السِّلَفِيُّ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ ب
 
وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ المُعَدَّل مِنَ المِصْرِيّين فَأَكْثَره بِإِفَادته. (21/22)
وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَة، وَكَانَ يَسْتَحسن الشّعر، وَيَنْظمه، وَيُثيب مَنْ يَمدحه.
وَرَأَى عِدَّة مِنَ الحُفَّاظِ، كَأَبِي القَاسِمِ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَيَحْيَى بن مَنْدَةَ، وَأَبِي نَصْرٍ اليُوْنَارْتِي بِأَصْبَهَانَ، وَكَأَبِي عَلِيٍّ البَرَادَانِيّ، وَشُجَاع الذُّهْلِيّ، وَالمُؤْتَمَن السَّاجِيّ بِبَغْدَادَ، وَمُحَمَّد بن طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعِدَّة.
(41/15)

وَأَخَذَ التَّصُوْف عَنْ: مَعْمَرِ بنِ أَحْمَدَ اللُّنْبَانِيّ، وَالفِقْه عَنْ: إِلْكِيَا أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الشَّاشِيّ، وَالفَقِيْه يُوْسُف الزَّنْجَانِيّ، وَالأَدب عَنْ: أَبِي زَكَرِيَّا التَّبْرِيْزِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ بن فَاخِرٍ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الفَصِيْحِيّ.
وَأَخَذَ حروف القِرَاءاتِ عَنْ: أَبِي طَاهِرٍ بن سَوَّارٍ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط، وَأَبِي الخَطَّابِ بن الجَرَّاحِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَتَى لَمْ يَكُنِ الأَصْل بخطِّي لَمْ أَفرح بِهِ.
وَكَانَ جَيِّد الضَّبْط، كَثِيْر البحث عَمَّا يُشكل عَلَيْهِ.
قَالَ: وَكَانَ أَوحد زَمَانه فِي علم الحَدِيْث، وَأَعْرفهِم بِقَوَانِيْنِ الرِّوَايَة وَالتحَدِيْث، جمع بَيْنَ عُلُوّ الإِسْنَادِ وَغُلُوِّ الانتقَاد، وَبِذَلِكَ كَانَ يَنْفَرِد عَنْ أَبْنَاء جنسه.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الأَوقِيّ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيّ يَقُوْلُ: لِي سِتُّوْنَ سَنَةً بِالإِسْكَنْدَرِيَّة مَا رَأَيْتُ منَارتهَا إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الطَّاقَة.
وَأَشَارَ إِلَى غُرفَة يَجْلِس فِيْهَا. (21/23)
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي (ذيله): السِّلَفِيُّ ثِقَةٌ، وَرع، مُتْقِن، متثبت، فَهِم، حَافِظ، لَهُ حظ مِنَ العَرَبِيَّة، كَثِيْر الحَدِيْثِ، حَسَن الفَهْمِ وَالبصِيْرَة فِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ؛ فَسَمِعْتُ أَبَا العَلاَءِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل الحَافِظ بِأَصْبَهَانَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِرٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ الأَصْبَهَانِيَّ -وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ- يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو حَازِمٍ العبدَويّ إِذَا رَوَى عَنْ أَبِي سَعْدٍ المَالِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ الحَدِيْثيُّ، هَذَا أَوْ نَحْوهُ.
(41/16)

وَقَدْ صَحِبَ السِّلَفِيّ وَالِدِي مُدَّة بِبَغْدَادَ، ثُمَّ سَافر إِلَى الشَّامِ، وَمَضَى إِلَى صُوْر، وَركب البَحْر إِلَى مِصْرَ، وَأَجَازَ لِي مَرْوِيَّاته فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ القَادِرِ الرُّهَاوِيّ: سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنِ ابْن نَاصِرٍ، أَنَّهُ قَالَ عَنِ السِّلَفِيّ: كَانَ بِبَغْدَادَ كَأَنَّهُ شعلَة نَار فِي تحصيل الحَدِيْث.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي الصَّقْرِ يَقُوْلُ: كَانَ السِّلَفِيّ إِذَا دَخَلَ عَلَى هِبَة اللهِ ابْن الأَكْفَانِيِّ يَتلقَاهُ، وَإِذَا خَرَجَ يُشيعه.
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ القَادِرِ: كَانَ لَهُ عِنْد مُلُوْك مِصْر الجَاهُ وَالكَلِمَة النَّافذَة مَعَ مخَالفته لَهُم فِي المَذْهَب -يُرِيْد عَبْد القَادِرِ الملوكَ البَاطِنِيَّة المتظَاهِرِيْنَ بِالرّفض- وَقَدْ بَنَى الوَزِيْر العَادل ابْن السَّلاَّرِ مَدْرَسَة كَبِيْرَة، وَجَعَله مُدرِّسهَا عَلَى الفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة، وَكَانَ ابْن السَّلاَّر لَهُ مَيْل إِلَى السُّنَّةِ. (21/24)
قَالَ عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ: وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ لاَ تَبدو مِنْهُ جفوَة لأَحدٍ، وَيَجْلِس لِلْحَدِيْثِ فَلاَ يَشرب مَاء، وَلاَ يَبزق، وَلاَ يَتورك، وَلاَ تَبدو لَهُ قَدمٌ، وَقَدْ جَاز المائَة.
بَلَغَنِي أَن سُلْطَان مِصْر حضَر عِنْدَهُ لِلسَمَاع، فَجَعَلَ يَتحدّث مَعَ أَخِيْهِ، فَزَبَرَهُمَا، وَقَالَ: أَيش هَذَا؟ نَحْنُ نَقرَأُ الحَدِيْث، وَأَنْتُمَا تَتَحَدَّثَان؟!
وَبَلَغَنِي أَن مُدَّة مُقَامه بِالإِسْكَنْدَرِيَّة مَا خَرَجَ مِنْهَا إِلَى بُستَانٍ وَلاَ فُرجَة سِوَى مرَّة وَاحِدَة، بَلْ كَانَ لاَزماً مدرسته، وَمَا كُنَّا نَكَاد نَدْخُل عَلَيْهِ إِلاَّ وَنرَاهُ مطَالعاً فِي شَيْءٍ، وَكَانَ حليماً متحمّلاً لجفَاء الغربَاء.
(41/17)

خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ سَنَة خَمْس مائَة إلَى وَاسِط وَالبَصْرَة، وَدَخَلَ خُوْزِسْتَان وَبلاَد السِّيس وَنَهَاوَنْد، ثُمَّ مَضَى إِلَى الدَّرْبَنْد، وَهُوَ آخِرُ بلاَد الإِسْلاَم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تَفلَيْسَ وَبلاَد أَذْرَبِيْجَان، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى دِيَار بَكْرٍ، وَعَاد إِلَى الجَزِيْرَة وَنَصِيْبِيْن وَمَاكِسِيْنَ، ثُمَّ صعد إِلَى دِمَشْقَ.
وَلَمَّا دَخَلَ الإِسْكَنْدَرِيَّة رَآهُ كبرَاؤهَا وَفضلاؤهَا، فَاسْتحسنُوا عِلْمه وَأَخلاَقه وَآدَابه، فَأَكرمُوْهُ، وَخدمُوْهُ، حَتَّى لزمُوْهُ عِنْدَهُم بِالإِحسَان.
وَحَدَّثَنِي رفِيق لِي، عَنِ ابْن شَافِعٍ، قَالَ: السِّلَفِيّ شَيْخ العُلَمَاء.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ فُضلاَء هَمَذَانَ يَقُوْلُ: السِّلَفِيّ أَحْفَظ الحُفَّاظ. (21/25)
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَة السِّلَفِيّ: حَدَّثَ بِدِمَشْقَ، وَسَمِعَ مِنْهُ بَعْض أَصْحَابنَا، وَلَمْ أَظفر بِالسَّمَاع مِنْهُ، وَسَمِعْتُ بقِرَاءته مِنْ عِدَّة شُيُوْخ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ، وَسَمِعَ بِهَا، وَاسْتَوْطَنَ الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَتَزَوَّجَ بِهَا امرَأَة ذَات يَسَار، وَحصلت لَهُ ثروَة بَعْد فَقر وَتَصَوُّفٍ، وَصَارَت لَهُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة وَجَاهَة، وَبَنَى لَهُ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيّ بن إِسْحَاقَ بنِ السَّلاَّر المُلَقَّب بِالعَادل أَمِيْر مِصْرَ مَدْرَسَة، وَوَقَفَ عَلَيْهَا.
أَجَازَ لِي جَمِيْع حَدِيْثه، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَخِي.
سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا الحُسَيْنِ ابْنَ الفَقِيْه يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الحَافِظَ زَكِيّ الدِّيْنِ عَبْد العَظِيْم يَقُوْلُ:
سَأَلت الحَافِظ أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن المُفَضَّلِ عَنْ أَرْبَعَة تَعَاصرُوا، فَقُلْتُ: أَيُّمَا أَحْفَظ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ أَوْ أَبُو الفَضْلِ بنُ نَاصِر؟
فَقَالَ: ابْن عَسَاكِرَ.
(41/18)

