باب ما جاء أن البهائم تسمع عذاب القبر
 
مسلم عن زيد بن ثابت قال : بينما النبي صلى الله عليه و سلم في حائط لبني النجار على بغلة له و نحن معه إذ جاء به فكادت تلقيه . و إذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة كذا كان الحريري يقول . فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال رجل : أنا . قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال ماتوا في الإشراك . فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع .
و خرج أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنه قالت : دخلت علي عجوزان من عجائز يهود المدينة فقالتا : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم . قالت فكذبتهما و لم أنعم أن أصدقهما . فخرجتا و دخل على رسول الله . فقلت : يا رسول الله إن عجوزين من عجائز يهود المدينة قالتا : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم . قال النبي صلى الله عليه و سلم صدقتا إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم ، قالت : فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر خرجه البخاري أيضاً و قال : تسمعه البهائم كلها ، و خرج هناد بن السري في زهده ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن شفيق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت علي يهودية فذكرت عذاب القبر فكذبتها . فدخل النبي صلى الله عليه و سلم علي فذكرت ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : و الذي نفسي بيده إنهم ليعذبون في قبورهم حتى تسمع البهائم أصواتهم .
فصل : قال علماؤنا : و إنما حادت به البغلة لما سمعت من صوت المعذبين و إنما لم يسمعه من يعقل من الجن و الإنس لقوله عليه الصلاة و السلام : لولا أن لا تدافنوا الحديث . فكتمه الله سبحانه عنا حتى نتدافن بحكمته الإلهية و لطائفه الربانية لغلبة الخوف عند سماعه ، فلا نقدر على القرب من القبر للدفن أو يهلك الحي عند سماعه . إذ لا يطاق سماع شيء من عذاب الله في هذه الدار . لضعف هذه القوى ، ألا ترى أنه إذا سمع الناس صعقة الرعد القاصف ، أو الزلازل الهائلة هلك كثير من الناس ، و أين صعقة الرعد من صيحة الذي تضربه الملائكة بمطارق الحديد التي يسمعها كل من يليه ؟ و قد قال صلى الله عليه و سلم في الجنازة : و لو سمعها انسان لصعق .
قلت : هذا و هو على رؤوس الرجال من غير ضرب و لا هوان . فكيف إذا حل به الخزي و النكال و اشتد عليه العذاب و الوبال ؟ فنسأل الله معافاته و مغفرته و عفوه و رحمته بمنه .
حكاية : قال أبو محمد عبد الحق : حدثني الفقيه أبو الحكم بن برجان ـ و كان من أهل العلم و العمل رحمه الله ـ أنهم دفنوا ميتاً بقريتهم من شرق إشبيلية . فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية يتحدثون و دابة ترعى قريباً منهم . فإذا الدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع . ثم ولت فارة كذلك ـ فعلت مرة بعد أخرى ـ قال أبو الحكم رحمه الله : فذكرت عذاب القبر . و قول النبي صلى الله عليه و سلم : إنهم ليعذبون عذاباً تسمعه البهائم ، و الله عز و جل أعلم بما كان من أمر ذلك الميت . ذكر هذه الحكاية لما قرأ القارىء هذا الحديث في عذاب القبر : و نحن إذ ذاك نسمع عليه كتاب مسلم بن الحجاج رضي الله عنه .