عُمَارَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَلِيِّ بنِ زَيْدَانَ الحَكَمِيُّ
 
العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عُمَارَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ زَيْدَانَ الحَكَمِيُّ، المَذْحِجِيُّ، اليَمَنِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الفَرَضِيُّ، الشَّاعِرُ، صَاحِبُ (الدِّيْوَانِ) المَشْهُوْرِ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِزَبِيْدَ مُدَّةً، وَحَجّ سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَنفذه أَمِيْر مَكَّة قَاسم بن فُلَيْتَةَ رَسُوْلاً إِلَى الفَائِز بِمِصْرَ، فَامْتَدَحه بِهَذِهِ الكَلِمَة:
الحمدُ لِلْعِيس بَعْد العَزْم وَالهممِ*حَمداً يَقوم بِمَا أَولَتْ مِنَ النِّعمِ
لاَ أَجحدُ الحَقَّ عِنْدِي لِلرِّكَاب يَدٌ*تَمنَّتِ اللُّجْمَ فِيْهَا رُتْبَةَ الخُطُمِ
قَرَّبْنَ بَعْد مَزَار العزِّ مِنْ نَظرِي*حَتَّى رَأَيْتُ إِمَام العصر مِنْ أَممِ
فَهَلْ درَى البَيْتُ أَنِّي بَعْد فُرقتِه*مَا سرتُ مِنْ حرمٍ إِلاَّ إِلَى حرمِ؟
حَيْثُ الخِلاَفَةُ مضروبٌ سُرَادِقُهَا*بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ مِنْ عَفْوٍ وَمِنْ نِقَمِ
وَلِلإِمَامَةِ أَنوَارٌ مُقَدَّسَةٌ*تَجْلُو البَغِيضَيْنِ مِنْ ظُلْمٍ وَمِنْ ظُلَمِ
وَللنُّبُوَّةِ آيَات تَنصُّ لَنَا*عَلَى الخَفِيَّيْنِ مِنْ حُكْمٍ وَمِنْ حِكَمِ
وَللمَكَارِمِ أَعْلاَمٌ تُعلِّمنَا*مَدحَ الجَزِيلَيْنِ مِنْ بَأْسٍ وَمِنْ كَرَمِ
وَلِلْعُلَى أَلسُنٌ تُثْنِي مَحَامِدُهَا*عَلَى الحَمِيدَيْنِ مِنْ فِعلٍ وَمِنْ شِيَمِ
مِنْهَا:
لَيْتَ الكَوَاكِبَ تدنُو لِي فَأَنظِمَهَا*عُقُودَ مدحٍ فَمَا أَرْضَى لَكُم كَلمِي
ثُمَّ اسْتَوْطَنَ بَعْدُ مِصْر. (20/594)
(40/117)

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ شَدِيد التعصب لِلسُّنَّةِ، أَدِيْباً مَاهراً، رَائِجاً فِي الدَّوْلَة، ثُمَّ تَملك صَلاَح الدِّيْنِ، فَامْتَدَحه، ثُمَّ إِنَّهُ شرع فِي اتِّفَاقٍ مَعَ رُؤسَاء فِي إِعَادَة دَوْلَة العُبيديين، فَنُقل أَمرُهُم إِلَى صَلاَح الدِّيْنِ، فَشنقَ عُمَارَة فِي ثَمَانِيَةٍ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ نُسِبَ إِلَى عُمَارَةَ بَيْتٌ، فَرُبَّمَا وُضِعَ عَلَيْهِ، فَأَفْتَوْا بِقَتْلِهِ، وَهُوَ:
قَدْ كَانَ أَوَّلُ هَذَا الأَمْرِ مِنْ رَجُلٍ*سَعَى إِلَى أَنْ دَعَوْهُ سَيِّدَ الأُمَمِ
وَهُوَ مِنْ بَيْت إِمْرَة وَتَقدُّم، مِنْ تَهَائِمِ اليَمَن، مِنْ وَادِي وَسَاع، يَكُوْن عَنْ مَكَّةَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً. (20/595)
قَالَ عُمَارَةُ: كَانَ القَاضِي مُحَمَّد بن أَبِي عَقَامَةَ الحفَائِلِي رَأْسُ أَهْل العِلْمِ وَالأَدب بِزَبِيْدَ يَقُوْلُ لِي:
أَنْتَ خَارِجِيُّ هَذَا الوَقْت وَسَعيدُه، لأَنَّك أَصْبَحتَ تُعدّ مِنْ أَكَابِر التُّجَّار وَأَهْل الثَّروَة، وَمِنْ أَعْيَانِ الفُقَهَاء الَّذِيْنَ أَفتَوا، وَمِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ الأَدب، فَهَنِيئاً لَكَ.
وَحَكَى عُمَارَةُ: أَنَّ الصَّالِح بنَ رُزِّيْكٍ فَاوَضَه، وَقَالَ: مَا تَعتقدُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟
قُلْتُ: أَعْتَقِد أَنَّه لَولاَهُمَا لَمْ يَبْقَ الإِسْلاَمُ عَلَيْنَا وَلاَ عَلَيْكُم، وَأَنَّ مَحَبَّتَهُمَا وَاجِبَة.
فَضَحِكَ، وَكَانَ مُرتَاضاً حصيفاً، قَدْ سَمِعَ كَلاَم فُقَهَاءِ السُّنَّة.
قُلْتُ: هَذَا حِلمٌ مِنَ الصَّالِح عَلَى رَفضِه.
وَلِعُمَارَةَ فِيْهِ:
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَدْرِي بِمَا جَهلَ الورَى*مِنَ الفَضْلِ لَمْ تَنفُقْ عَلَيْهِ الفَضَائِلُ
لَئِنْ كَانَ مِنَّا قَابَ قوسٍ فَبَينَنَا*فَرَاسخُ مِنْ إِجْلاَلِهِ وَمَرَاحِلُ
وَلَهُ:
(40/118)

لِي فِي هَوَى الرَّشَأِ العُذْرِيِّ أَعذَارُ*لَمْ يَبْقَ لِي مُذْ أَقرَّ الدَّمْعُ إِنْكَارُ
لِي فِي القُدودِ وَفِي لَثمِ الخُدودِ وَفِي*ضَمِّ النُّهودِ لُبَانَاتٌ وَأَوطَارُ
هَذَا اخْتيَارِي فَوَافِقْ إِن رَضِيتَ بِهِ*أَوْ لاَ فَدَعْنِي وَمَا أَهوَى وَأَختَارُ
لُمْنِي جُزَافاً وَسَامِحنِي مُصَارفَةً*فَالنَّاسُ فِي دَرَجَاتِ الحُبِّ أَطوَارُ (20/596)
وَلَهُ بَيْتٌ كَيِّسٌ فِي العُبيديين:
أَفَاعِيلُهُم فِي الجُودِ أَفعَالُ سُنَّةٍ*وَإِنْ خَالَفُونِي فِي اعْتِقَادِ التَّشَيُّعِ
قُلْتُ: يَا ليتَه تَشيُّعٌ فَقَطْ، بَلْ يَا ليته ترفُّض، وَإِنَّمَا يُقَالُ: هُوَ انحَلاَل وَزَنْدَقَة.
وَلِعُمَارَةَ فَضَائِلُ وَأَخْبَار يَطولُ بثُّهَا، سُقت مِنْهَا فِي (تَارِيْخِنَا الكَبِيْرِ).
وَصُلِبَ مَعَهُ دَاعِي الدعَاة قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّة أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ كَامِلٍ، وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْنٍ. (20/597)
(40/119)