باب الجزء الأول من باب قول النبي صلى الله عليه و سلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت
 
ذكر أبو بكر أحمد بن علي حديث ثابت عن عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أحشر يوم القيامة بين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما حتى أقف بين الحرمين فيأتي أهل المدينة و مكة غريب من حديث مالك تفرد به عبد الله بن إبراهيم عنه ، و يقال لم يروه غير عبد العزيز بن عبد الله الهاشمي البغدادي عن الغفاري .
الجزء الأول من باب قول النبي صلى الله عليه و سلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت و في أسماء يوم القيامة
الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سره أن ينظر غلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت قال : هذا حديث حسن .
فصل : قلت : و إنما كانت هذه السور الثلاث أخص بالقيامة لما فيها من انشقاق السماء و انفطارها و تكور شمسها و انكدار نجومها و تناثر كواكبها إلى غير ذلك من أفزاعها و أهوالها ، و خروج الخلق من قبورهم إلى سجونهم أو قصورهم بعد نشر صحفهم و قراء كتبهم و أخذها بأيمانهم و شمائلهم أو من وراء ظهورهم في موقفهم على ما يأتي بيانه . قال الله تعالى إذا السماء انشقت و قال إذا السماء انفطرت و قال : و يوم تشقق السماء بالغمام فتراها واهية منفطرة متشققة كقوله تعالى : و فتحت السماء فكانت أبواباً و يكون الغمام سترة بين السماء و الأرض . و قيل : إن [ الباء ] بمعنى [ عن ] أي تشقق عن سحاب أبيض . و يقال : انشقاقها لما يخلص غليه من حر جهنم ، و ذلك إذا بطلت المياه و برزت النيران ، فأول ذلك أنها تصير حمراء صافية كالدهن و تتشقق لما يريد الله من نقض هذا العالم و رفعه ، و قد قيل : إن السماء تتلون فتصفر ثم تحمر أو تحمر ثم تصفر كالمهرة تميل في الربيع إلى الصفرة ، فإذا اشتد الحر مالت إلى الحمرة ثم إلى الغبرة . قاله الحليمي .
و قوله تعالى : إذا الشمس كورت قال ابن عباس رضي الله عنه تكويرها إدخالها في العرش . و قال : ذهاب ضوئها . قاله الحسن و قتادة . و روي ذلك عن ابن عباس و مجاهد . و قال أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة تلف فتمحى ، و قال الربيع بن خيثم كورت رمى بها و منه كورته فتكور أي سقط .
قلت : و أوصل التكوير الجمع مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لا تها و جمهعا فهي تكور ثم يمحى ضوءها ثم يرمى بها و الله أعلم .
و قوله تعالى : و إذا النجوم انكدرت أي انتثرت قيل تتناثر من أيدي الملائكة لأنهم يموتون . و في الخبر أنها معلقة بين السماء و الأرض بسلاسل بأيدي الملائكة . و قال ابن عباس رضي الله عنه : انكدرت تغيرت و أصل الانكدار الانصباب فتسقط في البحار فتصير معها نيراناً إذا ذهبت المياه .
و قوله و إذا الجبال سيرت هو مثل قوله و تسير الجبال أي تحول عن منزلة الحجارة فتكون كثيباً مهيلاً أي رملاً سائلاً و تكون كالعهن ، و تكون هباء منبثاً ، و تكون سراباً مثل السراب الذي ليس بشيء ، و قيل : إن الجبال بعد اندكاكها أنها تصير كالعهن من حر جهنم كما تصير السماء من حرها كالمهل . قال الحليمي : و هذا و الله أعلم لأن مياه الأرض كانت حاجزة بين السماء و الأرض ، فإذا ارتفعت و زيد مع ذلك في إحماء جهنم أثر في كل واحد من السماء و الأرض ما ذكر .
قوله و إذا العشار عطلت أي عطلها أهلها فلم تحلب من الشغل بأنفسهم و العشار : الإبل الحوامل واحدها عشراء و هي التي أتي عليها في الحمل عشرة أشهر ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع و بعد ما تضع ، و إنما خص العشار بالذكر لأنها أعز ما يكون على العرب ، فأخبر أنه تعطل يوم القيامة . و معناه : أنهم إذا قاموا من قبورهم و شاهد بعضهم بعضاً و رأوا الوحوش و الدواب محشورة و فيها عشارهم التي كانت أنفس أموالهم لم يعبئوا بها و لم يهمهم أمرها ، و يحتمل تعطل العشار إبطال الله تعالى أملاك الناس عما كان ملكهم إياها في الدنيا ، و أهل العشار يرونها فلا يجدون إليها سبيلاً . و قيل : العشار السحار يعطل مما يكون فيه و هو الماء فلا يمطر . و قيل : العشار الديار تعطل فلا تسكن . و قيل : الأرض التي يعشر زرعها تعطل فلا تزرع . و القول الأول أشهر و عليه من الناس الأكثر .