قُلْتُ: أَيُّمَا أَحْفَظ ابْن عَسَاكِرَ، أَوْ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ؟
قَالَ: ابْن عَسَاكِرَ.
قُلْتُ: أَيُّمَا أَحْفَظ ابْن عَسَاكِرَ، أَوْ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ؟
قَالَ: السِّلَفِيّ شَيْخنَا! السِّلَفِيُّ شَيْخنَا!
قُلْتُ: فَهَذَا الجَوَاب مُحْتَمل كَمَا تَرَى، وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ بِالسِّلَفِيّ المبتدَأَ وَبشيخنَا الخَبَر، وَلَمْ يَقصد الوَصْفَ، وَإِلاَّ فَلاَ يَشكُّ عَارِف بِالحَدِيْثِ أَنَّ أَبَا القَاسِمِ حَافِظ زَمَانه، وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ مِثْل نَفْسه.
قَالَ الحَافِظُ عَبْد القَادِرِ: وَكَانَ السِّلَفِيّ آمراً بِالمَعْرُوف، نَاهياً عَنِ المُنْكَر، حَتَّى إِنَّهُ قَدْ أَزَال مِنْ جِوَاره مُنْكرَات كَثِيْرَة.
وَرَأَيْتهُ يَوْماً وَقَدْ جَاءَ جَمَاعَة مِنَ المُقْرِئِين بِالأَلحَان، فَأَرَادُوا أَنْ يَقرَؤُوا، فَمنعهُم مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذِهِ القِرَاءة بدعَة، بَلِ اقرَؤُوا تَرْتِيْلاً، فَقَرَؤُوا كَمَا أَمرهُم. (21/26)
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ، وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ جُزْءاً فِيْهِ نَقلُ خُطُوط المَشَايِخ لِلسِّلَفِيِّ بِالقِرَاءات، وَأَنَّهُ قرَأَ بِحرف عَاصِم، عَلَى أَبِي سَعْدٍ المُطَرِّز، وَقرَأَ بِرِوَايَتَي حَمْزَة وَالكِسَائِيّ، عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي نَصْرٍ القَصَّار، وَقرَأَ لقَالُوْنَ عَلَى نَصْر بن مُحَمَّدٍ الشِّيْرَازِيّ، وَبرِوَايَة قُنْبُل، عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخِرَقِيّ.
وَقَدْ قرَأَ عَلَى بَعْضهِم فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
(41/19)

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ السِّلَفِيُّ جَوَّالاً فِي الآفَاق، حَافِظاً، ثِقَة، مُتْقِناً، سَمِعَ مِنْهُ أَشيَاخه وَأَقرَانه، وَسَأَل عَنْ أَحْوَال الرِّجَال شُجَاعاً الذُّهْلِيّ، وَالمُؤْتَمَن السَّاجِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ البَرَادَانِيّ، وَأَبَا الغَنَائِم النَّرْسِيّ، وَخَمِيْساً الحَوْزِيّ، سُؤَال ضَابط مُتْقِن.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ العَظِيْمِ المُنْذِرِيّ بِمِصْرَ، قَالَ:
لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَقرَؤُوا (سُنَنَ النَّسَائِيِّ) عَلَى أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، أَتَوْهُ بِنُسْخَة سَعْدِ الخَيْرِ، وَهِيَ مصحّحَة، قَدْ سَمِعَهَا مِنَ الدُّوْنِيِّ، فَقَالَ: اسْمِي فِيْهَا؟
قَالُوا: لاَ.
فَاجتذَبَهَا مَنْ يَدِ القَارِئِ بِغَيْظٍ، وَقَالَ: لاَ أُحَدِّث إِلاَّ مِنْ أَصَّلَ فِيْهِ اسْمِي.
وَلَمْ يُحَدِّث بِالكِتَابِ.
قُلْتُ: وَكَانَ السِّلَفِيّ قَدِ انتخب جُزْءاً كَبِيْراً مِنَ الكِتَاب بِخَطِّهِ، سَمِعْنَاهُ مِنْ أَصْحَابِ جَعْفَر الهَمَذَانِيّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ. (21/27)
قَالَ ابْن نُقْطَة: قَالَ لِي عَبْد العَظِيْم: قَالَ لِي أَبُو الحَسَنِ المَقْدِسِيّ:
حَفِظت أَسْمَاءً وَكنَى، ثُمَّ ذَاكرت السِّلَفِيّ بِهَا، فَجَعَلَ يذكرهَا مِنْ حِفْظِهِ وَمَا قَالَ لِي: أَحْسَنت.
ثُمَّ قَالَ: مَا هَذَا شَيْء مليح مِنِّي، أَنَا شَيْخ كَبِيْر فِي هَذِهِ البلدَة هَذِهِ السِنِيْنَ لاَ يذَاكرنِي أَحَد، وَحفظِي هَكَذَا.
قَالَ العِمَاد الكَاتِب: وَسكنَ السِّلَفِيّ الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَسَارَتْ إِلَيْهِ الرِّجَال، وَتبرك بزِيَارته المُلُوْك وَالأَقيَال، وَلَهُ شعر وَرَسَائِل وَمُصَنَّفَات، ثُمَّ أَوْرَد لَهُ مُقطّعَات مِنْ شِعْرِهِ.
قَرَأْت بِخَطِّ السَّيْف أَحْمَد ابْن المَجْدِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلاَمَةَ النَّجَّار يَقُوْلُ:
(41/20)

