ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ
 
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ البَارِعُ، المُقْرِئُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، قَاضِي القُضَاةِ، شَرَفُ الدِّيْنِ، عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِبَة اللهِ بنِ المُطَهِّرِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ بنِ أَبِي السَّرِيِّ التَّمِيْمِيُّ، الحَدِيْثِيُّ الأَصْل، المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: المُرْتَضَى الشَّهْرُزُوْرِيّ وَالِد القَاضِي كَمَال الدِّيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن خَمِيْس المَوْصِلِيّ، وَتلقن عَلَى: المُسَلَّمِ السَّرُوْجِيِّ.
وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَارِع، وَبِالعَشْر عَلَى: أَبِي بَكْرٍ المَرْزُوْقِي، وَدعوَان بن عَلِيٍّ، وَسِبْط الخَيَّاط.
وَتَفَقَّهَ بِوَاسِط مُدَّة عَلَى: القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: أَبِي العِزِّ القَلاَنسِيّ، قَالَهُ ابْنُ النَّجَّارِ.
وَعلّق بِبَغْدَادَ عَنْ: أَسْعَد المِيْهَنِيّ، وَأَخَذَ الأُصُوْل عَنْ: أَبِي الفَتْحِ أَحْمَد بن بَرْهَان، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي البَرَكَات ابْن البُخَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ، وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ طَوْقٍ، وَحصّل عِلْماً جَمّاً.
(41/114)

وَرجع إِلَى بلده، فَدرّس بِالمَوْصِل، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ سَكَنَ سِنْجَار مُدَّة، وَقَدِمَ حلب سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ فَدرّس بِهَا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ صَاحِبهَا نُوْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن زَنْكِي، ثُمَّ قَدِمَ مَعَهُ دِمَشْق إِذْ تَملّكهَا، وَدرّس بِالغزَالية، وَوَلِيَ نَظَرَ الأَوقَاف، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حلب، ثُمَّ وَلِي قَضَاء حرَّان وَسِنْجَار وَديَار رَبِيْعَة، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَئِمَّة، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ سَنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ وَلِي قَضَاءهَا سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَأَقرَأَ القِرَاءات وَالفِقْه، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، وَعظم قدره. (21/127)
أَلّف كِتَاب (صفوَة المَذْهَب فِي نِهَايَة المطلب) وَهُوَ سَبْع مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب (الانْتِصَار) فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب (المرشد) فِي مُجَلَّدين، وَكِتَاب (الذّرِيعَة، فِي مَعْرِفَةِ الشّرِيعَة)، وَكِتَاب (التَّيْسِيْر فِي الخلاَف) أَرْبَعَة أَجزَاء، وَكِتَاب (مآخذ النَّظَر)، وَكِتَاب (الفَرَائِض)، وَكِتَاب (الإِرشَاد) فِي نُصْرَة المَذْهَب، وَمَا كَمُلَ.
وَبَنَى لَهُ نُوْر الدِّيْنِ مدَارس بِحَلَبَ وَحَمَاة وَحِمْص وَبَعْلَبَكَّ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مَدْرَسَة بِحَلَبَ، وَمَدْرَسَة بِدِمَشْقَ، وَقَبْره بِهَا.
مِنْ تآلِيفه: كِتَاب (التنبيه فِي مَعْرِفَةِ الأَحكَام)، وَكِتَاب (فَوَائِد المُهَذَّب) مُجَلَّدَان، وَصَنَّفَ جُزْءاً فِي صِحَّة قَضَاء الأَعْمَى لَمَّا أَضر، وَهُوَ خِلاَف المَذْهَب، وَفِي ذَلِكَ وَجه قوِيّ.
(41/115)

وَلَمَّا وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْق، نَاب عَنْهُ: القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّد ابْنُ الزَّكِيِّ، وَأَوْحَد الدِّيْنِ دَاوُد، وَكُتِبَ لَهُمَا تَقليد مِنَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ بِالنِيَابَة، وَلَمَّا فَقَد بصره، قلّد السُّلْطَان القَضَاء وَلده مُحْيِي الدِّيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعزل الوَالِد، وَاسْتقلَّ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُه إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، ثُمَّ صُرف بِمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الزَّكِيّ. (21/128)
حَدَّثَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ جَمَاعَة، مِنْهُم: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، وَالقَاضِي أَبُو نَصْرٍ بنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن سِيَّمَا، وَمَحْمُوْد بن عَلِيِّ بنِ قَرقِين، وَصدّيق بن رَمَضَان، وَالعِمَاد أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ النَّحَّاسِ، وَالإِمَام بَهَاء الدِّيْنِ ابْن الجُمَّيْزِيّ.
وَلأَبِي سَعْدٍ نَظم جَيِّد، مِنْهُ:
أَمُسْتَخْبِرِي عَنْ حَنِينِي إِلَيْهِ*وَعَنْ زَفَرَاتِي وَفرْطِ اشتيَاقِي
لَكَ الخَيْرُ إِنَّ بِقَلْبِي إِلَيْك*ظَماً لاَ يُرَوِّيْهِ إِلاَّ التَّلاَقِي
وَلَهُ:
يَا سَائِلِي كَيْفَ حَالِي بَعْد فُرْقَته*حَاشَاكَ مِمَّا بِقَلْبِي مِنْ تَنَائِيكَا
قَدْ أَقسَمَ الدَّمعُ لاَ يَجفو الجُفُوْنَ أَسَىً*وَالنومُ لاَ زَارهَا حَتَّى أُلاَقيكَا (21/129)
وَقَرَأْت بِخَطِّ الشَّيْخ المُوَفَّق، قَالَ: سَمِعْنَا درْسَه مَعَ أَخِي أَبِي عُمَرَ، وَانقطعنَا، فَسَمِعْتُ أَخِي يَقُوْلُ:
دَخَلت عَلَيْهِ بَعْد، فَقَالَ: لِمَ انْقَطَعتم عَنِّي؟
قُلْتُ: إِنَّ نَاساً يَقُوْلُوْنَ: إِنَّك أَشعرِيّ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا أَشعرِيّ.
هَذَا مَعْنَى الحِكَايَة.
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالعَشْرِ ابْن الجُمَّيْزِيّ.
تُوُفِّيَ: فِي حَادِي عَشَر رَمَضَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. (21/130)
(41/116)