الجزء الثاني من باب قول النبي صلى الله عليه و سلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت
 
الجزء الثاني من باب قول النبي صلى الله عليه و سلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت و في أسماء يوم القيامة
قال المؤلف رضي الله عنه : و نداء تاسع ذكره أبو نعيم عن مروان بن محمد قال : قال أبو حازم الأعرج : يخاطب نفسه يا أعرج ينادي يوم القيامة يا أهل خطيئة كذا و كذا و كذا فتقوم معهم ، ثم ينادي يا أهل خطيئة أخرى فتقوم معهم فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة و في التنزيل يوم يناديهم فيقول أين شركائي الآية التي في القصص و حم السجدة و يوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين و بالنداء في الأخبار كثير يأتي بيانها و ذكرها في باب من يدخل الجنة بغير حساب .
و منها : يوم الواقعة . و أصل وقع في كلام العرب كان و وجد ، و جاءت الشريعة في تأكيد ذلك بثبوت ما وجد قال الله تعالى : و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم و المراد بالقول هنا إخبار الباري عن الساعة و أنها قريبة ، و من أعظم علاماتها الدابة ، و سيأتي ذكرها و ما للعلماء فيها من الأشراط إن شاء الله تعالى و قوله كاذبة مصدر كالباقية و العاقبة أي ليس لوقعتها مقالة كاذبة .
و منها : الخافضة الرافعة أي ترفع قوماً في الجنة و تخفض أخرى في النار ، و الخفض و الرفع يستعملان عند العرب في المكان و المكانة و العز و الإهانة ، و نسب سبحانه الخفض و الرفع للقيامة توسعاً و مجازاً على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل و الزمان و غيرهما مما لم يمكن منه الفعل يقولون ليل قائم و نهار صائم و في التنزيل بل مكر الليل و النهار و الخافض و الرافع على الحقيقة إنما هو الله تعالى وحده ، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات و جعل أعداءه في أسفل الدركات قال الله تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً * و نسوق المجرمين إلى جهنم ورداً و قال صلى الله عليه و سلم في حديث جابر رضي الله عنه : نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس . قال ابن العربي و هذا حديث فيه تخليط في كتاب مسلم لم يتقنه رواية . و معناه : أن جميع الخلق على بسيط من الأرض سواء إلا محمداً صلى الله عليه و سلم و أمته فإنهم يرفعون جميعهم على شبه من الكوم و يخفض الناس عنهم ، و في رواية : أكون أنا و أمتي يوم القيامة على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي فذلك المقام المحمود .
قلت : و هذا الرفع في المكان بحسب الزيادة في المكانة . قال ابن العربي : و هي أنواع فرفع محمداً صلى الله عليه و سلم بالشفاعة في أول الخلق و بأنه أول من يدخل الجنة و يقرع بابها ، و رفع العادلين بالحديث الصحيح المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن و كلتا يديه يمين ، و رفع القراء إلى حيث انتهت قراءتهم . يقال : اقرأ و رتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ، و سيأتي ورفع الشهداء فقال في الحديث الصحيح إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله الحديث و سبأتي ، و رفع كافل اليتيم فقال صلى الله عليه و سلم أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة و أشار مالك بالسبابة و الوسطى يريد في الجوار و قال صلى الله عليه و سلم : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغائر في أفق السماء و أن أبا بكر و عمر منهم و أنعما ، و رفع عائشة على فاطمة رضي الله عنهما ، فإن عائشة مع النبي صلى الله عليه و سلم و فاطمة مع علي رضي الله عنهما .
و منها : يوم الحساب و معناه أن الباري سبحانه يعدد على الخلق أعمالهم من إحسان و إساءة يعدد عليهم نعمه ، ثم يقابل البعض بالبعض فما يشف منها على الآخر حكم للمشفوق بحكمه الذي عينه للخير بالخير و للشر بالشر .