إِنَّ الحَافِظَيْنِ عَبْد الغَنِيِّ وَعَبْد القَادِرِ أَرَادَ سَمَاع كِتَاب اللاَّلْكَائِيّ، يَعْنِي شرح السّنَّة عَلَى السِّلَفِيّ، فَأَخَذَ يَتعلل عَلَيْهِمَا مرَّة، وَيدَافعهُم مَرَّةً أُخْرَى بِالأَصْل، حَتَّى كَلَّمتْه امْرَأَته فِي ذَلِكَ.
قَالَ ابْن النَّجَّار: عُمِّر السِّلَفِيّ حَتَّى أَلحق الصّغَار بِالكِبَار، سَمِعَ مِنْهُ بِبَغْدَادَ: أَبُو عَلِيٍّ البَرَادَانِيّ، وَعَبْد المَلِكِ بن عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ، وَهَزَارَسْب بن عَوَضٍ، وَمَحْمُوْد بن الفَضْلِ، وَأَبُو الحَسَنِ الزَّعْفَرَانِيّ، وَرَوَى لِي عَنْهُ أَكْثَر مِنْ مائَة شَيْخ. (21/28)
قَرَأْت بِخَطِّ عُمَر بن الحَاجِبِ أَن (مُعْجَم السَّفَر) لِلسِّلَفِيِّ يَشتَمِلُ عَلَى أَلْفَي شَيْخٍ، كَذَا قَالَ، وَمَا أَحْسِبُهُ يَبلغ ذَلِكَ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ الأَوقِيُّ: كَانُوا يَأْتُوْنَ السِّلَفِيّ، وَيطلبُوْنَ مِنْهُ دُعَاءً لِعُسْرِ الوِلاَدَةِ، فَيكتبُ لِمَنْ يَقصِدهُ، قَالَ: فَلَمَّا كثر ذَلِكَ، نَظرت فِيمَا يَكتب، فَوَجَدته يَكتُبُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُم قَدْ أَحْسَنُوا ظنّهُم بِي، فَلاَ تُخيِّب ظَنَّهُم فِيَّ.
قَالَ: وَحضر عِنْدَهُ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ وَأَخُوْهُ الملك العَادل لسَمَاع الحَدِيْث، فَتحدثَا، فَأَظهر لَهُمَا الكرَاهَة، وَقَالَ:
أَنْتُمَا تَتحدثَان، وَحَدِيْث النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقرَأُ؟!
فَأَصغَيَا عِنْد ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَدَّثَ السُّلْطَان عَنْهُ.
(41/21)

قَالَ الحَافِظُ زَكِيّ الدِّيْنِ عَبْد العَظِيْمِ: كَانَ السِّلَفِيّ مُغْرَىً بِجمع الكُتُب وَالاستكثَار مِنْهَا، وَمَا كَانَ يَصل إِلَيْهِ مِنَ المَال كَانَ يُخْرِجه فِي شرَائِهَا، وَكَانَ عِنْدَهُ خَزَائِن كتب، وَلاَ يَتفرغ لِلنظر فِيْهَا، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوا مُعْظَم الكُتُب فِي الخَزَائِن قَدْ عفنت، وَالتصق بَعْضهَا بِبَعْض لندَاوَة الإِسْكَنْدَرِيَّة، فَكَانُوا يَسْتَخلصونهَا بِالفَأْس، فَتَلِفَ أَكْثَرهَا.
قَالَ السَّيْف أَحْمَد ابْن المَجْدِ الحَافِظ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلاَمَةَ النَّجَّارَ يَقُوْلُ:
أَرَادَ عَبْد الغَنِيِّ وَعَبْد القَادِرِ الحَافِظَان سَمَاع كِتَاب اللاَّلْكَائِيّ، يَعْنِي (شرح السّنَة)، عَلَى السِّلَفِيّ، فَأَخَذَ يَتعلل عَلَيْهِمَا مرَّة، وَيدَافعهُم عَنْهُ أُخْرَى بِأَصل السَّمَاع، حَتَّى كَلَّمتْه امْرَأَته فِي ذَلِكَ.
قُلْتُ: مَا أَظنّه حَدَّثَ بِالكِتَابِ.
بَلَى حَدَّثَ مِنْهُ بكَرَامَات الأَوْلِيَاء.
قَرَأْت بِخَطِّ عُمَر بن الحَاجِب: أَن (مُعْجَم السَّفَر) لِلسِّلَفِيِّ يَشتمل عَلَى أَلْفَي شَيْخ. (21/29)
أَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الدَّشْتِيّ، وَإِسْحَاق الأَسَدِيّ، قَالاَ:
أَنشدنَا ابْن رَوَاحَةَ: أَنْشَدَنِي أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ لِنَفْسِهِ:
كَمْ جُلْتُ طُوْلاً وَعَرْضاً*وَجُبْتُ أَرْضاً فَأَرْضَا
وَمَا ظَفرْتُ بِخِلٍّ*مِنْ غَيْرِ غِلٍّ فَأَرْضَى
أَنْبَأَنِي أَحْمَد بن سَلاَمَةَ، عَنِ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ بن سُرُوْر، أَنشدنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ لِنَفْسِهِ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ:
دعُوْنِي عَنْ أَسَانِيْدِ الضَّلاَلِ*وَهَاتُوا مِنْ أَسَانِيْدٍ عَوَالِي
رخَاصٍ عِنْد أَهْل الجَهْل طُرّاً*وَعِنْد العَارِفِيْن بِهَا غوَالِي
(41/22)

