باب ما جاء أن الميت يعرض عليه مقعده بالغداة و العشي
 
البخاري و مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعدة بالغداة و العشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة و إن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة .
فصل : قوله : عرض عليه مقعده و يروى : عرض على مقعده قال علماؤنا : و هذا ضرب من العذاب كبير و عندنا المثال في الدنيا . وذلك كمن عرض عليه القتل أو غيره من آلات العذاب أو من يهدد به من غير أن يرى الآلة ، و نعوذ بالله من عذابه و عقابه بكرمه و رحمته . و جاء في التنزيل في حق الكافرين النار يعرضون عليها غدواً و عشياً فأخبر تعالى أن الكافرين يعرضون على النار كما أن أهل السعادة يعرضون على الجنان بالخبر الصحيح في ذلك ، و هل كان مؤمن يعرض على الجنان ؟ فقيل ذلك مخصوص بالمؤمن الكامل الإيمان ، و من أراد الله إنجاءه من النار ، و أما من أنفذ الله عليه وعيده من الخلطين الذين خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً فله مقعدان يراهما جميعاً كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين أو في وقت واحد قبيحاً و حسناً ، و قد يحتمل أن يراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيفما كان و الله أعلم .
ثم قيل هذا العرض إنما هو على الروح وحده و يجوز أن يكون مع جزء من البدن ، و يجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد فيرد إليه الروح كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان ، و يقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة و كيفما كان ، فإن العذاب محسوس ، و الألم موجود ، و الأمر شديد ، و قد ضرب بعض العلماء لتعذيب الروح مثلاً في النائم فإن روحه تعذب أو تنعم و الجسد لا يحس بشيء من ذلك ، و قال عبد الله بن مسعود : أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين يقال لهم : هذه دراكم فذلك قوله تعالى : النار يعرضون عليها غدواً و عشياً و عنه أيضاً : أن أرواحهم في جوف طير سود تغدو على جهنم و تروح كل يوم مرتين فذلك عرضها .
و روى شعبة عن يعلى بن عطاء قال : سمعت ميمون بن ميسرة يقول : كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي : أصبحنا و الحمد لله و عرض آل فرعون على النار و إذا أمسى ينادي : أمسينا و الحمد لله و عرض آل فرعون على النار فلا يسمع أيا هريرة أحد إلا تعوذ بالله من النار و قد قيل : إن أرواحهم في صخرة سوداء تحت الأرض السابعة على شفير جهنم في حواصل طير سود . و الغداة و العشي إنما هو بالنسبة إلينا على ما اعتدناه لا لهم إذ الآخرة ليس فيها مساء و لا صباح فإن قيل . فقد قال الله تعالى : و لهم رزقهم فيها بكرةً و عشياً قلنا : الجواب عنهما واحد و سيأتي له مزيد بيان في وصف الجنان إن شاء الله تعالى .