و جاء عن النبي أنه قال : ما منكم من أحد إلا و سيكلمه الله ليس بينه و بينه ترجمان فقيل إن الله يحاسب المكلفين بنفسه و يخاطبهم معاً و لا يحاسبهم واحداً بعد واحد و المحاسبة حكم . فلذلك تضاف إليه كما يضاف الحكم إليه قال الله تعالى : ألا له الحكم و قال و هو خير الحاكمين .
و في الخبر : أنه يوقف شيخ للحساب فيقول الله له : يا شيخ ما أنصفت غذوتك بالنعم صغيراً فلما كبرتك عصيتني أما إني لا أكون لك كما كنت لنفسك اذهب فقد غفرت لك ما كان قبل ، و إنه ليؤتى بالشاب كثير الذنوب فإذا وقف تضعضعت أركانه و اصطكت ركبتاه فيقول الرب جل جلاله : أما استحييتني أما راقبتني أما خشيت نقمتي أما علمت أني مطلع عليك خذوه إلى أمه الهاوية ، و قيل : إن الملائكة يحاسبون بأمر الله كما أن الحكام يحكمون بأمر الله تعالى . و قد قال الله تعالى : إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً إلى قوله و لا يكلمهم الله و إن من لم يكن بهذه الصفة فإن الله تعالى يكلمه فيكلم المؤمنين و يحاسبهم حساباً يسيراً من غير ترجمان إكراماً لهم ، كما أكرم موسى عليه السلام في الدنيا بالكليم ، و لا يكلم الكفار فتحاسبهم الملائكة و يميزهم بذلك عن أهل الكرامة فتتسع قدرته لمحاسبة الخلق كلهم معاً كما تتسع قدرته لإحداث خلائق كثيرة معاً .
قال الله تعالى : ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة أي إلا كخلق نفس واحدة .
و يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه و سئل عن محاسبة الخلق فقال : كما يرزقهم في غداة واحدة كذلك يحاسبهم في ساعة واحدة . و في صحيح مسلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة ؟ قالوا : لا . قال : فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس في سحابة قالةا : لا . قال : فو الذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما . قال : فيلقى العبد فيقول : أيأفل ألم أكرمك و أسودك و أزوجك و أسخر لك الخيل و الإبل و أذرك ترأس و ترتع ؟ فيقول : بلى فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول : إني أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثاني فيقول له و يقول هو مثل ذلك بعينه ، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك و بكتابك و برسلك و صليت و تصدقت و صمت و يثني بخير ما استطاع قال : فيقول ها هن إذاً ثم يقول الآن نبعث شاهداً عليك فيقول في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه . و يقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه و لحمه و عظام بعمله و ذلك ليعذر من نفسه و ذلك المنافق و ذلك الذي يسخط الله عليه ، و قد قال الله تعالى اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً أي حاسباً فعيلاً بمعنى فاعل ، و إذا نظر فيها و رأى أنه قد هلك فإن أدركته سابقة حسنة وضعت له لا إله إلا الله في كفة فرجحت له السموات و الأرض . و في رواية فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة و سيأتي و قال من نوقش الحساب عذب .
و منها : يوم السؤال و الباري سبحانه و تعالى يسأل الخلق في الدنيا و الآخرة تقريراً لإقامة الحجة و إظهاراً للحكمة . قال الله تعالى : سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة و قال و اسألهم عن القرية التي كانت حاضرةً البحر و قال : و اسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا و هو في القرآن كثير و قال : ليسأل الصادقين عن صدقهم و قال : و إذا الموؤدة سئلت و قال : فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون قيل : عن لا إله إلا الله . و قال : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا و قال عليه السلام لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع الحديث و سيأتي .
و روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع و مسؤول عن رعيته ، و الرجل راع على أهل بيته و هو مسؤول عنهم ، و المرأة راعية على بيت زوجها و هي مسؤولة عنه ، و العبد راع على مال سيده و هو مسؤول عنه ألا فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته .
ومنها : يوم الشهادة و يوم يقوم الأشهاد .
