باب أين يكون الناس ؟ يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات
 
مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك يا محمد و ذكر الحديث و فيه فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هم في الظلمة دون الجسر الحديث بطوله و سيأتي .
و خرج مسلم أيضاً و ابن ماجه جميعاً قالا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات فأين يكون الناس يومئذ ؟ قال : على الصراط .
و أخرجه الترمذي قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان عن داود بن هند ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : يا رسول الله و الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه فأين يكون المؤمنون يومئذ ؟ قال : على الصراط يا عائشة قال : هذا حديث حسن صحيح .
و خرج عن مجاهد قال : قال ابن عباس : أتدري ما سعة جهنم ؟ قلت : لا . قال : أجل و الله ما تدري . حدثتني عائشة أنه سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله عز و جل و الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه قال : فقلت : فأين الناس يا رسول الله ؟ قال : على جسر جهنم قال : حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
فصل : هذه الأحاديث نص في أن الأرض و السموات تبدل و تزال و يخلق الله أرضاً أخرى يكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر و هو الصراط . لا كما قال كثير من الناس أن تبدل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها ، و تسوية آكامها ، و نسف جبالها و مد أرضها ، و رواه ابن مسعود رضي الله عنه . خرجه ابن ماجه و سيأتي ذكره في الاشتراط إن شاء الله .
و ذكر ابن المبارك من حديث شهر بن حوشب قال : حدثني ابن عباس قال : [ إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم و زيد في سعتها كذا و كذا ] و ذكر الحديث . و روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تبدل الأرض غير الأرض فيبسطها و يمدها مد الأديم ذكره الثعلبي في تفسيره .
و روى علي بن الحسين رضي الله عنهما قال : [ إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لأحد من البشر إلا موضع قدميه ] ذكره الماوردي ، و ما بدأنا بذكره أصح لأنه نص ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم . فإن قائل : إن بدل في كلام العرب معناه : تغيير الشيء ، و منه قوله تعالى : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها و قال : فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ، و لا يقتضي هذا إزالة العين و إنما معناه تغيير الصفة . و لو كان المعنى لإزالة لقال يوم تبدل الأرض مخففاً من أبدلت الشيء إذا أزالت عنه و شخصه قيل له : ما ذكرته صحيح ، و لكن قد قرئ قوله عزو جل عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها مخففاً و مثقلاً بمعنى واحد . قال : و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً و قال : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كذا ذكر تاج اللغة أبو نصر الجوهري في الصحاح ، و أبدلت الشيء بغيره و بدله الله من الخوف أمناً و تبديل الشيء أيضاً تغييره ، فقد دل القرآن و كلام العرب على أن بدل و أبدل بمعنى واحد ، و قد فسر النبي صلى الله عليه و سلم أحد المعنيين ، فهو أعلى و لا كلام معه .
قال ابن عباس و ابن مسعود : تبدل الأرض أرضاً بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم حرام و لم يعمل عليها خطيئة قط . و قال ابن مسعود أيضاً تبدل الأرض ناراً و الجنة من ورائها يرى أكوابها و كواعبها . و قال أبو الجلد حيان بن فروة : إني لأجد فيما أقرأ من كتب الله أن الأرض تشعل ناراً يوم القيامة . و قال علي رضي الله عنه : تبدل الأرض فضة ، و السماء ذهباً ، و قال جابر : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض قال تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة . ثم قرأ و ما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام و قال سعيد بن جبير و محمد بن كعب : تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه .
قلت : و هذا المعنى الذي قاله سعيد بن جبير و محمد بن كعب مروي في الصحيح و سيأتي . و إليه ذهب ابن برحان في كتاب الإرشاد له . و أن المؤمن يطعم يومئذ من بين رجليه و يشرب من الحوض ، فهذه أقوال الصحابة و التابعين دالة على ما ذكرنا .
و أما تبديل السماء فقيل تكوير شمسها و قمرها و تناثر نجومها . قاله ابن عباس و قيل : اختلاف أحوالها قتارة كالمهل ، و تارة كالدهان . حكاه ابن الأنباري . و قال كعب : تصير السماء دخاناً ، و تصير البحار نيراناً ، و قيل تبديلها : أن تطوي كطي السجل للكتاب ، و ذكر أبو الحسن شبيب بن إبراهيم بن حيدرة في كتاب الإفصاح له : أنه لا يعارض بين هذه الآثار ، و أن الأرض و السماوات تبدل كرتين إحداهما هذه الأولى و أنه سبحانه يغير صفاتها قبل نفخة الصعق فتنتثر أولاً كواكبها ، و تكسف شمسها و قمرها و تصير كالمهل ، ثم تكشط عن رؤوسهم ، ثم تسير الجبال ثم تموج الأرض ، ثم تصير البحار نيراناً ، ثم تنشق الأرض من قطر إلى قطر فتصير الهيئة غير الهيئة ، و البنية غير البنية ، ثم إذا نفخ في الصور نفخة الصعق طويت السماء و دحيت الأرض ، و بدلت السماء سماء أخرى ، و هو قوله تعالى و أشرقت الأرض بنور ربها و بدلت الأرض : تمد مد الأديم العكاظي . و أعيدت كما كانت فيها القبور . و البشر على ظهرها و في بطنها . و تبدل أيضاً تبديلاً ثانياً . و ذلك إذا وقفوا في المحشر فتبدل لهم الأرض التي يقال لها [ الساهرة ] يجلسون عليه و هو أرض عفراء و هي البيضاء من فضة لم يسفك عليها دم حرام قط ، و لا جرى عليه ظلم قط ، و حينئذ يقوم الناس على الصراط ، و هو لا يسع جميع الخلائق و إن كان قد روي أن مسافته ألف سنة صعوداً و ألف سنة هبوطاً و ألف سنة استواء ، و لكن الخلق أكثر من ذلك فيقوم من فضل على الصراط ، على متن جهنم ، و هي كإهالة جامدة و هي الأرض التي قال عبد الله إنها أرض من نار يعرق فيها البشر ، فإذا حوسب عليها أعين الأرض المسماة بالساهرة و جاوزوا الصراط و جعل أهل الجنان من وراء الصراط ، و أهل النيران في النار و قام الناس على حياض الأنبياء يشربون بدلت الأرض كقرصة النقي ، فأكلوا من تحت أرجلهم ، و عند دخولهم الجنة كانت خبزة واحدة أي قرصاً واحداً يأكل منه جميع الخلق ممن دخل الجنة و إدامهم زيادة كبد ثور في الجنة و زيادة كبد النون على ما يأتي .