقُوْلُ هَذَا وَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الآخَرِ؟!
قَالَ: لأَنَّ هَذَا لاَ يَكُوْنُ أَردَأَ.
وَقَالَ لِرَجُلٍ: مَا بِكَ؟
قَالَ: فُؤَادِي.
قَالَ: لَوْ لَمْ تَهَمْزِهُ، لَمْ يُوْجِعْكَ.
قَالَ حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ: كَانَ ابْنُ الخَشَّاب يَتعمَّمُ بِالعِمَامَةِ، وَتبَقَى مُدَّةً حَتَّى تَسوَدَّ وَتَتَقَطَّعَ مِنَ الوَسَخِ، وَعَلَيْهَا ذَرَقُ العَصَافِيْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَخْضَر: مَا تَزَوَّجَ ابْنُ الخَشَّاب وَلاَ تَسَرَّى، وَكَانَ قَذِراً يَسْتَقِي بِجَرَّةٍ مَكْسُوْرَةٍ، عُدنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَوَجَدنَاهُ بِأَسوَأِ حَالٍ، فَنقَلَهُ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ بنُ الفَرَّاء إِلَى دَارِهِ، وَأَلْبَسَه ثَوْباً نَظيفاً، وَأَحضر الأَشْرِبَة وَالمَاوردَ، فَأَشْهَدنَا بِوقْفِ كُتُبِهِ، فَتفرَّقَتْ، وَبَاع أَكْثَرَهَا أَوْلاَدَ العَطَّارِ حَتَّى بَقِيَ عُشرُهَا، فَتُرِكَ بِرِباطِ المَأْمُوْنِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ بَخِيلاً مُتَبذِّلاً، يَلعب بِالشطرنجِ عَلَى الطَّرِيْقِ، وَيَقفُ عَلَى المُشَعْوِذِ، وَيَمزَحُ، أَلَّفَ فِي الردِّ عَلَى الحَرِيْرِيِّ فِي (مَقَامَاتِهِ)، وَشَرَحَ (اللُّمَعَ)، وَصَنَّفَ فِي الردِّ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيّ. (20/527)
قَالَ القِفْطِيُّ: عِبَارتُه أَجْوَدُ مِنْ قَلمِهِ، وَكَانَ ضيق العَطَن، مَا كَمَّل تَصنِيفاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ المُبَارَك بن المُبَارَكِ النَّحْوِيّ يَقُوْلُ:
(40/50)

كَانَ ابْنُ الخَشَّاب إِذَا نُودِي عَلَى كِتَاب، أَخَذَهُ وَطَالَعَه، وَغلَّ وَرقه، ثُمَّ يَقُوْلُ: هُوَ مَقْطُوْع، فَيَشْتَرِيهِ بِرخص.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ تَابَ، فَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الفَرَجِ الجُبَّائِيّ: رَأَيْتُ ابْنَ الخَشَّاب وَعَلَيْهِ ثِيَاب بيضٌ، وَعَلَى وَجهه نورٌ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَر لِي، وَدَخَلتُ الجَنَّة، إِلاَّ أَنَّ اللهَ أَعرضَ عَنِّي وَعَنْ كَثِيْر مِنَ العُلَمَاءِ مِمَّنْ لاَ يَعمَلُ.
مَاتَ: فِي ثَالِث رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. (20/528)
(40/51)