ابْنُ المُسْتَوفِي، المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ اللَّخْمِيُّ
 
المَوْلَى، الصَّاحِبُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو البَرَكَاتِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ بنِ مَوْهُوْبِ بنِ غَنِيْمَةَ بنِ غَالِبٍ اللَّخْمِيُّ، الإِرْبِلِيُّ، الكَاتِبُ، عُرِفَ بِابْنِ المُسْتَوْفِي.
وُلِدَ: بِإِرْبِلَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ وَالأَدَبَ عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ البَحْرَانِيِّ، وَمَكِّيِّ بنِ رَيَّانَ المَاكِسِيْنِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي حَبَّةَ، وَمُبَارَكِ بنِ طَاهِرٍ، وَحَنْبَلٍ، وَابْنِ طَبَرْزَذَ، وَنَصْرِ اللهِ بنِ سَلاَمَةَ الهِيْتِيّ، وَخَلْقٍ مِنَ الوَافدينَ إِلَى إِرْبِلَ.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَعَمِلَ لِبَلَدِهِ (تَارِيْخاً) فِي خَمْسَةِ أَسفَارٍ، وَكَانَتْ دَارُهُ مَجْمَعاً لِلْفُضَلاَءِ، وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، قَوِيَّ الخَطِّ، حُلْوَ الإِيرَادِ، لَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَالتَّفُنُّنُ فِي الفَضَائِلِ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَغَيْرِهِ.
أَجَازَ لِشَيْخِنَا شَمْسِ الدِّيْنِ ابْنِ الشِّيْرَازِيِّ.
وَلِي نَظَرَ إِرْبِلَ مُدَّةً، وَنَزَحَ مِنْهَا وَقتَ اسْتيلاَءِ التَّتَارِ عَلَيْهَا، فَأَقَامَ بِالمَوْصِلِ، وَكَانَ وَالِدُهُ وَجدُّهُ مِنْ قَبْلِهِ عَلَى الاسْتيفَاءِ بِإِرْبِلَ. (23/51)
قُلْتُ: فَمِنْ شِعرِهِ مِمَّا أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ الفُوَطِيِّ:
(43/48)

وَفَى لِيَ دَمْعِيْ يَوْمَ بَانُوا بِوَعْدِهِ*فَأَجْرَيْتُهُ حَتَّى غَرِقْتُ بِمَدِّهِ
وَلَوْ لَمْ يُخَالِطْهُ دَمٌ غَالَ لَوْنَهُ*لَمَا مَالَ حَادِي الرَّكْبِ عَنْ قَصْدِ وِرْدِهِ
أَأَحْبَابَنَا هَلْ ذَلِكَ العَيْشُ رَاجِعٌ*بِمقتبلٍ غَضِّ الصِّبَى مُسْتَجَدِّهِ؟
زَمَاناً قَضَيْنَاهُ انْتِهَاباً وَكُلُّنَا*يَجُرُّ إِلَى اللَّذَّاتِ فَاضِلَ بُرْدِهِ
وَإِنَّ عَلَى المَاءِ الَّذِي يَرِدُوْنَهُ*غَزَالٌ كَجِلْدِ المَاءِ رِقَّةَ جِلْدِهِ
يَغَارُ ضِيَاءُ البَدْرِ مِنْ نُوْرِ وَجْهِهِ*وَيَخْجَلُ غُصْنُ البَانِ مِنْ لِيْنِ قَدِّهِ
وَلَهُ:
حَيَّا الحَيَا وَطَناً بِإِرْبِلَ دَارساً*أَخْنَتْ عَلَيْهِ حَوَادِثُ الأَيَّامِ
أَقْوَتْ مَرَابِعُهُ وَأَوْحَشَ أُنْسُهُ*وَخَلَتْ مَرَاتِعُهُ مِنَ الآرَامِ
عُنِيَ الشَّتَاتُ بِأَهْلِهِ فَتَفَرَّقُوا*أَيدِي سَبَا فِي غَيْر دَارِ مقَامِ
إِنْ يُمْسِ قَدْ لَعِبَتْ بِهِ أَيدِي البِلَى*عَافِي المعَاهِدِ دَارِسَ الأَعْلاَمِ
فَلَكَمْ قَضَيْتُ بِهِ لُبَانَاتِ الصِّبَى*مَعَ فِتيَةٍ شُمِّ الأُنوفِ كِرَامِ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ شَرَفُ الدِّيْنِ جَلِيْلَ القَدْرِ، وَاسِعَ الكَرَمِ، مُبَادِراً إِلَى زِيَارَةِ مَنْ يَقدِمُ، مُتَقَرِّباً إِلَى قَلْبِهِ، وَكَانَ جَمَّ الفَضَائِلِ، عَارِفاً بِعِدَّةِ فُنُوْنٍ، مِنْهَا الحَدِيْثُ وَفُنُونُهُ وَأَسْمَاؤُهُ، وَكَانَ مَاهِراً فِي الآدَابِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالشِّعرِ وَأَيَّامِ العَرَبِ، بَارِعاً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ.
صَنَّف شرحاً لِـ (دِيْوَان المُتَنَبِّي) وَ(أَبِي تَمَّامٍ) فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَهُ فِي أَبيَاتِ (المُفَصَّل) مُجَلَّدَان.
سَمِعْتُ مِنْهُ كَثِيْراً، وَبِقِرَاءتِهِ، وَلَهُ (دِيْوَانُ شعرٍ) أَجَادَ فِيْهِ. (23/52)
(43/49)

