باب ذكر النفخ الثاني للبعث في الصور
 
و بيانه و كيفية البعث و بيانه . و أول من تنشق عنه الأرض . و أول من يحيى من الخلق . و بيان السن الذي يخرجون عليه من قبورهم . و في لسانهم . و بيان قوله تعالى و ألقت ما فيها و تخلت قال الله عز و جل يوم ينفخ في الصور عالم الغيب و الشهادة و قال : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون و قال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون و قال يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً و سماه الله تعالى أيضاً بالناقور في قوله تعالى فإذا نقر في الناقور .
قال المفسرون : الصور ينقر فيه مع النفخ الأول لموت الخلق على ما يأتي بيانه ، قال الله تعالى مخبراً عن كفار قريش ما ينظرون أي ما ينظرون كفار آخر هذه الأمة الدائنون بدين أبي جهل و أصحابه ـ إلا صيحة واحدة ـ يعني النفخة الأولى التي يكون بها هلاكهم تأخذهم و هم يخصمون أي يختصمون في أسواقهم و حوائجهم . قال الله : لا تأتيكم إلا بغتة فلا يستطيعون توصية أي أن يوصوا و لا إلى أهلهم يرجعون أي من أسواقهم و حيث كانوا إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ، و نفخ في الصور فإذا هم من الأجداث النفخة هي النفخة الثانية نفخة البعث . و الصور : قرن من نور يجعل فيه الأرواح يقال إن فيه من الثقب على عدد أرواح الخلائق على ما يأتي . قال مجاهد هو كالبوق ذكره البخاري ، فإذا نفخ فيه صاحب الصور النفخة الثانية ذهب كل روح إلى جسده فإذا هم من الأجداث أي القبور ينسلون أي يخرجون سراعاً يقال نسل ينسل و ينسل بالضم أيضاً : إذا أسرع في مشيه فالمعنى يخرجون مسرعين و في الخبر : أن بين النفختين أربعين عاماً . و سيأتي . و في البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى : فإذا نقر في الناقور : الصور : قال : و [ الراجفة ] النفخة الأولى [ و الرادفة ] الثانية .
و روي عن مجاهد أنه قال : للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم ، فإذا صيح بأهل القبور قاموا مذعورين عجلين ينظرون مايراد بهم لقوله تعالى : ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون و قد أخبر الله عز و جل عن الكفار أنهم يقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ؟ فيقول لهم الملائكة أو المؤمنون على اختلاف المفسرين هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون و قيل إن الكفار هم القائلون : هذا ما وعد الرحمن و ذلك أنهم لما بعثوا لما بعثوا قال بعضهم لبعض يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ؟ صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به ثم قالوا : هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون فكذبنا به أقروا حين لم ينفعهم الإقرار ثم يؤمر بحشر الجميع إلى الموقف للحساب .
و قال عكرمة : إن الذين يغرقون في البحر تقتسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شيء إلا العظام ، فنلقيها الأمواج إلى الساحر فتمكث حيناً ثم تصير حائلة نخرة ، ثم تمر بها الإبل فتأكلها ثم تسير الإبل فتبعر . ثم يجيء قوم فينزلون فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه . ثم تخمد تلك النار فيجيء الريح فيلقي ذلك الرماد على الأرض فإذا جاءت النفخة فإذا هم قيام ينظرون يخرج أولئك و أهل القبور سواء إن كانت إلا صيحة واحدة أي نفخة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون .
قال علماؤنا رحمهم الله : فالنفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور و غيرهم ، فيعيد الله الرفات من أبدان الأموات ، و يجمع ما تفرق منها في البحار و بطون السباع و غيرها ، حتى تصير كهيئاتها الأولى ، ثم يجعل فيها الأرواح فتقوم الناس كلهم أحياء حتى السقط ، فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن السقط ليظل محبنطئاً على باب الجنة . و يقال له : ادخل الجنة فيقول لا حتى يدخل أبواي و هذا السقط هو الذي تم خلقه ، و نفخ فيه الروح قال الله تعالى : و إذا الموؤدة سئلت فدل على أن المؤودة تحشر و تسأل ، و من قبرها تخرج و تبعث . و أما من لم ينفخ فيه الروح فهو سائر الأموات سواء قاله الحاكم أبو الحسين بن الحسن الحليمي رحمه الله في كتاب منهاج الدين له . و بالحقيقة إنما خروج الخلق بدعوة الحق قال الله تعالى : يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده فتقومون فتقولون : سبحانك اللهم و بحمدك . قالوا : فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد ، و يختم به . قال الله تعالى : يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده و قال في آية أخرى و قضي بينهم بالحق و قيل الحمد لله رب العالمين .