و قوله : و إذا الوحوش حشرت أي جمعت و الحشر الجمع و قد تقدم .
و قوله : و إذا البحار سجرت أي أوقدت و صارت ناراً . رواه الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه و قال قتادة : غار ماؤها فذهب ، و قال الحسن و الضحاك : فاضت . قال ابن أبي زمنين سجرت حقيقته ملئت فيقضي بعضها إلى بعض فتصير شيئاً واحداً و هو معنى قول الحسن و يقال : إن الشمس تلف ثم تلقى في البحار فمنها تحمى و تنقلب ناراً . قال الحليمي : و يحتمل إن كان هذا هكذا أن البحار في قول من فسر التسجير بالامتلاء هو أن النار حينئذ تكون أكثرها لأن الشمس أعظم من الأرض مرات كثيرة ، فإذا كورت و ألقيت في البحر فصارت ناراً ازدادت امتلاء .
و قوله : و إذا النفوس زوجت تفسير الحسن أن تلحق كل شيعة شيعتها اليهود باليهود ، و النصارى بالنصارى ، و المجوس بالمجوس ، و كل من كان يعبد من دون الله شيئاً يلحق بعضهم ببعض و المنافقون بالمنافقين و المؤمنون بالمؤمنين . و قال عكرمة : المعنى تقرن بأجسادها أي ترد إليها . و قيل : يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان . و قيل : يقرن المؤمنون بالحور العين و الكافرون بالشياطين .
و قوله : و إذا الموؤدة سئلت يعني بنات الجاهلية كانوا يدفنونهن أحياء لخصلتين .
إحدهما : كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به .
الثانية : مخافة الحاجة و الإملاق و سؤال الموؤدة على وجه التوبيخ لقاتلها كما يقال للطفل إذا ضرب لم ضربت و ما ذنبك ؟ و قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها لانها قتلت بغير ذنب و بعضهم يقرأ و إذا الموؤدة سئلت تعلق الجارية بأبيها فتقول بأي ذنب قتلتني ؟ و قيل : معنى سئلت يسأل عنها كما قال إن العهد كان مسؤولا .
و قوله : و إذا الصحف نشرت أي للحساب و سيأتي .
و قوله : و إذا السماء كشطت قيل معناه طويت كما قال الله تعالى : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب أي كطي الصحيفة على ما فيها فاللام بمعنى [ على ] يقال : كشطت السقف أي قلعته فكان المعنى قلعت فطويت . و الله أعلم . و الكشط و القشط سواء و هو القلع و قيل : السجل كاتب للنبي صلى الله عليه و سلم و لا يعرف في الصحابة من اسمه سجل .
و قوله : و إذا الجحيم سعرت أي أوقدت .
و قوله : و إذا الجنة أزلفت أي قربت لأهلها و أدنيت علمت نفس ما أحضرت أي من عملها و هو مثل قوله : علمت نفس ما قدمت و أخرت و مثل قوله : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر فهو يوم الانشقاق و يوم الانفطار و يوم التكوير و يوم الانكدار و يوم الانتثار و يوم التسيير قال الله تعالى : و تسير الجبال سيراً و إذا الجبال سيرت و يوم التعطيل و يوم التسجير و يوم التفجير و يوم الكشط و الطي و يوم المد لقوله تعالى : و إذا الأرض مدت إلى غير ذلك من أسماء القيامة و هي الساعة الموعود أمرها و لعظمها أكثر الناس السؤال عنها لرسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أنزل الله عز و جل على رسوله يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلا بغتةً و كل ما عظم شأنه تعددت صفاته و كثرت أسماؤه و هذا جميع كلام العرب ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه و تأكد نفعه لديهم و موقعه جمهوا له خمسمائة اسم . و له نظائر . فالقيامة لما عظم أمرها ، و كثرت أهوالها ، سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة ، و وصفها بأوصاف كثيرة . منها ما ذكرناه ، مما وقع في هذه السور الثلاث .