و الشهادة على أربعة أنواع :
شهادة محمد و أمته تحقيقاً لشهادة الرسل على قومها .
الثاني : شهادة الأرض و الأيام و الليالي بما عمل فيها و عليها .
الثالث : شهادة الجوارح قال الله تعالى : يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم و قال : و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا و ذلك بين أيضاً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
الرابع : حديث أنس رضي الله عنه و فيه و يختم على فيه و يقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ، و سيأتي بيان هذا الباب كله إن شاء الله تعالى .
و مناه : يوم الجدال قال الله تعالى : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أي تخاصم و تحاج عن نفسها . و جاء في الخبر : أن كل أحد يقول يوم القيامة نفسي نفسي من شدة أهوال يوم القيامة سوى محمد صلى الله عليه و سلم فإنه يسأل في أمته . على ما يأتي .
و في حديث عمر رضي الله عنه أنه قال لكعب الأحبار يا كعب : خوفنا هيجنا حدثنا نبهنا فقال كعب : يا أمير المؤمنين و الذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبياً لأتت عليك تارات و لا يهمك إلا نفسك و إن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب و لا نبي منتخب إلا وقع جاثياً على ركبتيه ، حتى إن إبراهيم الخليل ليدلى بالخلة فيقول رب أنا خليلك إبراهيم لا أسألك اليوم إلا نفسي . قال يا كعب : اين نجد ذلك في كتاب الله تعالى ؟ قال : قوله تعالى : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت و هم لا يظلمون .
و قال ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية : ما تزال الخصومة بالناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : رب الروح منك أنت خلقته لم يكن لي يد أبطش بها و لا رجل أمشي بها و لا عين أبصر بها و لا أذن أسمع بها و لا عقل أعقل به ، حتى جئت فدخلت في هذا الجسد فضعف عليه أنواع العذاب و نجني . فيقول الجسد : رب أنت خلقتني بيدك فكنت كالخشبة ليس لي يد أبطش بها و لا قدم أسعى بها و لا بصر أبصر به و لا سمع أسمع به ، فجاء هذا كشعاع الشمس فيه نطق لساني و به أبصر عيني و به مشت رجلي و به سمعت أذني فضعف عليه أنواع العذاب و نجني قال : فيضرب الله لهما مثلاً أعمى و مقعد أدخلا بستاناً فيه ثمار فالأعمى لا يبصر و المقعد لا ينالها ، فنادى المقعد للأعمى ائتني فاحملني آكل و أطعمك فدنا منه فحمله فأصابا من الثمرة فعلى من يكون العذاب . قالا : عليهما ، قال : عليكم جميعاً العذاب .
قال المؤلف رضي الله عنه و أرضاه : و من هذا الباب قول الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا إلى غير ذلك مما في معناه حسب ما يأتي .
و منها : يوم القصاص . و فيه أحاديث كثيرة يأتي ذكرها في باب إن شاء الله تعالى .
و منها : يوم الحاقة . و سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها . قاله الطبري كأنه جعلها من باب : ليلي نائم كما تقدم .
و قيل : سميت حاقة لأنها كانت من غير شك . و قيل : سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام النار .
و منها يوم الطامة . معناها الغالبة من قولك طم الشيء إذا علا و غلب ، و لما كانت تغلب كل شيء كان لها هذا الاسم حقيقة دون كل شيء . قال الحسن : الطامة النفخة الثانية ، و قيل : حين يساق أهل النار إلى النار .
و منها : يوم الصاخة قال عكروة : الصاخة : النفخة الأولى و الطامة : النفخة الثانية قال الطبري أحسبه من صخ فلان فلاناً إذا أصمه . قال ابن العربي : الصاخة التي تورث الصمم و إنها المسمعة ، و هذا من بديع الفصاحة حتى لقد قال بعض أحداث الأسنان حديثي الأزمان :
أصم بك الناعي و إن كنت أسمعا
و قال آخر :
أصمني شرهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بشر يورث الصمما
و لعمرو الله إن صيحة القيامة مسمعة تصم عن الدنيا و تسمع أمور الآخرة ، و بهذا كله كان يوماً عظيماً كما قال الله تعالى في وصفه بالعظيم . وكل شيء كبر في أجزائه فهو عظيم .كذلك ما كبر في معانيه . و بهذا المعنى كان الباري عظيماً ، لسعة قدرته و علمه و كثرة ملكه الذي لا يحصى ، و لما كان أمر الآخرة لا ينحصر كان عظيماً بالإضافة إلى الدنيا و لما كان محدثاً له أول صار حقيراً بالإصافة إلى العظيم الذي لا يحد .
