ابْنُ غَانِيَةَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ البَرْبَرِيُّ
 
الأَمِيْرُ، المُجَاهِدُ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ ابْنِ غَانِيَةَ البَرْبَرِيُّ، أَخُو الأَمِيْرِ مُحَمَّد.
وَجّه بِهِمَا أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ عَلِيّ بن يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن إِلَى الأَنْدَلُسِ عَلَى وِلاَيَة بَعْض مدنهَا، فَكَانَ يَحْيَى مِنْ حَسَنَات الزَّمَان، قَدْ حصّل الفِقْه وَالسّنَّة، وَفِيْهِ دين وَورع، وَكَانَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِشَجَاعَته المَثَل، حَتَّى قِيْلَ: كَانَ يُعدّ بِخَمْسِ مائَة فَارِس، فَأَصْلَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ أَشيَاء وَدفعَ بِهِ مَكَاره.
وَلِي بَلَنْسِيَة، ثُمَّ قُرْطُبَة، وَغَزَا عِدَّة غَزَوَات، وَسبَى، وَغنم.
وَأَكْبَر غَزَوَاته نَوْبَة مدينَة سَالِم لقِي فِيْهَا جَيْشاً ضَخْماً، فَهَزمهُم، وَنَازل المَدِيْنَة، وَأَقَامَ عَلَى قَبْر المَنْصُوْر مُحَمَّد بن أَبِي عَامِرٍ سَبْعَة أَيَّام، وَرجع سَالِماً غَانِماً، وَبَقِيَ إِلَى آخر دَوْلَة المرَابطين، وَلَمْ يُعْقِبْ، فَاضْطَّرَبَ أَمر أَخِيْهِ مُحَمَّد، وَبَقِيَ يَجول فِي الأَنْدَلُس، وَدعوَة المَصَامِدَة تَنْتَشر.
ثُمَّ إِنَّهُ قصد دَانِيَة، وَعدَّى مِنْهَا إِلَى جَزِيْرَة مَيُوْرْقَة، فَتملّكهَا، وَأَخَذَ الجزِيْرتين اللَّتين حَوْلَهَا: مَنُوْرَقَة وَيَابِسَةَ. (21/74)
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْن تَاشفِيْن أَبعده إِلَيْهَا عَلَى طَرِيْق الاعْتِقَالِ، وَمَيُوْرْقَة هَذِهِ طيبَة خصبَة، نَحْو ثَلاَثِيْنَ فَرْسَخاً، عَدِيْمَة الهوَامّ وَالوُحُوش، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ ابْنُ غَانِيَةَ بِهَا، وَأَقَامَ الدعوَة لِبَنِي العَبَّاسِ عَلَى قَاعِدَة المُرَابطين إِلَى أَنْ مَاتَ، فَخلفه ابْنه إِسْحَاق، وَكثر الدَّاخلُوْنَ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الغَزْو فِي البَحْر، وَكثرت أموَاله مِنَ الغَنَائِم، وَبَقِيَ يهَادِي الموحّدين، وَيَحْمِل إِلَيْهِم، وَيدَارِيهِم إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، استُشهد فِي بلاَد الفِرنْج مِنْ طعنَة فِي عُنُقه، وَخَلَّف ثَمَانِيَة بَنِيْنَ، فَوَلِيَ المَمْلَكَةَ بَعْدَهُ بعهد مِنْهُ ابْنُهُ الأَمِيْرُ عَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ ابْنُ غَانِيَةَ.
(41/63)