باب يبعث كل عبد على ما مات عليه
 
مسلم عن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : يبعث كل عبد على ما مات عليه . و عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على نياتهم خرجه البخاري . و لفظ البخاري عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم .
مالك عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : و الذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ـ و الله أعلم بمن يكلم في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة و جرحه يثعب دماً اللون لون الدم ، و العرف عرف المسك خرجه البخاري و مسلم .
أبو داود عن عبد الله بن عمرو أنه قال : يا رسول الله ، أخبرني عن الجهاد و الغزو . فقال : يا عبد الله إن قتلت صابراً محتسباً بعثت صابراً محتسباً . و إن قتلت مرائياً مكاثراً بعثت مرائياً مكاثراً على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله بتلك الحال .
و روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة قال : حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات سكران فإنه يعاين ملك الموت سكران ، و يعاين منكراً و نكيراً سكران ، و يبعث يوم القيامة سكران إلى حندق في سوط جهنم يسمى السكران ، فيه عين يجري ماؤها دماً ، لا يكون له طعام و لا شراب إلا منه .
مسلم عن ابن عباس أن رجلا كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرماً فوقصته ناقته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اغسلوه بماء و سدر ، و كفنوه في ثوبه ، و لا تمسوه بطيب ، و لا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً و في رواية [ ملبداً ] أخرجه البخاري .
و روى عباد بن كثير ، عن الزبير ، عن جابر قال : [ إن المؤذنين و الملبين يخرجون يوم القيامة من قبورهم يؤذن المؤذن . و يلبي الملبي ] ذكره الحليمي الحافظ في كتاب المنهاج له و سيأتي بكماله .
و ذكر أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن محمد الختلي في كتاب الديباج له حدثنا أبو محمد عبد الله بن يونس بن بكير ، حدثنا أبي ، عن عمرو بن سمير عن جابر ، عن محمد بن علي ، عن ابن عباس و علي بن حسين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أخبرني جبريل عليه السلام أن : لا إله إلا الله أنس للمسلم عند موته ، و في قبره ، و حين يخرج من قبره ، يا محمد لو تراهم حين يمرقون من قبورهم بنفضون رؤوسهم هذا يقول : لا إله إلا الله ، و الحمد لله فيبيض وجهه . و هذا ينادي ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله مسودة و جوههم قال : و حدثني يحيى بن عبد الحميد بن عبد الحماني ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس على أهل لا إله إلا الله و حشة عند الموت و لا في قبورهم و لا منشرهم كأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم و هم يقولون : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن .
و روى النسائي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة الله و درع من نار يدها على رأسها تقول : يا ويلاه أخرجه بمعناه مسلم ، و ابن ماجه عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : النياحة من أمر الجاهلية ، و إن النائحة إذا ماتت قطع الله لها ثياباً من نار و درعاً من لهب النار لفظ ابن ماجه . و قال مسلم : تقام القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب .
و أسند الثعلبي في تفسيره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين ، صفاً عن اليمين ، و صفاً عن الشمال ، ينبحن كما تنبح الكلاب ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يؤمر بهن إلى النار أنبأناه الشيخ الحاج الراوية أبو محمد عبد الوهاب شهر بابن رواح ، و الشيخ الإمام علي بن هبة الله الشافعي قالا : حدثنا السلفى قال : حدثنا الرئيس أبو عبد الله الثقفي قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن خولة الأبهري الأديب فيما قرئ عليه و أنا أسمع منه سنة ثلاث و أربع مائة قال : أخبرنا أبو عمر و أحمد بن محمد بن حكيم المدني ، أخبرنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا سليمان بن داود اليماني ، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين في جهنم صفاً عن يمينهن و صفاً عن شمالهن ينبحن على أهل جهنم كما تنبح الكلاب غريب من حديث أبي نصر يحيى بن كثير عن أبي سلمة تفرد به عنه سليمان بن داود .
و قال أنس قال النبي صلى الله عليه و سلم : تخرج النائحة من قبرها شعثاء غبراء مسودة الوجه زرقاء العينين ثائرة الشعر كالحة الوجه و عليه جلباب من لعنة الله و درع من غضب الله إحدى يديها مغلولة إلى عنقها و الأخرى قد و ضعتها على رأسها . و هي تنادي يا ويلاه و يا ثبوراه و يا حزناه ، و ملك وراءها يقول : آمين آمين . ثم يكون من بعد ذلك حظها النار .
ابن ماجة عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : النياحة على الميت من أمر الجاهلية . و إن النائحة إذا لم تتب قبل أن تموت فإنها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ، ثم يعلى عليها بدرع من لهب النار .
و في التنزيل : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس قال أهل التأويل : المعنى لا يقومون من قبورهم . قاله ابن عباس و مجاهد و ابن جبير و قتادة و الربيع و السدي و الضحاك و ابن زيد و غيرهم ، قال : بعضهم يجعل معه شيطان يخنقه . و قالوا : كلهم يبعث كالمخنوق عقوبة له ، وتميقتاً عند جميع أهل المحشر . فجعل الله هذه العلامة لأكلة الربا ، و ذلك أنه أرباه في بطونهم فاثقلهم ، فهم إذا خرجوا من قبورهم يقومون و يسقطون لعظم بطونهم و ثقلها عليهم . نسأل الله الستر و السلامة و العافية في الدنيا و الآخرة . و قال تعالى و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة و سيأتي .
و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : من مات على مرتبة من المراتب بعث عليها يوم القيامة ذكره صاحب القوت و هو صحيح المعنى يدل على صجته ما ذكرناه و سياتي لهذا الباب مزيد بيان في باب بيان الحشر إلى الموقف إن شاء الله تعالى .