ابْنُ الدَّهَّانِ، المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ بنِ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيُّ
 
العَلاَّمَةُ، وَجِيْه الدِّيْنِ، أَبُو بَكْرٍ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ ابنِ أَبِي الأَزْهَرِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي السَّعَادَاتِ الوَاسِطِيُّ، النَّحْوِيُّ، الضَّرِيْرُ.
حفظ القُرْآن، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى جَمَاعَة.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابّاً، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ المُرَقَّعَاتِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَلزمه فِي العَرَبِيَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ الأَدب عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ نَصْر بن مُحَمَّدٍ المُؤَدِّب، وَقَدِمَ بَغْدَادَ مَعَ وَالِده، فَسكنهَا، وَقرَأَ الأَدب عَلَى ابْنِ الخَشَّاب، وَقرَأَ جُمْلَةً مِنْ كُتُب النَّحْو وَاللُّغَة وَالشّعر عَلَى أَبِي البَرَكَاتِ الأَنْبَارِيّ مِنْ حِفْظِهِ، وَذَكَرَ لِي أَنَّهُ قرَأَ نِصْف (كِتَاب سِيْبَوَيْه) مِنْ حِفْظِهِ عَلَيْهِ أَيْضاً، وَأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ فِي كُلِّ يَوْم كُرَّاساً فِي النَّحْوِ وَيَفهمه وَيُطَارح فِيْهِ، حَتَّى برع، وَكَانَ يَتردَّد إِلَى مَنَازِل الصُدُوْر لإِقْرَاء الأَدب، وَكَانَ شَدِيد الذّكَاء، ثَاقب الفَهم، كَثِيْر المَحْفُوْظ، مُضطلعاً بعلُوْم كَثِيْرَة: النَّحْو، وَاللُّغَة، وَالتّصرِيف، وَالعروض، وَمعَانِي الشّعر، وَالتَّفْسِيْر، وَيَعْرِف الفِقْه وَالطِّبّ وَعلم النُّجُوْم وَعُلُوْم الأَوَائِل.
قُلْتُ: لَوْ جهل هَذَيْنِ العلمين لَسَعِدَ. (22/88)
(42/90)

قَالَ: وَلَهُ النّظم وَالنَّثْر، وَيُنشَئ الخطب وَالرَّسَائِل بِلاَ كلفَة وَلاَ رويَّة، وَيَتكلَّم بِالتّركيَّة وَالفَارِسيَّة وَالرومِيَّة وَالأَرْمَنِيَّة وَالحَبَشِيَّة وَالهنديَّة وَالزّنجيَّة بكَلاَم فَصيح عِنْد أَهْل ذَلِكَ اللِّسَان، وَكَانَ حليماً، بطيء الغَضَب، مُتَوَاضِعاً، دَيِّناً، صَالِحاً، كَثِيْر الصَّدَقَة، متفقّداً لِلْفُقَرَاء وَالطّلبَة؛ تَفَقَّهَ أَوَّلاً لأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً بَعْد عُلُوِّ سنّه، وَوَلِيَ تدرِيس النَّحْو بِالنّظَامِيَّة، إِلَى أَنْ مَاتَ، قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتح فَمِي بِالعِلْمِ، لأَنْ أُمِّي أَسلمتَنِي إِلَيْهِ وَلِي عشر سِنِيْنَ، فَكُنْت أَقرَأُ عَلَيْهِ القُرْآن وَالفِقْه وَالنَّحْو، وَأُطَالع لَهُ ليلاً وَنَهَاراً، وَإِذَا مَشَى، كُنْت آخذاً بِيَدِهِ، وَكَانَ ثِقَةً، نبيلاً، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
أَيُّهَا المَغْرُوْر بِالدُّنْيَا انتبِه * إِنَّهَا حَالٌ ستفنَى وَتحوْلُ
وَاجتهِدْ فِي نِيلِ مُلْكٍ دَائِمٍ * أَيُّ خَيْرٍ فِي نَعيمٍ سَيَزُولُ
لَوْ عَقلْنَا مَا ضَحِكْنَا لَحْظَةً * غَيْر أَنَّا فُقِدَتْ مِنَّا العُقُوْلُ
قَالَ: مَوْلِدُهُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَكُنْت بِنَيْسَابُوْرَ.
قُلْتُ: فِيْهِ نَظم المُؤَيَّد ابْن التَّكرِيتِيّ:
وَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي الوَجِيْهَ رِسَالَةً * وَإِنْ كَانَ لاَ تُجْدِي لَدَيْهِ الرَّسَائِلُ
تَمَذْهَبْتَ لِلنُّعْمَانِ بَعْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ * وَذَلِكَ لَمَّا أَعْوَزَتْك المآكِلُ
وَمَا اخْتَرتَ رَأْي الشَّافِعِيّ دِيَانَةً * وَلَكِنَّمَا تَهوَى الَّذِي هُوَ حَاصِلُ
وَعَمَّا قَلِيْلٍ أَنْتَ لاَ شَكَّ صَائِرٌ * إِلَى مَالِكٍ فَافْطَنْ لِمَا أَنَا قَائِلُ!
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: تخرّج بِالوَجِيْه جَمَاعَة فِي النَّحْوِ وَكَانَ هُذَرَة، كَتَبْتُ عَنْهُ أَنَاشيد.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ.
وَأَجَاز لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ. (22/89)
(42/91)