ابن ماجه قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن حجاج بن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن صاحبي الصور بأيديهما ـ أو في أيديهما ـ قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران .
الترمذي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ما لصور ؟ قال : قرن ينفخ فيه قال هذا حديث حسن .
و عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف أنعم و صاحب الصور قد التقم القرن و استمع الإذن متى يؤمر بالنفخ ؟ فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم : قولوا : حسبنا الله و نعم الوكيل قال حديث حسن .
وروي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ماأطرق صاحب الصور منذ وكل به مستعداً بحذاء العرش مخافة أن يؤمر بالصيحة قبل أن يرتد طرفه كأن عينيه كوكبان دريات أخرجه أبو الحسن بن صخر في فوائده وغيره .
و خرج ابن المبارك و مؤمل بن إسماعيل و علي بن معبد عن ابن مسعود حديثاً ذكر فيه قال : ثم يقوم ملك الصور بين السماء و الأرض فينفخ فيه ، و الصور قرن فلا يبقى لله خلق في السموات والأرض إلا مات إلا ما شاء ربك . ثم يكون بين النفختين ماشاء الله أن يكون ، فليس من بني آدم خلق إلا و في الأرض شيء منه زاد مؤمل بن إسماعيل قال سفيان ـ يعني الثوري ـ عجب الذنب قال : فيرسل الله ماء من تحت العرش : منياً كمني الرجال فتنبت جثمانهم و لحمانهم كما تنبت الأرض من الثرى ثم قرأ عبد الله و الله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور قال : ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى تدخل فيه ثممون فيجيبون إجابة رجل واحد قياماً لرب العالمين و قال ابن المبارك و مؤمل : ثم يقومون فيحيون تحية واحدة .
و ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام قال : حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله بن مسعود قال : [ فيقومون فيحيون تحية رجل واحد قياماً لرب العالمين ] قوله [ فيحيون ] التحية تكون في حالين :
أحدهما : أن يضع يديه على ركبتيه و هو قائم و هذا هو المعنى الذي في هذا الحديث ألا تراه يقول : [ قياماً لرب العالمين ] .
و الوجه الآخر : أن ينكب على وجهه باركاً و هذا هو الوجه المعروف عند الناس ، و قد حمله بعض الناس على قوله [ فيخرون سجداً لرب العالمين ] فجعل السجود هو التحية و هذا هو الذي يعرفه الناس من التحية .
و روي عن علي بن معبد عن أبي هريرة قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و نحن في طائفة من أصحابه و ساق الحديث بطوله إلى قوله جل ثناؤه و تقدست أسماؤه لله الواحد القهار ثم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات فيبسطها بسطاً ثم يمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجاً و لا أمتاً ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى : من كان في بطنها و من كان على ظهرها كان على ظهرها . ثم ينزل الله عليكم ماء من تحت العرش يقال له : ماء الحياة فتمطر السماء عليكم أربعين سنة حتى يكون الماء من فوقكم اثني عشر ذراعاً . ثم يأمر الله عز وجل الأجساد فتنبت كنبات الطراثيث . و كنبات البقل حتى إذا تكلمت أجسادكم فكانت كما كانت يقول الله عز وجل : ليحى حملة العرش فيحيون . ثم يقول : ليحى جبريل و ميكائيل و إسرافيل فيأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور ، ثم يدعو الله تعالى الأرواح فيؤتى بها . تتوهج أرواح المسلمين نوراً والأخرى مظلمة فيأخذها الله فيلقيها في الصور . ثم يقول لإسرافيل انفخ نفخة البعث فينفخ فتخرج الأرواح كلها كأمثال النحل قد ملأت ما بين السماء و الأرض فيقول الله عز و جل : و عزتي و جلالي ليرجع كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد . . . ثم تدخل في الخياشيم فتمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم . و أنا أول من تنشق الأرض عنه فتخرجون منها شباباً كلكم أبناء ثلاث و ثلاثين و اللسان يومئذ بالسريانية سراعاً إلى ربهم ينسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ذلك يوم الخروج و حشرناهم فلم نغادر منهم أحداً فتوقفون في موقف عراة غلفاً غرلاً مقدار سبعين عاماً و يعرقون حتى تبلغ منهم الأذقان ، و يلجمهم فيضجون و يقولون : من يشفع لنا إلى ربنا ؟ و ساق الحديث بطوله في الشفاعة . و سيأتي حديث الشفاعة في صحيح مسلم و غيره إن شاء الله تعالى .
