باب ما يلقي الناس في الموقف من الأهوال العظام و الأمور الجسام
 
قال المحاسبي في كتاب التوهم و الأهوال : يحشر الله الأمم من الإنس و الجن عراة أذلاء قد نزع الملك من ملوك الأرض و لزمهم الصغار بعد عتوهم و الذلة بعد تجبرهم على عباد الله في أرضه . ثم أقبلت الوحوش من أماكنها منكسة رؤوسها بعد توحشها من الخلائق و انفرادها ذليلة من هول يوم النشور من غير ريبة و لا خطية أصابتها حتى وقفت من وراء الخلق بالذلة و الانكسار لذلك الجبار ، و أقبلت الشياطين بعد تمردها و عتوها خاضعة ذليلة للعرض على الملك الديان ، حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها و جنها و شياطينها و وحوشها و سباعها و أنعامها و هوامها تناثرت نجوم السماء من فوقهم و طمست الشمس و القمر فأظلما عليهم و مارت سماء الدنيا من فوقهم فدارت من فوقهم بعظمها فوق رؤوسهم و هي خمسمائة عام فيا هول صوت انشقاقها في سمعهم و تمزقت و تفطرت لهول يوم القيامة من عظم يوم الطامة ثم ذابت حتى صارت مثل الفضة المذابة كما قال الجبار تبارك و تعالى فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان و قال يوم تكون السماء كالمهل * و تكون الجبال كالعهن أي كالصوف المنفوش و هو أضعف الصوف و هبطت الملائكة من حافاتها إلا الأرض بالتقديس لربها فتوهم انحدارهم من السماء لعظم أجسامهم و كثرة أخطارهم و هول أصواتهم و شدة فرقهم من خوف ربهم فتوهم فزعك حينئذ و فزع الخلائق لنزولهم مخافة أن يكونوا قد أمروا بهم فأخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسي رؤوسهم العظيم هول يومهم قد تسربلوا أجنحتهم و نكسوا رؤوسهم بالذلة و الخضوع لربهم ، و كذلك ملائكة كل سماء إلى السماء السابعة قد أضعف أهل كل سماء على أهل السماء الذين قبلهم في العدة و عظم الأجسام و الأصوات حتى إذا وافى الموقف أهل السموات السبع و الأرضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين ، ثم أدنيت من الخلائق قاب قوسين أو قوس فلا ظل ذلك اليوم إلا ظل عرش الرحمن فمن بين مستظل بظل العرش و بين مضح بحر الشمس قد صهرته و اشتد فيها كربه و أقلقته و قد ازدحمت الأمم و تضايقت و دفع بعضهم بعضاً ، و اختلفت الأقدام و انقطعت الأعناق من العطش قد اجتمع عليهم في مقامهم حر الشمس مع وهج أنفاسهم و تزاحم أجسامهم ففاض العرق منهم على وجه الأرض ، ثم على أقدامهم ، ثم على قدر مرابتهم و منازلهم عند ربهم من السعادة و الشقاء ، فمنهم من يبلغ العرق منكبيه و حقويه ، و منهم إلى شحمة أذنيه ، و منهم من قد ألجمه العرق فكاد أن يغيب فيه .
قلت : ذكر المحاسبي و غيره أن انفطار السماء انشقاقها بعد جمع الناس في الموقف و قد قدمنا أن ذلك يكون قبل ذلك و هو ظاهر القرآن كما ذكرنا و الله اعلم و قد جاء ذلك مرفوعاً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه و قد تقدم .
و ما ذكره المحاسبي مروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم و زيد في سعتها كذا و كذا ، و جمع الخلائق بصعيد واحد جهنم و إنسهم ، فإذا كان ذلك قبضت هذه السماء عن أهلها فينتشرون على وجه الأرض فلأهل السماء أكثر من أهل جميع الأرض جهنم و إنسهم بالضعف .
الحديث بطول ما ذكره ابن المبارك في رقائقه . قال : أخبرنا عوف عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي قال ، أخبرنا شهر بن حوشب . قال : حدثني ابن عباس فذكره . قال ابن المبارك و أخبرني جويبر عن الضحاك قال : إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها فتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمر الرب فينزلون إلى الأرض فيحيطون بالأرض و من فيها ، ثم يأمر السماء التي تليها فينزلون فيكونون صفاً خلف ذلك الصف ثم السماء الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فينزل الملك الأعلى في بهائه و جلاله و ملكه و بجنبته اليسرى جهنم فيسمعون زفيرها و شهيقها فلا يأتون قطراً من أقطارها إلا وجدوا صفوفاً قياماً من الملائكة فذلك قوله تعالى يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات و الأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان و السلطان العذر و ذلك قوله عز و جل و جاء ربك و الملك صفاً صفاً و قال و انشقت السماء فهي يومئذ واهية * و الملك على أرجائها يعني على حافاتها يعني بأرجائها ما تشفق منها ، فبيناهم كذلك إذ سمعوا الصوت فأقبلوا إلى الحساب .
قلت : و لا يصح إسنادهما ، فإن شهراً و جبيراً قد تكلم فيها و ضعفوهما .
قال البخاري في التاريخ جويبر بن سعيد البلخي عن الضحاك قال لي علي ، قال يحيى : كنت أعرف جويبراً بحديثين ، ثم أخرج هذه الأحاديث بعد فضعفه ، و أما شهر فقال مسلم في صدر كتابه سئل ابن عوف عن حديث شهر و هو قائم على أسكفة الباب ، فقال : إن شهراً تركوه . قال مسلم : يقول أخذته ألسنة الناس تكلموا فيه ، و قال عن شعبة و قد لقيت شهراً فلم أعتد به .
و ذكر أبو حامد في كتاب كشف علم الآخرة نحواً مما ذكر المحاسبي عن ابن عباس رضي الله عنه و الضحاك فقال إن الخلائق إذا اجتمعوا في صعيد واحد الأولين و الآخرين أمر الجليل جل و جلاله بملائكة سماء الدنيا أن يتولوهم فيأخذ كل واحد منهم إنساناً و شخصاً من المبعوثين إنساً و جناً و وحشاً و طيراً و حولوهم إلى الأرض الثانية ، و هي أرض بيضاء من فضة نورية ، و صارت الملائكة من وراء العالمين حلقة واحدة ، فإذا هم أكثر من أهل الأرض بعشر مرات ، ثم إن الله سبحانه و تعالى يأمر ملائكة السماء الثانية فيحدقون بهم واحدة فإذا هم مثلهم عشرين مرة ثم تنزل ملائكة السماء الثالثة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة ، فإذا هم أكثر منهم ثلاثين ضعفاً ، ثم تنزل ملائكة السماء الرابعة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة أكثر منهم بأربعين صفاً ، ثم تنزل ملائكة السماء الخامسة فيحدقون من ورائهم حلقة واحدة فيكونون مثلهم خمسين مرة ، ثم تنزل ملائكة السماء السادسة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة و هم مثلهم ستين مرة ، ثم تنزل ملائكة السماء السابعة فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة و هم مثلهم سبعين مرة و الخلق تتداخل و تندمج حتى يعلو القدم ألف قدم لشدة الزحام ، و تخوض الناس في العرق على أنواع مختلفة إلى الأذقان و إلى الصدر و إلى الحقوين و إلى الركبتين ، و منهم من يصيبه الرشح اليسير كالقاعد في الحمام ، و منهم من تصيبه البلة كالعاطش إذا شرب الماء ، و كيف لا يكون القلق و العرق و الأرق و قد قربت الشمس من رؤوسهم حتى لو مد أحدهم يده لنالها ، و يضاعف حرها سبعين مرة .
و قال بعض السلف لو طلعت الشمس على الأرض كهيتئها يوم القيامة لأحرقت الأرض و ذابت الصخر و جفت الأنهار ، فبينما الخلائق يموجون في تلك الأرض البيضاء التي ذكرها الله تعالى حيث يقول : يوم تبدل الأرض غير الأرض و هم على أنواع في المحشر على ما تقدم في حديث معاذ ، و الملوك كالذر كما قد ورد في الخبر في وصف المتكبرين و ليس هم كهيئة الذر غير أن الأقدام عليهم حتى صاروا كالذر في مذلتهم و انخفاضهم ، و قوماً يشربون ماء بارداً عذباً صافياً ، لأن الصبيان يطوفون على آبائهم بكؤوس من أنهار الجنة يسقونهم .
و عن بعض السلف أنه نام فرأى القيامة قد قامت ، و كأنه في الموقف عطشان و صبيان صغار يسقون الناس قال : فناديتهم ناولوني شربة ، فقال لي واحد منهم ألك فينا ولد ؟ فقلت : لا . فقال : فلا إذاً و لهذا فضل التزويج . و لهذا الولد الساقي شروط ذكرناها في الإحياء ، و قوم قدموا على رؤوسهم ظل يمنعهم من الحر و هي الصدقة الطيبة لا يزالون كذلك ألف عام حتى إذا سمعوا نقر الناقور الذي وصفناه في كتاب الإحساء و هو بعض أسرار القرآن فتوجل له القلوب و تخشع الأبصار لعظيم نقره ، و تشتاف الرؤوس من المؤمنين ، و الكافرين يظنون أن ذلك عذاب يزداد بهم في هول يوم القيامة ، فإذا بالعرش تحمله ثمانية أملاك قدم الملك منهم مسيرة عشرين ألف سنة ، و أفواج الملائكة و أنواع الغمام بأصوات التسبيح ، لهم هرج عظيم لا تطيقه العقول حتى يستقر العرش في تلك الأرض البيضاء التي خلقها الله تعالى لهذا الشأن خاصة ، فتطرق الرؤوس و تخنس و تشفق البرايا و ترعب الأنبياء و تخاف العلماء و تفزع الأولياء و الشهداء من عذاب الله سبحانه الذي لا يطيق شيء إذ غشاهم نور حتى غلب عليه نور الشمس التي كانوا في حرها فلا يزالون يموج بعضهم في بعض ألف عام و الجليل سبحانه لا يكلمهم كلمة واحدة ، فحينئذ يذهب الناس إلى آدم فيقولون : يا أبا البشر الأمر علينا شديد ، و أما الكافر فيقول : يا رب أرحني و لو إلى النار من شدة ما يرى من الهول . يقولون : أنت الذي خلقك الله بيده و أسجد لك ملائكته و نفخ فيك من روحه اشفع لنا في فصل القضاء ، و ذكر أمر الشفاعة من نبي إلى نبي و أن ما بين إتيانهم من نبي إلى نبي ألف عام حتى تنتهي الشفاعة إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم على ما يأتي بيانه من أمر الشفاعة في أحاديث إن شاء الله تعالى ، و نحو من هذا ذكره الفقيه أبو بكر بن برجان في كتاب الإرشاد له قال : فإذا كان يومئذ جمع الله الأولين و الآخرين في صعيد واحد و كورت الشمس و انكدرت النجوم و مارت السماء فوق الخلائق موراً ، و تفطرت من عظيم هول ذلك اليوم ، و تشققت بالغمام المنزل من عليهن فوقهن ، ثم صارت وردة كالدهان و كشطن سماء سماء ، و نزلت الملائكة تنزيلاً ، و قام الخلائق و طال قيامهم أقل ما قيل في قيامهم مقدار أربعين عاماً إلى ثلاثمائة عام ، و أياماً كان فاليوم يسعه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من صاحب إبل الحديث و فيه وردت عليها أولاها . في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، و سيأتي بكماله و هم في قيامهم ذلك في الظلمة دون الجسر كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان عراة غرلاً . أعطش ما كانوا و أجوع ما كانوا عليه قط عراة فلا يسقى ذلك اليوم إلا من سقى لله عز و جل ، و لا يطعم إلا من أطعم لله ، و لا يكسى يومئذ إلا من كسا لله ، و لا يكفى إلا من اتكل على الله . و مصداق هذا من كتاب الله عز و جل قوله الحق يوفون بالنذر إلى قوله تعالى : فوقاهم الله شر ذلك اليوم أي من إزالة الجوع و العطش و العرى إلى غير ذلك من أهوال القيامة و أفزاعها على ما يأتي بيانه في هذا الباب الذي يليه .
أبو بكر بن أبي شيبة ، عن أبي معاوية ، عن عاصم ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين . قال : فيعرفون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ، ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل قال سلمان : حتى يقول الرجل غرغر ، فإذا رأوا ما هم فيه قال بعضهم لبعض : ألا ترون ما أنتم فيه ائتوا أباكم آدم فيشفع لكم . الحديث بطوله ، و سيأتي مرفوعاً من حديث أبي هريرة ، و أخرجه ابن المبارك قال : أنبأنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال : تدنى الشمس من الناس يوم القيامة حتى تكون من رؤوسهم قاب قوسين فتعطى حر عشر سنين و ليس على أحد يومئذ طحرية و لا يرى فيها عورة مؤمن و لا مؤمنة لا يضر حرها يومئذ مؤمنا و لا مