الظَّاهِرُ بِأَمْرِ اللهِ، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ النَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ
 
الخَلِيْفَةُ، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ ابنِ المُسْتَضِيْءِ حَسَنٍ ابْنِ المُسْتَنْجِدِ يُوْسُفَ ابْنِ المُقْتَفِي الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبُوْيِعَ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ، وَخُطِبَ لَهُ وَهُوَ مُرَاهِقٌ، وَاسْتمرَّ ذَلِكَ سِنِيْنَ، ثُمَّ خَلَعَهُ أَبُوْهُ، وَوَلَّى عَلِيّاً أَخَاهُ العَهْدَ، فَدَامَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ عَلِيٌّ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَاحتَاجَ أَبُوْهُ أَنْ يُعِيدَهُ إِلَى العَهْدِ، وَقَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَ النَّاصِرِ، وَلَمْ يُطوِّلْ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) بِإِجَازتِهِ مِنْ وَالِدِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا الظَّاهِرُ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبِي كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ المُغِيْثِ بنِ زُهَيْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
(42/287)

قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَلِيَ، فَأَظهرَ العَدْلَ وَالإِحسَانَ، وَأَعَادَ سُنَّةَ العُمَرَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيْلَ: مَا وَلِيَ بَعْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِثْلَهُ لَكَانَ القَائِلُ صَادِقاً، فَإِنَّهُ أَعَادَ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَملاَكِ المغصوبَةِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَأَطلقَ المُكُوسَ فِي البِلاَدِ جَمِيْعِهَا، وَأَمرَ بِإِعَادَةِ الخَرَاجِ القَدِيْمِ فِي جَمِيْعِ العِرَاقِ، وَبإِسقَاطِ مَا جدَّدَهُ أَبُوْهُ، وَكَانَ لاَ يُحصَى، فَمِنْ ذَلِكَ بَعْقُوبَا خرَاجهَا القَدِيْم، عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأُخِذَ مِنْهَا زَمَنَ أَبِيْهِ ثَمَانُوْنَ أَلفَ دِيْنَارٍ، فَرَدَّهَا، وَكَانَ سَنْجَةَ الخزَانَةِ، تَرْجح نِصْفَ قِيْرَاطٍ فِي المثقَالِ، يَأْخذُوْنَ بِهَا وَيُعطَونَ العَادَة، فَأَبطلَهُ، وَوَقَّعَ: {وَيلٌ لِلمطفِّفِيْنَ} [المطففين: 1]، وَقَدِمَ صَاحِبُ الدِّيْوَانِ مِنْ وَاسِطَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ ظُلْماً، فَرَدَّهَا عَلَى أَربَابِهَا، وَنفَّذَ إِلَى الحَاكِمِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ لِيُوَفِّيَهَا عَنِ المحبوسينَ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
أَنَا قَدْ فَتحْتُ الدُّكَّانَ بَعْدَ العصرِ، فَذرُوْنِي أَفْعَلِ الخَيْرَ، فَكم بَقِيْتُ أَعيشُ.
وَقَدْ أَنفقَ وَتَصدَّقَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَكَانَ نِعْمَ الخَلِيْفَةِ خُشوعاً وَخُضوعاً لرَبِّهِ، وَعدلاً فِي رعيَّتِهِ، وَازديَاداً فِي وَقتٍ مِنَ الخَيْرِ، وَرغبَةً فِي الإِحسَانِ. (22/266)
قَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ أَبْيَضَ، جَمِيْلَ الصُّوْرَةِ، مُشْرَباً حُمْرَةً، حُلوَ الشَّمَائِلِ، شَدِيدَ القوَى، اسْتُخْلِفَ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَتَنَزَّهُ؟
قَالَ: قَدْ لَقَسَ الزَّرْعُ.
(42/288)

