صَاحِبُ الغَرْبِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ
 
السُّلْطَانُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، المَلِكُ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ ابْنُ السُّلْطَانِ يَعْقُوْبَ ابْنِ السُّلْطَانِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيُّ.
وَأُمُّه رُومِيَّة، اسْمهَا زهر.
تَمَلَّكَ البِلاَد بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ مُتَقَدِّم.
وَكَانَ أَشقر، أَشهل، أَسِيْل الخدّ، مليح الشّكل، كَثِيْر الصَّمْت وَالإِطْرَاق، شُجَاعاً، مَهِيْباً، بعيد الغَوْر، حليماً، عَفِيْفاً عَنِ الدِّمَاء، وَفِي لِسَانه لثغَة، وَكَانَ يُبَخَّل، وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلاَد.
اسْتَوْزَر أَبَا زَيْد بن يُوجَّان، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَوْزَرَ الأَمِيْر إِبْرَاهِيْم أَخَاهُ، وَكَتَبَ سرَّه ابْنُ عَيَّاشٍ، وَابْن يَخْلَفتنَ الفَازَازِي، وَوَلِيَ قَضَاءهُ غَيْر وَاحِد.
حَارَبَه ابْن غَانِيَة، وَاسْتَوْلَى عَلَى فَاس.
وَخَرَجَ عَلَيْهِ بِالسُّوس الأَقْصَى يَحْيَى بن الجَزَّارَة، وَاسْتفحل أَمره، وَهَزَمَ الموحِّدين مَرَّات، وَكَادَ أَنْ يَملك المَغْرِب، ثُمَّ قتل، وَيُلَقَّبُ بِأَبِي قصبَة.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ: سَارَ السُّلْطَان وَحَاصَرَ المَهْدِيَّة أَشْهُراً، وَأَخَذَهَا بِالأَمَان مِنْ نُوَّاب ابْن غَانِيَة، وَانْحَازَ إِلَى السُّلْطَانِ أَخُو ابْن غَانِيَة سِيْر، فَاحْتَرَمه.
(42/370)

قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ فِي (تَارِيْخِهِ): بَلَغَنِي أَن جُمْلَةَ مَا أَنفقه أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي هَذِهِ السَّفرَة مائَة وَعِشْرُوْنَ حِمْلاً مِنَ الذَّهب، وَردّ إِلَى مَرَّاكُش سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَفرغت هُدنَة الفِرَنْج، فَعبر السُّلْطَان بِجُيوشه إِلَى إِشْبِيْلِيَة. (22/339)
ثُمَّ تَحَرَّك فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ لِجِهَاد العَدُوّ، فَنَازل حِصناً لَهُم، فَأَخَذَهُ، فَسَارَ الفُنْشُ فِي أَقَاصي المَمَالِك يَسْتَنفر عُبَّاد الصَّلِيب، فَاجتمعت لَهُ جيوش مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا، وَنجدته فِرَنْج الشَّام، وَعَسَاكِر قُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَملك أَرغُن البَرْشَلُوْنِيّ، وَاسْتنفر السُّلْطَان أَيْضاً النَّاس، وَالتَقَى الجَمْعَان، وَتعرف بوقعَة العِقَاب، فَتحمَّل الفُنْشُ حَملَةً شَدِيْدَة، فَهَزم المُسْلِمِيْنَ، وَاسْتُشْهِدَ خلق كَثِيْر.
وَكَانَ أَكْبَر أَسبَاب الكسرَة غَضَب الجُنْد مِنْ تَأَخُّرِ عَطَائِهِم، وَثبت السُّلْطَان ثبَاتاً كُلِّياً، لولاَهُ لاَستُؤصل جَيْشُه، وَكَانَتِ المَلْحَمَة فِي صَفَرٍ، سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرجع العَدُوّ بغَنَائِم لاَ تُوصَفُ، وَأَخَذُوا بيَّاسَة عَنْوَةً - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ -.
مرض السُّلْطَان أَيَّاماً بِالسكتَة، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَتْ أَيَّامه خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه المُسْتَنْصِر يُوْسُف عَشْرَة أَعْوَام.
وَيُقَالُ: تَنَكَّر مُحَمَّد ليلاً، فَوَقَعَ بِهِ العَسَسُ، فَانْتظمُوْهُ بِرمَاحهِم، وَهُوَ يَصيح: أَنَا الخَلِيْفَة، أَنَا الخَلِيْفَة. (22/340)
(42/371)