و خرج الختلي أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم في كتاب الديباج له : حدثني أبو بكر بن الحارث بن خليفة ، حدثنا محمد بن جعفر المدائني ، عن سلام بن مسلم الطويل ، عن عبد الحميد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله عز وجل إذا السماء انشقت * و أذنت لربها و حقت قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أول من تنشق عنه الأرض فأجلس جالساً في قبري ، فينفتح لي باب إلى السماء بحيال رأسي حتى أنظر إلى العرش ، ثم يفتح لي باب من تحتي حتى أنظر إلى الأرض السابعة ، حتى أنظر إلى الثرى ، ثم يفتح لي باب عن يميني حتى أنظر إلى الجنة و منازل أصحابي ، و إن الأرض تحركت تحتي فقلت : ما بالك أيتها الأرض ؟ قالت : أن ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي ، و أن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء في فذلك قوله عز وجل : و ألقت ما فيها و تخلت * و أذنت لربها و حقت أي سمعت و أطاعت و حق لها أن تسمع و تطيع يا أيها الإنسان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا ذلك الإنسان .
و روي في تفسير قوله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية إن هذا خطاب للأرواح بأن ترجع إلى أجسادها إلى ربك أي صاحبك كما تقول : رب الغلام ، و رب الدار ، و رب الدابة ، أي صاحب الغلام و صاحب الدار و صاحب الدابة فادخلي في عبادي أي في أجسادهم من مناخرهم كما ورد في الخبر المتقدم . و قد روي أن الله تعالى خلق الصور حين فرغ من خلق السموات والأرض . و أن عظم دارته كغلظ السماء و الأرض ، و في حديث أبي هريرة : و الذي نفسي بيده إن أعظم دارة فيه لكعرض السماء والأرض و سيأتي . و روي : أن له رأسين رأساً بالمشرق و رأساً بالمغرب . فالله أعلم .
فصل : الصور : بالصاد قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء ، و هي نفخة الصعق و يكون معها نقر لقوله تعالى : فإذا نقر في الناقور أي في الصور فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر و النفخ لتكون الصيحة أشد و أعظم . ثم يمكث الناس أربعيم عاماً ، ثم ينزل الله ماء كمني الرجال على ما تقدم ، فتكون منه الأجسام بقدرة الله تعالى ، حتى يجعلهم بشراً كما روي في قصة الذين يخرجون النار قد صاروا حمماً . إنهم يغتسلون من نهر بباب الجنة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل . و عن ذلك عبر في حديث أبي هريرة المتقدم في صحيح مسلم و غيره فينبتون نبات البقل فإذا تهيأت الأجسام ، و كملت نفخ في الصور نفخة البعث من غير نقر ، لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها لا تنقيرها من أجسادها فالنفخة الأولى للتنقير ، و هي نظير صوت الرعد الذي قد يقوى فيمات منه و نظير الصيحة : الصيحة الشديدة التي يصيحها الرجل بصبي فيفزع منه فيموت ، فإذا نفخ للبعث من غير نقر كما ذكرنا خرجت الأرواح من المجال التي هي فيه فتأتي كل روح إلى جسدها فيحييها الله . كل ذلك في لحظة كما قال تعالى : فإذا هم قيام ينظرون ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة و عند أهل السنة أن تلك الأجساد الدنيوية تعاد بأعيانها و أعراضها بلا خلاف بينهم . قال بعضهم : بأوصافها . فيعاد الوصف أيضاً كما يعاد الجسم و اللون . قال القاضي أبو بكر بن العربي : و ذلك جائز في حكم الله و قدرته و هين عليه جميعه . و لكن لم يرد بإعادة الوصف خبر .
قلت : فيه أخبار كثيرة في هذا الباب بعد هذا .
فصل : و ليس الصور جمع صورة كما زعم بعضهم أي ينفخ في صور الموتى بدليل الأحاديث المذكورة ، و التنزيل يدل على ذلك . قال الله تعالى : ثم نفخ فيه أخرى و لم يقل : فيها ، فعلم أنه ليس جمع صورة . قال الكلبي : لا أدري ما الصور ؟ و يقال : هو جمع صورة مثب بسرة و بسر أي ينفخ فيصور الموتى : الأرواح و قرأ الحسن : يوم ينفخ في الصور عالم الغيب و الشهادة .
قلت : و إلى هذا التأويل في أن الصور بمعنى الصور جمع صورة . ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى و هو مردود بما ذكرنا . و أيضاً لا ينفخ في الصور للبعث مرتين بل ينفخ مرة واحدة ، و إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور الذي هو القرن و الله سبحانه يحيي الصور فينفخ فيها الروح كما قال تعالى : فنفخنا فيه من روحنا و نفخت فيه من روحي . قال ابن زيد : يخلق الله الناس في الأرض الخلق الآخر ثم يأمر السماء فتمطر عليهم أربعين يوماً فينبتون فيها حتى تنشق عن رؤوسهم كما تنشق عن رأس الكمأة . فمثلها يومئذ مثل الماخض تنتظر أن يأتيها أمر الله فتطرحهم على ظهرها . فلما كانت تلك النفخة طرحتهم . قال علماؤنا : و الأمم مجمعون على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام .
قلت : قد جاء حديث يدل على أن الذي ينفخ في الصور غير إسرافيل خرجه أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا أحمد بن القاسم قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد ، عن عبد الله بن الحارث قال : كنت عند عائشة و عندها كعب الأحبار فذكر كعب إسرافيل فقالت عائشة : يا كعب أخبرني عن إسرافيل ؟ فقال كعب عندكم العلم . قالت : أجل فأخبرني . فقال : له أربعة أجنحة جناحان في الهواء ، و جناح قد تسربل به و جناح على كاهله ، و العرش على كاهله ، و القلم على أذنه ، فإذا نزل الوحي كتب القلم ثم درست الملائكة ، و ملك الصور جاث على إحدى ركبتيه ، و قد نصب الأخرى ، ملتقم الصور ، محنياً ظهره ، شاخصاً ببصره ، ينظر إلى إسرافيل ، و قد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور قالت عائشة ؟ هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول . غريب من حديث كعب لم يروه عنه إلا عبد الله بن الحارث ، و رواه خالد الحذاء عن الوليد أبي بشر عن عبد الله بن رباح عن كعب نحوه .
فصل : قلت : و ما خرجه أبو عيسى الترمذي و غيره يدل على أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام ينفخ فيه وحده . و حديث أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه يدل على أن معه غيره .
و قد خرج أبو بكر البزار في مسنده ، و أبو داود في كتاب الحروف من كتاب السنن من حديث عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم صاحب الصور فقال : عن يمينه جبريل ، و عن يساره ميكائيل فلعل لأحدهما قرناً آخر ينفخ فيه و الله أعلم .
و ذكر أبو السري عناد بن السري التيمي الكوفي . قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرو قال : [ ما من صباح إلا و ملكان يقولون : يا طالب الخير أقبل ، و يا طالب الشر أقصر ، و ملكان موكلان يقولان : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، و أعط ممسكاً تلفاً ، و ملكان موكلان يقولان سبحان الملك القدوس ، و ملكان موكلان بالصور ] قال : و حدثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال : [ ما من صباح مثله سواء ] و زاد بعد قوله : [ و ملكان موكلان بالصور : ينتظران متى يؤمران فينفخان ] و عطية لا يحتج أحد بحديثه على ماذكره أبو محمد عبد الحق و غيره .
فصل : و اختلف في عدد النفخات : فقيل ثلاث : نفخة الفزع لقوله تعالى و يوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله و كل أتوه داخرين و نفخة الضعف و نفخة البعث ، لقوله تعالى : و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون و هذا اختيار ابن العربي و غيره . و سيأتي .
و قيل : هما نفختان . و نفخة الفزع هي نفخة الصعق ، لأن لا زمان لها أي فزعوا ماتوا منه . و السنة الثابتة على ما تقدم من حديث أبي هريرة و حديث عبد الله بن عمر و غيرهما يدل على أنهما نفختان لا ثلاث و هو الصحيح إن شاء الله تعالى . قال الله تعالى : و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدل على أنهما واحدة . و قد روي ابن المبارك عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بين النفختين أربعون سنة . الأولى : يميت الله تعالى بها كل حي . و الأخرى : يحيى الله بها كل ميت و سيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى .
و قال الحليمي جهنم اتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين سنة . و ذلك بعد أن يجمع الله تعالى ما تفرق من أجساد الناس من بطون السباع ،و حيوانات الماء و بطن الأرض ، و ما أصاب النيران منها بالحرق ، و المياه بالغرق ، و ما أبلته الشمس ، و ذرته الرياح . فإذا جمعها و أكمل كل بدن منها . و لم يبقى إلا الأرواح جمع الأرواح في الصور ، و أمر إسرافيل عليه السلام فأرسلها بنفخة من ثقب الصور ، فرجع كل ذي روح إلى جسده بإذن الله تعالى .
و جاء في بعض الأخبار ما يبين أن من أكله طائر أو سبع : حشر من جوفه . و هو ما رواه الزهري عن أنس قال : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمزة يوم أحد و قد جذع و مثل به فقال : لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع و الطير و قد أنكر بعض أهل الزيغ أن يكون الصور قرناً . قال أبو الهيثم : من أنكر أن يكون الصور قرناً ، فهو كمن ينكر العرش و الصراط و الميزان . و طلب لها تأويلات .