ثُمَّ إِنَّهُ أَحْسَنَ وَفرَّقَ الأَمْوَالَ، وَأَبطلَ المُكُوسَ، وَأَزَالَ المظَالِمَ.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى الخَزَائِنِ، فَقَالَ لَهُ خَادمٌ: فِي أَيَّامِكَ تَمتلَئُ.
قَالَ: مَا عُمِلَتِ الخَزَائِنُ لِتُمْلأَ، بَلْ لِتُفْرَغَ، وَتُنفَقَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، إِنَّ الجمعَ شُغْلُ التُّجَّارِ!
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: أَظهرَ الظَّاهِرُ العَدْلَ، وَأَزَالَ المَكْسَ، وَظهرَ لِلنَّاسِ، وَكَانَ أَبُوْهُ لاَ يظهرُ إِلاَّ نَادراً.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي: بَايَعَهُ أَوَّلاً أَهْلُهُ، وَأَوْلاَدُ الخُلَفَاءِ، ثُمَّ نَائِبُ الوزَارَةِ مُؤَيَّدُ الدِّيْنِ القُمِّيُّ، وَعضدُ الدَّوْلَةِ ابْنُ الضَّحَّاكِ أُسْتَاذُ الدَّارِ، وَقَاضِي القُضَاةِ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ فَضلاَنَ، وَنقيبُ الأَشْرَافِ القَوَّامُ المُوْسَوِيُّ، وَجَلَسَ يَوْمَ الفطرِ لِلبَيْعَةِ بثِيَابٍ بِيْضٍ، بطرحة، وَعَلَى كَتِفِهِ البُرْدُ النَّبَوِيُّ، وَلفظُ البَيْعَةِ: أُبَايِعُ مَوْلاَنَا الإِمَامُ المُفْتَرَضُ الطَّاعَة، أَبَا نَصْرٍ مُحَمَّداً الظَّاهِرَ بِأَمْرِ اللهِ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَاجْتِهَادِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنْ لاَ خَلِيْفَةَ سِوَاهُ. (22/267)
وَبعدَ أَيَّامٍ عُزِلَ مِنَ القَضَاءِ ابْنَ فَضلاَنَ بِأَبِي صَالِحٍ نَصْرِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيِّ، وَكَانَ القَحطُ الشَّدِيدُ بِالجَزِيْرَةِ وَالفنَاء.
وَفِيْهَا: نُفِّذَتْ خِلَعُ المُلْكِ إِلَى الكَامِلِ وَالمُعَظَّم وَالأَشْرَفِ، وَكَانَ المُعَظَّم قَدْ صَافَى خُوَارِزْم شَاه، وَجَاءتْهُ خِلْعَتُهُ فَلَبِسَهَا.
(42/289)

وَفِي سَنَةِ 623: بلغَ خُوَارِزْم شَاه أَنَّ نَائِبَهُ عَلَى كِرْمَانَ خلعَهُ، فَسَارَ يَطوِي الأَرْضَ إِلَى كِرْمَان، فَتحصَّنَ نَائِبُهُ بِقَلْعَةٍ وَذَلَّ، فَنفَّذَ إِلَيْهِ بِالأَمَانِ، فَبَلَغَهُ أَنّ عَسْكَرَ الأَشْرَف هَزَمَ بَعْضَ عَسْكَرِهِ، فَكرَّ رَاجِعاً، حَتَّى قَدِمَ منَازكرد، ثُمَّ نَازلَ خِلاَط، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ، ثُمَّ بلغَهُ عبَثُ التُّرُكْمَانِ، فَسَارعَ وَكَبَسَهُم، وَبدَّعَ فِيهِم.
وَفِي شَعْبَانَ: سَارَ كَيْقُبَاذَ، فَأَخَذَ عِدَّةَ حصُوْنٍ لِصَاحِبِ آمد.
وَفِيْهَا: حَاربَ البِرْنسُ بلاَدَ الأَرمنِ.
وَفِيْهَا: قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: اصطَادَ صَدِيْقٌ لَنَا أَرنباً لَهَا ذَكَرٌ وَأُنْثيَانِ، وَلَهَا فَرْجُ أُنثَى، فَلَمَّا شَقُّوْهَا وَجَدُوا فِيْهَا جَرْوَيْنِ، سَمِعْتُ هَذَا مِنْ جَمَاعَةٍ كَانُوا مَعَهُ، وَقَالُوا: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ الأَرنبَ تَكُوْنُ سَنَةً ذَكَراً وَسَنَةً أُنْثَى.
وَزُلِزْلَت المَوْصِل وَشهرزور، وَترددت الزَّلْزَلَة عَلَيْهِم نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ يَوْماً، وَخرب أَكْثَر قرَى تِلْكَ النَّاحيَة، وَانخسف القَمَر فِي السَّنَةِ مرَّتين، وَبرد مَاء القَيَّارَةِ كَثِيْراً، وَمَا زَالت حَارة، وَجَاءَ بِالمَوْصِلِ بَرَد عَظِيْم، زنَة الوَاحِدَة مائَتَا دِرْهَم وَأَقلّ، فَأَهْلك الدَّوَابّ.
وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا: تُوُفِّيَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ الظَّاهِر، فَكَانَتْ خِلاَفَته تِسْعَة أَشهر وَنِصْفاً -رَحِمَهُ اللهُ- وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَبَايعُوا وَلده المُسْتَنْصِر بِاللهِ أَبَا جَعْفَرٍ. (22/268)
(42/290)