عَنْ أَشيَاخِ الحَدِيْث وَمَا رَوَاهُ*إِمَامٌ فِي العلُوْم عَلَى الكَمَالِ
كَمَالِكٍ اوْ كَمَعْمَرٍ المزكَّى*وَشُعْبَة، أَوْ كسُفْيَان الهِلاَلِي
وَسُفْيَان العِرَاق وَلَيْث مِصْرٍ*فَقِدماً كَانَ مَعْدُومَ المِثَالِ (21/30)
وَالأَوْزَاعِيِّ فَهْوَ لَهُ بشرع الـ*ـنَّبِيّ المُصْطَفَى أَوْفَى اتِّصَالِ
وَمِسْعَرٍ الَّذِي فِي كُلِّ عِلْمٍ*يُشَارُ كَذَا إِلَيْهِ كَالهِلاَلِ
وَزَائِدَةٍ وَزِدْ أَيْضاً جَرِيْراً*فُكُلُّ مِنْهُمَا رَجُل النِّضَالِ
وَكَابْن مُبَارَكٍ أَوْ كَابْن وَهْبٍ*وَكَالقَطَّان ذِي شَرَفٍ وَحَالِ
وَحَمَّادٍ، وَحَمَّادٍ جَمِيْعاً*وَكَابْنِ الدَّسْتُوَائِيّ الجمال
وَبَعْدَهُم وَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ*المَهْدِيُّ فِي كُلِّ الخِلاَّلِ
وَمكِّيٍّ وَوَهْبٍ وَالحُمَيْدِيّ*عَبْدِ اللهِ لَيْثٍ ذِي صِيَالِ
وَضَحَّاكٍ عقيب يَزِيْدَ أَعنِي*ابْنَ هَارُوْنَ المحقّقَ فِي الخِصَالِ (21/31)
كَذَاكَ طيَالِسِيَّا البَصْرَةِ اذكُرْ*فَمَا رَوَيَاهُ مِنْ أَثرٍ لآلِي
وَعَفَّانُ نَعَمْ وَأَبُو نُعَيْمٍ*حَمِيدَا الحَالِ مَرْضِيَّا الفِعَالِ
وَيَحْيَى شَيْخُ نَيْسَابُوْر ثُمَّ الـ*إِمَامُ الشَّافِعِيُّ المُقْتَدَى لِي
كَذَاكُم ابْنُ خَالِدٍ المُكَنَّى*أَبَا ثَوْرٍ وَكَانَ حَوَى المَعَالِي
وَأَيْضاً فَالصَّدُوْقُ أَبوْ عُبَيْدٍ*فَأَعْلاَمٌ مِنْ أرْبَابِ المَقَالِ
كيَحْيَى، وَابْن حَنْبَل المُعَلَّى*بِمَعْرِفَة المتُوْنِ وَبِالرِّجَالِ
وَإِسْحَاق التَّقِي وَفتَى نُجَيْحٍ*وَعَبْدِ اللهِ ذِي مدحٍ طُوَالِ
إِسْحَاقُ: هُوَ ابْن رَاهُويه، وَفتَى نُجَيْحٍ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ: ابْن أَبِي شَيْبَةَ. (21/32)
وَعُثْمَانَ الرَّضِيِّ أَخِيْهِ أَيْضاً*وَكَالطُّوْسِيِّ رُكنِ الابتهَالِ
وَكَالنَّسَوِيّ أَعْنِيْه زُهَيْراً*وَيُعْرَفُ بِابْنِ حَرْبٍ فِي المَجَالِ
(41/23)

وَكَالذُّهْلِيِّ شَمْسِ الشَّرْقِ عَدْل*يُعدِّلُه المُعَادِي وَالمُوَالِي
وَأَصْحَابِ الصِّحَاح الخَمْسَةِ اعْلَم*رِجَالٍ فِي الشّرِيعَةِ كَالجِبَالِ
وَكَابْنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ ثُمَّ الـ*سَمَرْقَنْدِيِّ مَنْ هُوَ رَأْس مَالِي
وَبُو شَنْجِيِّهِم ثُمَّ ابْنِ نَصْرٍ*بِمَرْوَ مُقَدَّمٍ فِيهِم ثمَال
وَبِالرَّيِّ ابْنُ وَارَةَ ذُو افْتِنَانٍ*وَتِرْبَاهُ كَذَاكَ عَلَى التَّوَالِي
تِرْبَاهُ هُمَا: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ.
كَذَاكَ ابْنُ الفُرَاتِ وَكَانَ سَيْفاً*عَلَى البِدْعِيِّ يَطعُنُ كَالأَلاَلِ
كَذَا الحَرْبِيُّ أَحربهِ وَحربُ*ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ خَيَرٌ ذُو منَالِ
وَيَعْقُوْبٌ وَيَعْقُوْبَانِ أَيْضاً*سِوَاهُ وَابْنُ سَنْجَرٍ الثِّمَالِ
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَيَعْقُوْبُ بن إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَيَعْقُوْب الفَسَوِيُّ. (21/33)
وَصَالِحٌ الرِّضَى وَأَخُوْهُ مِنْهُم*كَذَاكَ الدَّارِمِيُّ أَخُو المَعَالِي
وَصَالِحٌ المُلَقَّبُ وَابْن عَمْرٍو*دِمَشْقِيٌّ حَلِيْمٌ ذُو احتِمَالِ
وَنجلُ جَرِيْرٍ إِذْ تُوُفِّيَ وَتُرْبِي*مَنَاقِبُه عَلَى عددِ الرِّمَالِ
كَذَا ابْنُ خُزَيْمَةَ السُّلَمِيُّ ثُمَّ ابْـ*ـن مَنْدَةَ مُقْتَدَى مُدُنِ الجِبَالِ
وَخَلْقٌ تَقْصُرُ الأَوْصَافُ عَنْهُم*وَعَنْ أَحْوَالِهِم حَال السُّؤَالِ
سَمَوا بِالعِلْمِ حِيْنَ سَمَا سِوَاهُم*لَدَى الجُهَّالِ بِالرِّمَمِ البَوَالِي
وَمَعْ هَذَا المَحَلِّ وَمَا حَوَوْهُ*فَآلُهُمُ كَذَلِكَ خَيْرُ آلِ (21/34)
مَضَوْا وَالذِّكْرُ مِنْ كُلِّ جَمِيْلٍ*عَلَى المعهودِ فِي الحُقُبِ الخوَالِي
أَطَاب الله مَثْوَاهُم فَقِدْماً*تَعَنَّوا فِي طِلاَبِهِمُ العَوَالِي
وَبعدَ حُصُولهَا لَهُمُ تَصَدَّوا*كَذَلِكَ لِلرِّوَايَةِ وَالأَمَالِي
وَتُلْفِي الكُلَّ مِنْهُم حِيْنَ يُلْقَى*مِنْ آثَارِ العِبَادَةِ كَالخِلاَلِ
(41/24)