قَالَ ابْنُ الشَّعَّارِ فِي (قَلاَئِد الجُمَانِ): كَانَ الصَّاحِبُ مَعَ فَضَائِلِهِ مُحَافِظاً عَلَى عَملِ الخَيْرِ وَالصَّلاَحِ، مُوَاظباً عَلَى العِبَادَةِ، كَثِيْرَ الصَّوْمِ، دَائِمَ الذِّكرِ، مُتَتَابعَ الصَّدَقَاتِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلِيَ الوزَارَةَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، فَلَمَّا صَارَتْ إِرْبِل لِلمُسْتَنْصِر بِاللهِ، لَزِمَ بَيْتَهُ، وَاقْتَنَى مِنْ نَفِيْسِ الكُتُبِ شَيْئاً كَثِيْراً، خَرَجَ مِنْ دَارِهِ مرَّةً لَيْلاً، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسكينٍ فِي عَضُدِهِ، فَقَمّطهَا الجرَائِحِيُّ بِلفَائِفَ وَسَلِمَ، فَكَتَبَ إِلَى الملكِ مُظَفَّرِ الدِّيْنِ:
يَا أَيُّهَا المَلِكُ الَّذِي سَطَوَاتُهُ*مِنْ فِعْلِهَا يَتَعَجَّبُ المرِيخُ
آيَاتُ جُوْدِكَ مُحْكَمٌ تَنْزِيْلُهَا*لاَ نَاسِخٌ فِيْهَا وَلاَ مَنْسُوْخُ
أَشكُو إِلَيْكَ وَمَا بُلِيْتُ بِمِثْلِهَا*شَنْعَاءَ ذِكْرُ حَدِيْثِهَا تَارِيخُ
هِيَ لَيْلَةٌ فِيْهَا وُلِدْتُ وَشَاهِدِي*فِيمَا ادَّعَيْتُ القَمْطُ وَالتَّمْرِيْخُ (23/53)
تُوُفِّيَ الصَّاحِبُ: فِي خَامِسِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
(43/50)

وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: قَاضِي دِمَشْقَ شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ الخُوَيِّيُّ الشَّافِعِيُّ، وَالصَّفِيُّ أَحْمَدُ بنُ أَبِي اليُسْرِ شَاكِرٍ التَّنُوْخِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ الرُّوْمِيَّةِ الإِشْبِيْلِيُّ النَّبَاتِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَغْدَادِيُّ المُؤَدِّبُ، وَعَلاَءُ الدِّيْنِ أَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الخُجَنْدِيِّ الأَصْبَهَانِيُّ الَّذِي حَضَرَ (البُخَارِيَّ) عَلَى أَبِي الوَقْتِ، وَحُسَيْنُ بنُ يُوْسُفَ الصِّنْهَاجِيُّ الشَّاطِبِيُّ نَظَامُ الدِّيْنِ النَّاسخُ، وَأَمِيْنُ الدِّيْنِ سَالِمُ بنُ الحَسَنِ بنِ صَصْرَى، وَصَاحِبُ حِمْص شِيرْكُوْه، وَالقَاضِي عَبْدُ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّشِيْدِ الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ يُوْسُفَ بنِ الطُّفَيْلِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ دُلَف المُقْرِئُ النَّاسخُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحَرَّانِيُّ بِحَمَاةَ، وَشَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابْنِ الكَرِيْم الكَاتِب، وَالحَافِظُ ابنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَرْخَانَ السُّلَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي بنِ صَابرٍ، وَالرَّشِيْدُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ ابْنُ الهَادِي مُحْتَسِبُ دِمَشْقَ، وَالصَّاحِبُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ نَصْرُ اللهِ ابْنُ الأَثِيْرِ. (23/54)
(43/51)