و قيل : إن الله تعالى يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها فتوقف بين يدي الله تعالى و يوم الجمعة فيها زاهراء مضيئة يعرفها الخلائق فيوم القيامة يوم يتضمن الأيام كلها فسمى بكل حال يوماً فقيل : يوم ينفخ في الصور ثم قيل : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ثم قيل : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه فهذه حالة أخرى . ثم قيل : يوم تعرضون ثم قيل : يومئذ يصدر الناس أشتاتاً . قهذه أحوال فقد يجري يوم القيامة بطوله على هذه الأحوال كل حال منها كاليوم المتجدد و لذلك كررت في قوله تعالى : و ما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين . لآن ذلك اليوم و مابعده يوم ، و اليوم العظيم متضمن لهذه الأيام فهو لله يوم و للخلائق أيام فقد عرفت أيامهم في يومه و قد بطل الليل و النهار . قاله الترمذي الحكيم و مما قيل في معنى ما ذكرنا من النظم قول بعضهم :
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القامة و السماء تمور
إذ كورت شمس النهار و أدنيت حتى على رأس العباد تسير
و إذا النجوم تساقطت و تناثرت و تبدلت بعد الضياء كدور
و إذا البحار تفجرت من خوفها و رأيتها مثل الجحيم تفور
و إذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير
و إذا العشار تعطلت و تخربت خلت الديار فما بها معمور
و إذا الوحوش لدى القيامة أحشرت و تقول للأملاك أين نسير
و إذا تقاة المسلمين تزوجت من حور عين زانهن شعور
و إذا الموؤدة سئلت عن شأنها و بأي ذنب قتلها ميسور
و إذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور
و إذا الصحائف عند ذاك تساقطت تبدى لنا يوم القصاص أمور
و إذا الصحائف نشرت فتطايرت و تهتكت للمؤمنين ستور
و إذا السماء تكشطت عن أهلها و رأيت أفلاك السماء تدور
و إذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير و إذا لجنان تزخرفت و تطيبت لفتى على طول البلاء صبور و إذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص و قلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور
و منها الساعة قال الله تعالى و يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة و قال و يوم تقوم الساعة يبلس المجرمون . و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون و قال و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب و هو في القرآن كثير ، و الساعة كلمة يعبر بها في العربية عن جزء الزمان غير محدود و في العرف على جزء من أربعة و عشرين جزءاً من يوم و ليلة و الذين هما أصل الأزمنة ، و تقول العرب أفعل كذا الساعة ، و أنا الساعة في أمر كذا تريد الوقت الذي أنت فيه ، و الذي يليه تقريباً له و حقيقة الإطلاق فيها أن الساعة بالألف و اللام عبارة في الحقيقة عن الوقت الذي أنت فيه و هو المسمى بالآن و سميت به القيامة إما لقربها فإن كل آت قريب ، و إما أن تكون سميت بها تنبيهاً على ما فيها من الكائنات العظام التي تصهر الجلود و تكسر العظام و قيل: إنما سميت بالساعة لأنها تأتي بغتة في ساعة ، و قيل : إنما سميت بالساعة لأن الله تعالى يأمر السماء أن تمطر بماء الحيوان حتى تنبت الأجساد في مدافنها و مواضعها حيث كانت من بحر أو بر و تستقل و تتحرك بحياتها بماء الحيوان ، و ليست فيها أرواح ثم تدعى الأرواح ، فأرواح المؤمنين تتوقد نوراً ، و أرواح الكافرين تتوهج ظلمة ، فإذا دعا الأرواح ألقاها في الصور ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ في الصور فإذا نفخ فيه خرجت من الصور ثم أمرت أن تلحق الأجساد فتبعث إلى الأجساد في أسرع من اللمحة ، و أنما سميت الساعة لسعي الأرواح إلى الأجساد في تلك السرعة فهي سائغ و جمعها ساعة كقولك ، بائع و باعة و ضائع و ضاعة و كائل و كالة ، فوصف أن سائر أموره في السرعة كلمح البصر و أمر السائق أقرب من لمح البصر . قاله الترمذي الحكيم .
و ذكر أبو نعيم الحافظ بإسناده عن و هب بن منبه قال : إذا قامت الساعة صرخت الحجارة صراخ النساء و قطرت العظاة دماً و منها القيامة قال الله تعالى لا أقسم بيوم القيامة و هي في العربية مصدر قام يقوم و دخلها التأنيث للمبالغة على عادة العرب ، و اختلف في تسميتها بذلك على أربعة أقوال .