وَهَا أَنَا شَارعٌ فِي شَرحِ دينِي*وَوصف عقيدتِي وَخفِيِّ حَالِي
وَأَجهدُ فِي البيَانِ بقَدْرِ وُسعِي*وَتَخليصِ العُقُوْلِ مِنَ العِقَالِ
بشعرٍ لاَ كشعرٍ بَلْ كسحرٍ*وَلفظٍ كَالشَّمُوْلِ بَلِ الشِّمَالِ
فَلَسْت الدَّهْر إِمَّعَةً وَمَا إِنْ*أَزِلُّ وَلاَ أَزولُ لذِي النِّزَالِ
فَلاَ تَصْحَبْ سِوَى السُّنِّيّ دِيْناً*لِتَحْمَدَ مَا نَصَحْتُكَ فِي المآلِ
وَجَانِبْ كُلَّ مُبْتَدِعٍ تَرَاهُ*فَمَا إِنْ عِنْدَهُم غَيْرُ المُحَالِ
وَدعْ آرَاءَ أَهْلِ الزَّيغِ رَأْساً*وَلاَ تغرركَ حذلقَةُ الرُّذَالِ
فَلَيْسَ يَدومُ لِلبدعِيّ رَأْيٌ*وَمِنْ أَيْنَ المقرُّ لذِي ارْتحَالِ
يُوَافَى حَائِراً فِي كُلِّ حَالٍ*وَقَدْ خَلَّى طَرِيْقَ الإِعتدَالِ
وَيَتْرُك دَائِباً رَأْياً لِرَأْيٍ*وَمِنْهُ كَذَا سرِيعُ الإِنتقَالِ
وَعمدَةُ مَا يَدين بِهِ سفَاهاً*فَأَحدَاثٌ مِنْ أَبْوَابِ الجِدَالِ
وَقول أَئِمَّةِ الزَّيغ الَّذِي لاَ*يُشَابههُ سِوَى الدَّاءِ العُضَالِ
كَمعْبدٍ المضلَّلِ فِي هَوَاهُ*وَوَاصِلٍ أَوْ كغَيْلاَن المِحَالِ (21/35)
وَجعدٍ ثُمَّ جَهْمٍ وَابْن حَرْبٍ*حَمِيْرٌ يَسْتَحِقُّوْنَ المخَالِي
وَثَوْرٍ كَاسمه أَوْ شِئْتَ فَاقَلِبْ*وَحَفْصِ الفردِ قِردٍ ذِي افْتعَالِ
وَبشرٍ لاَ أَرَى بُشرَى فَمِنْهُ*تَولَّدَ كُلّ شَرٍّ وَاختلاَلِ
وَأَتْبَاعُ ابْن كُلاَّبٍ كِلاَبٌ*عَلَى التّحقيقِ هُم مِنْ شَرِّ آلِ
كَذَاكَ أَبُو الهُذَيْلِ وَكَانَ مَوْلَىً*لِعَبْدِ القَيْسِ قَدْ شَانَ المَوَالِي
وَلاَ تَنْسَ ابْنَ أَشْرَسٍ المُكنَّى*أَبَا مَعْنٍ ثُمَامَةَ فَهُوَ غَالِي
وَلاَ ابْنَ الحَارِثِ البَصْرِيَّ ذَاكَ الـ*مُضِلَّ عَلَى اجْتِهَادٍ وَاحتِفَالِ
وَلاَ الكُوْفِيَّ أَعْنِيه ضِرَارَ بـ*ـن عَمْرٍو فَهْوَ لِلبَصْرِيِّ تَالِي
كَذَاكَ ابْنُ الأَصَمِّ، وَمِنْ قَفَاهُ*مِنَ اوْبَاشِ البَهَاشِمَةِ النِّغَالِ (21/36)
(41/25)