و منها : يوم الوعيد و هو أن الباري سبحانه أمر و نهى و وعد و أوعد فهو أيضاً يوم الوعد و الوعد للنعيم و الوعيد للعذاب الأليم ، و حقيقة الوعيد هو الخبر عن العقوبة عند المخالفة ، و الوعد الخبر عنى المثوبة عند الموافقة ، و قد ضل في هذه المسألة المبتدعة و قالوا : إن من أذنب ذنباً واحداً فهو مخلد في النار تخليد الكفار أخذاً بظاهر هذا اللفظ في آي فلم يفهموا العربية و لا كتاب الله و أبطلوا شفاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم . و سيأتي الرد عليهم في أبواب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
و منها : يوم الدين . و هو في لسان العرب الجزاء قال الشاعر :
حصادك يوماً ما زرعت و إنما يدان الفتى فيه كما هو دائن
و قال آخر :
و اعلم يقيناً أن ملكك زائل و اعلم بأنك كما تدين تدان
و منها : يوم الجزاء . قال الله تعالى : اليوم تجزون ما كنتم تعملون و قال : اليوم تجزى كل نفس بما كسبت و هو أيضاً يوم الوفاء . قال الله تعالى : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق أي حسابهم و جزاؤهم و الجنة جزاء الحسنات و النار جزاء السيئات . قال الله تعالى في المعنيين جزاء بما كانوا يكسبون و جزاء بما كانوا يعملون و قال في جهة الوعيد كذلك نجزي كل كفور .
و منها : يوم الندامة . و ذلك أن المحسن إذا رأى جزاء إحسانه و الكافر جزاء
كفره ندم المحس أن لا يكون مستكثراً ، و ندم المسيء أن لا يكون استعتب ، فإذا صار الكافر إلى عذاب لا نفاد له تحسر ، فلذلك سمي يوم الحسرة قال الله تعالى : و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و ذلك عند ذبح الموت على ما يأتي و هم في غفلة يعني الآن عن ذلك اليوم . و الحسرة : عبارة عن استشكاف المكروه بعد خفائه .
و منها : يوم التبديل . قال الله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات و قد تقدم القول في ذلك مستوفى .
و منها : يوم التلاق . قال الله تعالى : لينذر يوم التلاق و هو عبارة عن اتصال المعنيين بسبب من أسباب العلم و الجسمين . و هو أنواع أربعة :
الأول : لقاء الأموات لمن سبقهم إلى الممات فيسألونهم عن أهل الدنيا كما تقدم .
و الثاني : عمله و قد تقدم .
الثالث : لقاء أهل السموات لأهل الأرض في المحشر و قد تقدم .
الرابع : لقاء الخلق للباري سبحانه و تعالى و ذلك يكون في عرصات القيامة و في الجنة على ما يأتي .
و منها : يوم الآزفة . تقول العرب أزف كذا أي قرب قال الشاعر :
أزف الترحل غير أن ركابنا لما نزل برحالنا و كأن قد
و هي قريبة جداً و كل آت قريب و إن بعد مداه قال الله تعالى : و ما يدريك لعل الساعة تكون قريباً و ما يستبعد الرجل من الساعة و مدته ساعة .