الأول : لوجود هذه الأمور فيها .
الثاني : لقيام الخلق من قبورهم إليها . قال الله تعالى يوم يخرجون من الأجداث سراعاً .
الثالث : لقيام الناس لرب العالمين كما روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم يوم يقوم الناس لرب العالمين قال يوم يقوم أحدكم في رشحه إلى نصف أذنيه قال ابن عمر رضي الله عنهما [ يقومون مائة سنة ] . و يروى عن كعب [ يقومون ثلاثمائة سنة ] .
الرابع : لقيام الروح و الملائكة صفاً . قال الله تعالى يوم يقوم الروح و الملائكة صفاً .
قال علماؤنا : و اعلم أن كل ميت مات فقد قيامته ، و لكنها قيامة صغرى و كبرى ، فالصغرى هي ما يقوم على كل إنسان في خاصته من خروج روحه و فراق أهله و انقطاع سعيه و حصوله على عمله . إن كان خيراً فخير و إن كان شراً فشر ، و القيامة الكبرى هي التي تعم الناس و تأخذهم أخذة واحدة ، و الدليل على أن كل ميت يموت فقد قامت قيامته قول النبي صلى الله عليه و سلم لقوم من الأعراب و قد سألوه متى القيامة ؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال : إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم أخرجه مسلم و غيره ، و قال الشاعر :
خرجت من الدنيا و قامت قيامتي غداة أقيل الحاملون جنازتي
و عجل أهلي حفر قبري و صبروا خروجي و تعجيلي إليه كرامتي
كأنهم لم يعرفوا قط سيرتي غداة أتى يومي علي و ساعتي
و منها : يوم النفخة . قال الله تعالى يوم ينفخ في الصور و قد مضى القول فيه .
و منها : يوم الزلزلة و يوم الرجفة . قال الله تعالى يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة و قد تقدم .
و منها : يوم الناقور كقوله تعالى فإذا نقر في الناقور و قد تقدم القول فيه و الحمد لله .
و منها : القارعة سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها يقال : قد أصابتهم قوارع الدهر أي أهواله و شدائده ، قالت الخنساء :
تعرفني الدهر نهشاً و حزاً و أوجعني الدهر قرعاً و غمزا
أرادت أن الدهر أوجعها بكبريات نوائبه و صغرياتها .
و منها : يوم البعث و حقيقته إثارة الشيء عن خفاء و تحريكة عن سكون ، قال عنترة :
و عصابة شم الأنوف بعثهم ليلاً و قد مال الكرا بطلاها
و قال امرؤ القيس :
و فتيان صدق قد بعثت بسحرة فقاموا جميعاً بين غات و نسوان
و قد تقدم القول فيه و في صفته و الحمد لله . و منها : يوم النشور و هو عبارة عن الإحياء . يقال : قد أنشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم الله فحييوا و منه قوله تعالى و انظر إلى العظام كيف ننشزها أي نحييها ، و قد يكون معناه التفريق من ذلك قولك أمرهم نشر .
و منها : يوم الخروج قال الله تعالى يوم يخرجون من الأجداث سراعاً فأوله الخروج من القبور و آخره خروج المؤمنين من النار ثم لا خروج و لا دخول على ما يأتي .
و منها : يوم الحشر و هو عبارة عن الجمع ، و قد يكون مع الفعل إكراه قال الله تعالى : و أرسل في المدائن حاشرين أي من يسوق السحرة كرهاً و قد مضى القول في الحشر مستوفي و الحمد لله .
و منها : يوم العرض قال الله تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية و قال : و عرضوا على ربك صفاً و حقيقتة إدراك الشيء بإحدى الحواس ليعلم حاله و غايته السمع و البصر فلا يزال الخلق قياماً في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما شاء الله أن يقوموا حتى يلهموا أو يهتموا . فيقولون : قد كنا نستشفع في الدنيا فهلم فلنسال الشفاعة إلى ربنا فيقولون : أئتوا آدم الحديث و سيأتي .
قال ابن العربي : و في كيفية العرض أحاديث كثيرة المعول منها على تسعة أحاديث في تسعة أوقات :
الأول : الحديث المشهور الصحيح رواه أبي هريرة و أبو سعيد الخدري رضي الله عنهما و اللفظ له قال : إن ناساً في زمن النبي صلى الله عليه و سلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب ، و هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فها سحاب ، قالوا : لا يا رسول الله . قال : ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما . إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام و النصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر و غير أهل الكتاب ، فيدعى اليهود فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزيز بن الله . فيقال لهم : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة و لا ولد ، فماذا تبغون ؟ قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً قيتساقطون في النار ، ثم تدعى النصارى فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد المسيح ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ما تخذ الله من صاحبة و لا ولد . فيقال لهم : ماذا تبغون ؟ فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها . قال : فماذا تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم و لم نصاحبهم ، فيقول : أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثاً . حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم و بينه آية فتعرفونه بها ، فيقولون : نعم . فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود و لا يبقى من كان يسجد نفاقاً ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم و قد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة . فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم و تحل الشفاعة و يقولون اللهم سلم سلم و ذكر الحديث و سيأتي تمامه إن شاء الله تعالى .
الثاني : صح حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من نوقش الحساب عذب ، قلت يا رسول الله أليس الله يقول فسوف يحاسب حساباً يسيراً قال : ليس ذلك الحساب ذلك العرض و سيأتي .
الثالث : روى الحسن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات وسيأتي .
الرابع : روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال عن النبي صلى الله عليه و سلم يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج الحديث ، و سيأتي .
الخامس : ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه و أبي سعيد الخدري و اللفظ له ، يؤتى بعبد يوم القيامة فيقال له ألم أجعل لك سمعاً و بصراً و مالاً و ولداً و تركتك ترأس و ترتع فكنت تظن أنك ملاقى يومك هذا . فيقول : لا . فيقال له : اليوم أنساك كما نسيتني و هذا حديث صحيح . قلت : خرجه مسلم و الترمذي مطولاً .
السادس : ثبت من طرق صحاح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يؤتى بالعبد يوم القيامة فيضع عليه كفنه فيقول له عبدي تذكر يوم كذا وكذا حين فعلت كذا وكذا فلا يزال يقرره حتى يرى أنه هلك . ثم يقول له : عبدي أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم .
السابع : و في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً و آخر أهل النار خروجاً من النار رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه و ارفعوا عنه كبارها و ذكر الحديث .
الثامن : و في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يخرج من النار أربعة فيعرضون على الله فيلتفت أحدهم فيقول : أي رب إذا أخرجتني منها فلا تعدني فيها فينجيه الله منها .
و روى مسلم يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول لهم : و هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك و ذكر حديث الشفاعة قال الله تعالى و يوم يعرض الذين كفروا على النار و ذلك قوله في الحديث المتقدم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً قال القاضي أبو بكر بن العربي : و هذا مما أغفله الأئمة في التفسير .
التاسع : العرض على الله و لا أعلمه في الحديث إلا قوله في النص المتقدم حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر و فاجر أتاهم رب العالمين ، و ذكر الحديث .
قلت : إذا تتبعت الأحاديث في هذا الباب على هذا السياق كان الحسن و الصحيح منها أكثر من تسعة .
و قد خرج عن أبي بردة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع الحديث و سيأتي .
و قوله في الحديث الآخر إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن عمله .
و خرج مسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه و بينه ترجمان الحديث و سيأتي .
و خرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يارب الحديث وسيأتي .
و يتضمن من غير رواية البخاري عرض اللوح المحفوظ ثم إسرافيل ثم جبرائيل ثم الأنبياء نبياً نبياً صلوات الله عليهم أجمعين ، و سيأتي .
و خرج الترمذي و ابن ماجه حديث الرجل الذي ينشر عليه تسعة و تسعون سجلاً و سيأتي .
و هذا كله من باب العرض على الله . و إذا تتبعت الأحاديث كانت أكثر من هذا في مواطن مختلفة و أشخاص متباينة و الله أعلم ، و في بعض الخبر أنه يتمنى رجال أن يبعث بهم إلى النار ، و لا تعرض قبائحهم على الله تعالى ، و لا يكشف مساوئهم على رؤوس الخلائق .
قلت : و أما ما وقع ذكره في الحديث من كشف الساق و ذكر الصورة فيأتي إيضاحه ذلك و كشفه إن شاء الله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
و أما ما جاء من طول هذا اليوم و وقوف الخلائق فيه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فقلت : ما أطول هذا . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : و الذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من الصلاة المكتوبة يصليها في الدنيا ذكره قاسم بن أصبغ و قيل : غير هذا و سيأتي .
و منها : يوم الجمع و حقيقته في العربية ضم واحد إلى واحد ، فيكون شفعاً أو زوجاً إلى زوج فيكون جمعاً . قال الله تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع و قال ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه و هو في القرآن كثير .
و منها : يوم التفرق قال الله تعالى و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون * فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون * و أما الذين كفروا و كذبوا بآياتنا و لقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون و هو معنى قوله تعالى فريق في الجنة و فريق في السعير .
و منها : يوم الصدع و الصدر أيضاً قال الله تعالى يومئذ يصدر الناس أشتاتاً و قال يومئذ يصدعون و معناهما معنى الإسم الذي قبله .
و منها : يوم البعثرة و معناه تتبع الشيء المختلط مع غيره حتى يخلص منه فيخلص الله تعالى الأجسام من التراب و الكافرين من المؤمنين و المنافقين ، ثم يخلص المؤمنين من المنافقين كما في الحديث الصحيح : إن الله تعالى يجمع الأوليين و الآخرين في صعيد واحد خرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
و منها : ما روي أنه يخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم و هو صحيح أيضاً و سيأتي . و قال صلى الله عليه و سلم يؤخذ برجال ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
و منها : يوم الفزع و حقيقته ضعف النفس عن حمل المعاني الطارئة عليها خلاف العادة ، فإن استمر كان جبناً و عند ذلك تتشوق النفس إلى ما يقويها فلأجل ذلك قالوا : فزعت من كذا أي ضعفت عن حمله عن طريانه على خلاف العادة ، و فزعت إلى كذا أي تشوقت نفسي عند ذلك إلى ما يقويها على ما نزل بها والآخرة كلها خلاف العادة و هي فزع كلها و في التنزيل لا يحزنهم الفزع الأكبر ، و قد اختلف فيه فقيل هو قوله لا بشرى يومئذ للمجرمين . و قيل ، إذا طبقت النار على أهلها و ذبح الموت بين الجنة و النار . و قال الحسن : هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار و عنه أن الفزع الأكبر النفخة الآخرة و تتلقاهم الملائكة بالبشارة حتى يخرجوا من قبورهم .
و منها : يوم التناد بتخفيف الدال من النداء و تشديدها من ند إذا ذهب و هو قال تعالى يوم تولون مدبرين و هو الذهاب في غير قصد . و روي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السموات و الأرض الحديث ، و قد تقدم التي يقول الله ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق فيسير الله الجبال و يرج الأرض بأهلها رجاً و هي التي يقول الله يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة * أبصارها خاشعة فيميد الناس على ظهرها فتذهل المراضع و تضع الحوامل و تشيب الولدان و تولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً و هو الذي يقول الله تعالى يوم التناد * يوم تولون مدبرين قال ابن العربي : و قد رويت في ذلك آثار كثيرة هذا أمثلها فدعوها ، فالمعنى الواحد يكفينا منها و من هولها و من تحقيق المعنى لها .
قلت : قد بينا أقوال العلماء في ذلك عند ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في باب أين تكون الناس فتأمله هناك .
و منها : يوم الدعاء و هو النداء أيضاً .
و النداء على ثمانية و جوه فيما ذكر ابن العربي :
الأول : نداء أهل الجنة أهل النار بالتقريع .
الثاني : نداء أهل النار لأهل الجنة بالاستغاثة كما أخبر الله عنهم .
الثالث : يدعى كل أناس بإمامهم و هو قوله لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قال المؤلف : و يقال بكتابهم و قيل : نبيهم . قال سري السقطي : تدعى الأمم يوم القيامة بأنبيائها فيقال يا أمة موسى يا أمة عيسى و يا أمة محمد غير المحبين لله فإنهم ينادون يا أولياء الله هلموا إلى الله سبحانه فتكاد قلوبهم تنخلع فرحاً .
الرابع : نداء الملك ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، و إن فلان ابن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً و سيأتي .
الخامس : النداء عند ذبح الموت يا أهل الجنة خلود فلا موت ، و ياأهل النار خلود فلا موت .
السادس : نداء أهل النار يا حسرتنا و ياويلنا .
السابع : قول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين .
الثامن : نداء الله تعالى أهل الجنة فيقول : يا أهل الجنة هل رضيت ؟ فيقولون : و ما لنا لا نرضى و قد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك . فيقول : أعطيتكم أفضل من ذلك رضائي .