وَعَمْرٌو هَكَذَا أَعنِي ابْنَ بَحْرٍ*وَغَيْرهُم مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ
فَرَأْيُ أُولاَءِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئاً*سِوَى الهَذَيَانِ مِنْ قِيْلٍ وَقَالِ
وَكُلُّ هَوَىً وَمُحْدَثَةٍ ضَلاَلٌ*ضَعِيْفٌ فِي الحقيقَةِ كَالخيَالِ
فَهَذَا مَا أَدِينُ بِهِ إِلهِي*تَعَالَى عَنْ شَبِيْهٍ أَوْ مِثَالِ
وَمَا نَافَاهُ مِنْ خُدَعٍ وَزُوْرٍ*وَمِنْ بِدَعٍ فَلَمْ يَخَطُرْ بِبَالِي
صدق النَّاظمُ -رَحِمَهُ الله- وَأَجَاد، فَلأَن يَعِيْش المُسْلِم أَخرس أَبكَم خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَمتلِئَ باطنه كَلاَماً وَفَلْسَفَةً!
أَنشدنَا أَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ فِي كِتَابِهِ، عَنِ القَاسِمِ بن عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أبي، أَنْشَدَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْد الكَرِيْمِ بن مُحَمَّد بِدِمَشْقَ، أَنْشَدَنَا أَبُو العِزِّ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ البُسْتِيّ بِمُلْقَابَاذَ (ح).
وَأَنْشَدَنَا أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، أَنْشَدَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ المُقْرِئ، قَالاَ:
أَنْشَدَنَا الحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ لِنَفْسِهِ:
إِنَّ عِلْمَ الحَدِيْثِ عِلْمُ رِجَالٍ*تَرَكُوا الابتدَاعَ لِلاتِّبَاعِ
فَإِذَا جَنَّ لَيْلُهُم كَتَبُوهُ*وَإِذَا أَصْبَحُوا غَدَوا لِلسَّمَاعِ
أَنْشَدَنَا أَبُو الفَتْحِ القُرَشِيّ، أَنْشَدَنَا يُوْسُفُ السَّاوِيُّ، أَنْشَدَنَا السِّلَفِيُّ لِنَفْسِهِ:
لَيْسَ عَلَى الأَرْضِ فِي زَمَانِي*مَنْ شَانهُ فِي الحَدِيْثِ شَانِي
نَظماً وَضبطاً يَلِي عُلُوّاً*فِيْهِ عَلَى رغْمِ كُلِّ شَانِي (21/37)
أَنْشَدَنَا أَبُو الحُسَينِ ابْن الفَقِيْه، وَأَبُو عَلِيٍّ القَلاَنسِيّ، قَالاَ:
أَنْشَدَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيّ، أَنْشَدَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ لِنَفْسِهِ:
لَيْسَ حُسْنُ الحَدِيْثِ قربَ رِجَالٍ*عِنْدَ أَربَابِ علمِهِ النَّقَّادِ
(41/26)

بَلْ عُلُوُّ الحَدِيْثِ عِنْد أُولِي الإِتْـ*ـقَانِ وَالحِفْظِ صِحَّةُ الإِسْنَادِ
فَإِذَا مَا تَجَمَّعَا فِي حَدِيْثٍ*فَاغتَنِمْهُ فَذاكَ أَقْصَى المُرَادِ
قَدْ مَرَّ ذِكْرُ مَوْلِدِهِ وَأَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيْرِ، وَقَدْ قَالَ المُحَدِّثُ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن عَلِيٍّ التُّجِيْبِيّ الأَنْدَلُسِيُّ:
سَمِعْتُ عَلَى السِّلَفِيِّ، وَوجدت بِخَطِّهِ مُقيداً:
مَوْلِدِي بِأَصْبَهَانَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ تخمِيناً لاَ يَقيناً.
وَيُقوِيّ هَذَا مَا تَقدم عَنِ السَّخَاوِيّ، وَالأَظهر خِلاَفه مِنْ قَوْله لما كَتَبُوا عَنْهُ وَهُوَ أَمرد، وَمِنْ قَوْله وَقت قَتْلَةِ نِظَامِ المُلْكِ.
وَقَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ أَحْمَد بن خَلِّكَانَ: كَانَتْ وِلاَدَتُه بِأَصْبَهَانَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ تَقَرِيْباً.
قَالَ: وَوجدت العُلَمَاء بِمِصْرَ وَالمُحَدِّثِيْنَ مِنْ جملتهِم الحَافِظ المُنْذِرِيّ يَقُوْلُوْنَ فِي مَوْلِد السِّلَفِيّ هَذِهِ المَقَالَة، ثُمَّ وَجَدْت فِي كِتَاب (زهر الرِّيَاض) لأَبِي القَاسِمِ ابْنِ الصَّفْرَاوِيِّ: أَنَّ السِّلَفِيّ كَانَ يَقُوْلُ:
مَوْلِدِي -بِالتخمِين لاَ بِاليقين- سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ.
فَيَكُوْن مَبْلَغ عُمُره عَلَى مقتضَى ذَلِكَ ثَمَانِياً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. (21/38)
ثُمَّ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَرَأَيْت فِي (تَارِيخ ابْن النَّجَّار) مَا يَدلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ الصَّفْرَاوِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ:
(41/27)

