السَّائِحُ، عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ الهَرَوِيُّ
 
الزَّاهِدُ، الفَاضِلُ، الجَوَّالُ، الشَّيْخُ، عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ الهَرَوِيُّ، الَّذِي طَوَّفَ غَالِبَ المَعْمُور، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ مَوْضِعاً مُعْتَبَراً إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَيْهِ.
مَوْلِدُهُ: بِالمَوْصِلِ، وَاسْتَوْطَنَ فِي الآخِر حَلَبَ، وَلَهُ بِهَا رِبَاطٌ.
وَجَمَعَ تَوَالِيفَ وَفَوَائِدَ وَعَجَائِبَ.
وَكَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ، دَخَلَ فِي السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ، وَنفقَ عَلَى الظَّاهِر صَاحِبِ حَلَبَ، فَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً، فَدرَّسَ بِهَا، وَخَطَبَ بِظَاهِرِ حَلَبَ، وَكَانَ غَرِيْباً مُشَعْوِذاً، حُلْوَ المُجَالَسَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَادَ أَنْ يُطبِقَ الأَرْض بِالدَّوَرَانِ بَرّاً وَبَحْراً وَسَهْلاً وَوَعْراً، حَتَّى ضُرِبَ بِهِ المَثَلُ، فَقَالَ ابْنُ شَمْسِ الخِلاَفَةِ فِي رَجُلٍ:
أَوْرَاقُ كِذْبَتِهِ فِي بَيْتِ كُلِّ فَتَىً * عَلَى اتِّفَاقِ مَعَانٍ وَاخْتِلاَفِ رَوِي
قَدْ طَبَّقَ الأَرْضَ مِنْ سَهْلٍ إِلَى جَبَلٍ * كَأَنَّهُ خَطُّ ذَاكَ السَّائِحِ الهَرَوِيّ
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ عَارِفاً بِأَنْوَاعِ الحِيَلِ وَالشَّعْبَذَةِ، أَلَّفَ خُطَباً وَقدَّمهَا لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، فَوَقَّعَ لَهُ بِالحُسبَةِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ، فَبقِيَ لَهُ شَرَفٌ بِهَذَا التَّوقِيعِ مَعَهُ، وَلَمْ يُباشرْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ سُبَاعِيَّاتِهِ.
وَرَأَيْتُ لَهُ كِتَاب المَزَارَاتِ وَالمَشَاهِدِ الَّتِي عَايَنَهَا، وَدَخَلَ إِلَى جَزَائِرِ الفِرَنْجِ، وَكَادَ أَنْ يُؤْسَرَ.
وَقَبرُهُ فِي قُبَّةٍ بِمَدْرَسَتِهِ بِظَاهِرِ حَلَبَ.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ. (22/58)
(42/59)