و منها : يوم المآب . و معناه الرجوع إلى الله تعالى و لم يذهب عن الله شيء فيرجع إليه . و إنما حقيقته أن العبد يخلق الله فيه ما شاء من أفعاله لما خلق فيه علماً و خلق فيه إيثاراً و اختياراً ظن الناس أنه شيء أو أن له فعلاً ، فإذا أماته و سلب ما كان أعطاه أذعن و آب في وقت لا ينفعه الإياب ، و لم يزل عن الله تعالى في حال فهو الأواب .
و منها : يوم المصير . و هو يوم المآب بعينه قال الله تعالى : و لله ملك السموات و الأرض و إلى الله المصير فالخلق سائرون إلى أمر الله تعالى . و آخر ذلك ذار القرار و هي الجنة أو النار قال الله تعالى في حق الكافرين : قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار .
و منها : يوم القضاء . وهو أيضاً يوم الحكم و الفصل ، و سيأتي أن أول ما يقضى فيه الدماء و قال صلى الله عليه و سلم : ما من صاحب ذهب و لا فضة لا يؤدى منها حقها الحديث و فيه كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد و الفصل هو الفرق و القطع فيفصل يومئذ بين المؤمن و الكافر و المسيء و المحسن . قال الله تعالى : يوم القيامة يفصل بينكم الآية و هو يوم الحكم لأن إنفاذ الحكم هو إنفاذ العلم قال الله تعالى : الملك يومئذ لله يحكم بينهم الآية . و قال ذلكم حكم الله يحكم بينكم .
و منها : يوم الوزن . قال الله تعالى : و الوزن يومئذ الحق الآية . و سيأتي الكلام في الميزان و وزن الأعمال فيه في أبواب إن شاء الله .
و منها : يوم عقيم . و هو في اللغة عبارة عن من لا يكون له ولد . و لما كان الولد يكون بين الأبوين و كان الأيام تتوالى قبل و بعد جعل الاتباع بالتعدية فيها كهيئة الولادة . و لما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف بالعقيم .
و منها : يوم عسير . و هذا في حق الكافرين خاصة . و العسر ضد اليسر فهو عسير على الكافرين ، لأنهم لا يرون فيه أملاً و لا يقطعون فيه رجاء حتى إذا خرج المؤمنون من النار طلبوا مثل ذلك ، فيقال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون فحينئذ يكون المنع الصريح على ما يأتي بيانه في أبواب النار إن شاء الله تعالى ، و أما المؤمنون فتنحل عقدهم بيسر إلى يسر ، فينحل طول الوقوف إلى تعجيل الحساب و تثقيل الموازين و جواز الصراط و الضلال بالأعمال ، و لا تنحل للكافرين من هذه العقد عقدة واحدة إلا إلى أشد منها حتى إلى جهنم دار القرار .
و منها : يوم مشهود . سمي بذلك لأنه يشهده كل مخلوق و قيل : سمي بذلك لأن الشهداء يشهدون فيه على ما يأتي و الله أعلم .
و منها : يوم التغابن . سمي بذلك لأن الناس يتغابنون في المنازل عند الله : فريق في الجنة و فريق في السعير . و حقيقته في لسان العرب : ظهور الفضل في المعاملة لأحد المتعاملين و الدنيا و الآخرة دار العملين و حالين و كل واحد منهما لله و لا يعطى أحدهما إلا لمن ترك نصيبه من الأخرى : قال الله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد و قال : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب و من أراد الآخرة فسعيه مشكور ، و حظه في الآخرة موفور .
و منها : يوم عبوس قمطرير ، و القمطرير : الشديد و قيل الطويل . و أما العبوس فهو الذي يعبس فيه سمي باسم ما يكون فيه ، كما يقال ليل قائم و نهار صائم و كلوح الوجه ، و عبوسه هو قبض ما بين العينين و تغير السحنة عن عادتها الطلقة . يقال : يوم طلق إذا كانت شمسه نيرة فاترة و إذا كانت شمسه مدجية قد غطاها السحاب . قيل : يوم عبوس و أول العبوس و الكلوح عند الخروج من القبور و رؤية الأعمال في الصور القبيحة كما تقدم ، و آخر ذلك كلوح النار و هو الكلوح الأعظم يشوي الوجوه و يسقط الجلود على ما يأتي ، و مع العبوس تشخص الأبصار و هي ثبوتها راكدة على منظر واحد لهول لا ينتقل منه إلى غيره كما قال سبحانه ليوم تشخص فيه الأبصار .
و منها : يوم تبلى السرائر . و معناه إخراج المخبآت بالاختبار بوزن الأعمال في الصحف و يكشف الساق عند السجود على ما يأتي .
و منها : يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً . و هو مثل قوله و اتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً و لا يقبل منها شفاعة و لا يؤخذ منها عدل و لا هم ينصرون و قال : يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً فكل نفس بما كسبت رهينة لا يغنى أحد عن أحد شيئاً ، بل ينفصل كل واحد عن أخيه و أبيه ، و لذلك كان يوم الفصل و يوم الفرار . قال الله تعالى : إن يوم الفصل كان ميقاتاً و قال تعالى : يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أما إنه يجزي و يقضي و يعطي و يغني بغير اختياره من حسناته ما عليه من الحقوق على ما يأتي بيانه في أحاديث المفلس إن شاء الله تعالى .
و منها : يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً . والدع الدفع أي يدفعون إلى جهنم و يسحيون فيها وجوههم كما قال تعالى : يوم يسحبون في النار على وجوههم .
و منها : يوم التقلب و هو التحول . قال الله تعالى : يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب و الأبصار أي قلوب الكفار و أبصارهم فتقلب قلوب الكفار انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر فلا هي ترجع إلى أماكنها و لا هي تخرج ، فأما تقلب الأبصار فالزرقة بعد الحكل و العمى بعد البصر . و قيل : تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة و الخوف من الهلاك و الإبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم و إلى أي ناحية يؤخذ بهم . و قيل : إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك و كذلك أبصارهم لرؤيتهم اليقين إلا أن ذلك لا ينفعهم في الآخرة .
و منها : يوم الشخوص و الإقناع . قال الله تعالى : إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار أي لا تغمض فيه من هول ما ترى في ذلك اليوم . قاله الفراء .
و قال ابن عباس رضي الله عنه : تشخص أبصار الخلائق يومئذ إلى الهواء لشدة الحيرة فلا يغتمضون مهطعين أي مديمي النظر .
قال مجاهد و الضحاك : مقنعي رؤوسهم أي رافعي رؤوسهم و إقناع الرأس رفعه . قاله ابن عباس و مجاهد ، و قال الحسن : وجوه الناس يومئذ إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد . فإن قيل : فقد قال الله تعالى في غير هذه الآية خاشعة أبصارهم و قال : خشعاً أبصارهم فكيف يكون الرافع رأسه الناظر نظراً طويلاً حتى إن طرفه لا يرتد إليه خاشع البصر ؟ .
فالجواب أنهم يخرجون حال المضي إلى الموقف خاشعة أبصارهم ، و في هذه الحال وصفهم الله تعالى بخشوع الأبصار و إذا توافوا و ضمهم الموقف و طال القيام عليهم فإنهم يصيرون من الحيرة كأنهم لا قلوب لهم و يرفعون رؤوسهم فينظرون النظر الطويل و لا يرتد إليهم طرفهم كأنهم قد نسوا الغمض أو جلهوه فهو تعسير عليهم .
و منها : هذا يوم لا ينطقون * و لا يؤذن لهم فيعتذرون .
و ذلك حين يقال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون و تطبق عليهم جهنم على ما يأتي بيانه في أبواب النار .
و منها : يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و إن أذن لهم بأن يمكنوا منها لا بأن يقال لهم اعتذروا كقوله ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا الآية و كقوله ربنا أخرجنا منها الآية .
و منها : و لا يكتمون الله حديثاً .
و منها : يوم الفتنة . قال الله تعالى يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون من قولك فتنت الذهب إذا رميت به في النار .
و منها : يوم لا مرد له من الله يريد يوم القيامة أي لا يرده أحد بعد ما حكم الله به و جعل له أجلاً و وقتاً .