قَالَ عَبْدُ الغَنِيّ المَقْدِسِيّ: سَأَلت السِّلَفِيَّ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: أَنَا أَذْكُر قتلَ نِظَامِ المُلْكِ سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَلِي نَحْو عشر سِنِيْنَ، وَلَوْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ عَلَى مَا يَقوله أَهْل مِصْرَ مَا كَانَ يَقُوْلُ: أَذْكُر قتلَ نِظَامِ المُلْكِ، فَيَكُوْن عَلَى مَا قَالُوْهُ عُمره ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَلَمْ تَجرِ العَادَة أَنَّ مَنْ سِنُّه هَكَذَا أَنْ يَقُوْلَ: أَذْكُر القِصَّةَ الفُلاَنِيَّةَ.
قَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَن قَوْل الصَّفْرَاوِيّ تِلْمِيْذه أَقْرَب إِلَى الصّحَّة.
قُلْتُ: أَرَى أَنَّ القولين بعيدَان، وَهُمَا سَنَة اثْنَتَيْنِ، وَسَنَة ثَمَانٍ، فَإِنَّهُ قَدْ حَدَّثَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ فِي أَوَّلهَا، وَقَدْ مرّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ ابْن سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَكْثَر أَوْ أَقلّ بِقَلِيْلٍ.
فَلَو كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَة اثْنَتَيْنِ، لَكَانَ ابْنَ عِشْرِيْنَ سَنَةً تَامَّة، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَهُ الصَّفْرَاوِيّ، لَكَانَ قَدْ كَتَبُوا عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَهَذَا بعيد جِدّاً، فَتعيّن أَنّ مَوْلِده عَلَى هَذَا يَكُوْن فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْس وَسَبْعِيْنَ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ جَاوَزَ المائَةَ بِلاَ تَرَدُّدٍ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: مَعَ أَنَّا مَا علمنَا أَحَداً مُنْذُ ثَلاَث مائَة سَنَةٍ إِلَى الآنَ بلغَ المائَة -فَضْلاً عَنْ أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهَا- سِوَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيّ: فَإِنَّهُ عَاشَ مائَة وَسَنَتَيْنِ.
(41/28)

قُلْتُ: هَذَا الكَلاَم لاَ يَدلُّ عَلَى نَفِي تَعمِيْر المائَة، بَلْ فِيْهِ اعترَاف فِي الطَّبَرِيّ -رَحِمَهُ الله- وَمَا قَالَهُ الصَّفْرَاوِيّ فَقَاله بِاجتهَاده، وَمَا تُوبع عَلَيْهِ، بَلَى خُولف. (21/39)
وَقَدْ كُنْت أَلّفْت جُزْءاً كَبِيْراً فِيْمَنْ جَاوَزَ المائَةَ مِنَ المَشَايِخ، وَمِنْهُم:
أَنَس بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَغَيْرهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسُوَيْد بن غَفَلَة، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيّ، وَعِدَّة مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَالحَسَن بن عَرَفَةَ العَبْدِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَبَدْر بن الهَيْثَمِ، وَسُلَيْمَان بن أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيّ، وَالفَقِيْه عَبْد الوَاحِدِ الزُّبَيْرِيّ بِمَا وَرَاء النَّهْر، وَشَيْخُنَا رُكْن الدِّيْنِ الطَّاوُوْسِيّ، وَبِالأَمس مُسْنِد الدُّنْيَا شِهَاب الدِّيْنِ أَحْمَدَ ابْن الشِّحْنَةِ.
قَالَ المُحَدِّثُ وَجِيْه الدِّيْنِ عَبْد العَزِيْزِ بن عِيْسَى اللَّخْمِيّ قَارِئُ الحَافِظِ السِّلَفِيّ:
تُوُفِّيَ الحَافِظ فِي صَبِيْحَة يَوْمَ الجُمُعَةِ، خَامِسَ شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَسِتُّ سِنِيْنَ.
كَذَا قَالَ فِي سِنِّه، فَوَهِمَ الوَجِيْه.
ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ يُقرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْث يَوْمَ الخَمِيْسِ إِلَى أَنْ غربتِ الشَّمْس مِنْ لَيْلَة وَفَاته، وَهُوَ يَردّ عَلَى القَارِئ اللَّحْنَ الخفِيَّ، وَصَلَّى يَوْمَ الجُمُعَةِ الصُّبْح عِنْد انفجَار الفَجْر، وَتُوُفِّيَ بَعْدهَا فُجَاءةً.
قُلْتُ: وَكَذَا أَرَّخَ مَوْتَهُ غَيْرُ وَاحِد -رَحِمَهُ الله وَغفر لَهُ- وَقَبْره مَعْرُوف بِظَاهِرِ الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَكَانَ يَطَأُ أَهْلَه وَيَتمتَّع وَإِلَى قَرِيْب وَفَاتِه، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ وَقَدْ أَسنَّ بَعْدَ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: لَقَبُهُ صَدْر الدِّيْنِ. (21/40)