الجَوَادُ، يُوْنُسُ بنُ مَمْدُوْدِ بنِ العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ الأَيُّوْبِيُّ
 
السُّلْطَانُ، المَلِكُ، الجَوَادُ، مُظَفَّرُ الدِّيْنِ يُوْنُسُ بنُ مَمْدُوْدٍ ابْنِ السُّلْطَانِ المَلِكِ العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ الأَيُّوْبِيُّ.
نَشَأَ فِي خِدمَةِ عَمِّهِ الكَامِلِ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا، فَتَأَلَّمَ، وَجَاءَ إِلَى عَمِّهِ المُعَظَّمِ، فَأَكْرَمَه، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ، وَاصطلحَ هُوَ وَالكَامِلُ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ الأَشْرَفُ، جَاءَ الكَامِلُ وَمَعَهُ هَذَا، ثُمَّ مَاتَ الكَامِلُ، فَمَلَّكُوا الجَوَادَ دِمَشْقَ. (23/185)
(43/191)

وَكَانَ جَوَاداً، مُبَذِّراً لِلْخَزَائِن، قَلِيْلَ الحَزْمِ، وَفِيْهِ مَحبَّةٌ لِلصَّالحينَ، وَالتفَّ حَوْلَهُ ظَلَمَةٌ، ثُمَّ تَزَلْزَلَ أَمرُهُ، فَكَاتَبَ الملكَ الصَّالِحَ أَيُّوْبَ ابْنَ الكَامِلِ صَاحِبَ سِنْجَارَ وَغَيْرَهَا، فَبَادَرَ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ دِمَشْقَ، وَعَوَّضَهُ بِسِنْجَارَ وَعَانَةَ، فَخَابَ البَيْعُ، فَذَهَبَ إِلَى الجَزِيْرَةِ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ أَمرٌ، وَأُخِذت مِنْهُ سِنْجَارُ، وَبَقِيَ فِي عَانَة حَزِيناً، فَتركهَا، وَمَضَى إِلَى بَغْدَادَ، فَبَاع عَانَةَ لِلمُسْتَنْصِر بِمَالٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى الملكِ الصَّالِح أَيُّوْبَ، فَمَا أَقْبَل عَلَيْهِ، وَهَمَّ بِاعْتقَالِه، فَفَرَّ إِلَى الكَرَكِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ النَّاصِرُ، ثُمَّ هَرَبَ مِنْ مَخَالِيبِهِ، فَقَدم عَلَى صَاحِب دِمَشْقَ يَوْمَئِذٍ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيْلَ عَمِّه، فَمَا بشَّر بِهِ، وَتَرَاجَمَتْهُ الأَحْوَالُ، فَقصدَ الفِرَنْجِيَّ ملكَ بَيْرُوْتَ، فَأَكرمُوْهُ، وَحضر مَعَهُم وَقْعَةَ قلنسوَةَ مِنْ عَملِ نَابُلُسَ، قتلُوا بِهَا أَلفَ مُسْلِم - نَعُوذ بِاللهِ مِنَ المكر وَالخزي - ثُمَّ تَحَيَّل عَمُّه الصَّالِح إِسْمَاعِيْل عَلَيْهِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ ابْن يغمور، فَخدعه، وَجَاءَ فَقَبَضَ عَلَيْهِ الصَّالِح، فَسَجَنَهُ بِعَزّتَا.
(43/192)

وَقِيْلَ: إِنَّ الجَوَادَ لَمَّا تَسَلطنَ، التَقَى هُوَ وَالنَّاصِرُ دَاوُدُ بظهر حِمَار، فَانْهَزَم دَاوُدُ، وَأَخَذَ الجَوَادُ خَزَائِنه، وَدَخَلَ دَارَ المُعَظَّم الَّتِي بِنَابُلُسَ، فَاحتَوَى عَلَى مَا فِيْهَا، وَكَانَ بِمِصْرَ قَدْ تَمَلَّكَ العَادلُ وَلدُ الكَامِلِ، فَنفذ يَأْمر الجَوَادَ بِردِّ بِلاَده إِلَيْهِ، وَأَنْ يردّ إِلَى دِمَشْقَ، فَرَدَّ إِلَيْهَا، وَدَخَلَهَا فِي تَجمُّلٍ زَائِدٍ، وَزَيَّنُوا البَلَد، وَكَانَ يُخطبُ لَهُ بَعْد ذِكْرِ العَادلِ ابْنِ عَمِّهِ، مَضَى هَذَا، ثُمَّ إِنَّ الفِرَنْج أَلَحُّوا عَلَى الصَّالِحِ، وَكَانَ مُصَافِياً لَهُم، فِي إِطلاَقِ الجَوَادِ، وَقَالُوا: لاَ بُدَّ لَنَا مِنْهُ.
وَكَانَتْ أُمُّه إِفرَنْجيَةً - فِيْمَا قِيْلَ - فَأَظهر لَهُم أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ، فَقِيْلَ: خَنَقهُ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحُمِلَ، فَدُفِنَ عِنْدَ المُعَظَّمِ بِسَفحِ قَاسِيُوْنَ - سَامَحَهُ اللهُ تَعَالَى -. (23/186)
(43/193)