و منها : يوم الغاشية . و سميت بذلك لأنها تغشى بإفزاعها . أي تعمهم بذلك . و منه غاشية السرج . و منها : فيومئذ لا يعذب عذابه أحد و لا يوثق وثاقه أحد .
و منها : يوم لا بيع فيه و لا خلال قال الله تعالى قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة و ينفقوا مما رزقناهم سراً و علانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه و لا خلال و قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه و لا خلة و لا شفاعة و الخلة و الخلال الصداقة و المودة .
و منها : يوم لا ريب فيه ، و إن وقع فيه رب الكفار أي شك فليس فيه ريب لقيام الأدلة الظاهرة عليه كما قال الله تعالى أفي الله شك فليس في الباري شك لقيام الأدلة عليه و لشهادة أفعاله و لاقتضاء المحدث أن يكون له محدث ، و لكن قد شك فيه قوم و نفاه آخرون ، و لم يوجب ذلك شكا فيه لقيام الأدلة عليه ، فكذلك يوم القيامة لا ريب و لا شك فيه مع النظر في الدليل و العلم ، فإذا خلق الله تعالى الرين على القلب كان الشك . قال الله تعالى ذلك بأن الله هو الحق و أنه يحيي الموتى و أنه على كل شيء قدير * و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور .
و منها : يوم تبيض وجوه و تسود وجوه و سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
و منها : يوم الأذان : دخل طاووس على هشام بن عبد الملك فقال له : اتق الله و احذر يوم الأذان فقال : و ما يوم الأذان ؟ قال : قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام ، فقال طاووس : هذا ذل الصفة فكيف ذل المعاينة .
و منها : يوم الشفاعة قال الله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه و قال تعالى و لا يشفعون إلا لمن ارتضى و قال لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له و قال فما لنا من شافعين و سيأتي بيانه .
و منها : يوم العرق ، و سيأتي بيانه في أحاديث في الباب بعد هذا بحول الله وقوته .
و منها يوم القلق و الجولان . و هو عبارة عند عدم الاستقرار و الثبوت يقال : قلق الرجل يقلق قلقاً إذا لم يستقر و مثله جال يجول إذا لم يثبت .
و منها : يوم الفرار . قال الله تعالى يوم يفر المرء من أخيه * و أمه و أبيه * و صاحبته و بنيه فيفر كل واحد من صاحبه حذراً من مطالبته إياه ، إما لما بينهم من التبعات أو لئلا يروا ما هو فيه من الشدة . و قال عبد الله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما يتبين له من عجزهم و قلة حيلتهم إلى من يملك كشف تلك الكروب و الهموم عنه ، و لو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئاً سوى ربه تعالى . و قال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه إبراهيم ، و أول من يفر من ابنه نوح ، و أول من يفر من امرأته لوط . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم ، و هذا فرار التبري نجانا الله من أهوال هذا اليوم بحق محمد نبي الرحمة و صحبه الكرام البرزة ، و جعلنا ممن حشر في زمرتهم و لا خالف بنا على طريقهم و مذهبهم بمنه و كرمه آمين ، و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم .
قال المؤلف : و قد سرد تسمية هذه الأيام على التوالي من غير تفسير غير واحد من العلماء . منهم ابن نجاح في سبل الخيرات ، و أبو حامد الغزالي في غير موضع من كتبه كالإحياء و غيره ، و القتبي في كتاب عيون الأخبار ، و هذا تفسيرها حسب ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في سراج المريدين ، و ربما زدنا عليه في ذلك و الحمد لله على ذلك . و لا يمتنع أن تسمي غير ما ذكرنا بحسب الأحوال الكائنة فيه من الازدحام و التضايق و اختلاف الأقدام الخزي و الهوان و الذل و الافتقار و الصغار و الانكسار و يوم الميقات و المرصاد إلى غير ذلك من الأسماء ، و سيأتي التنبية على ذلك إن شاء الله تعالى في الباب بعد هذا .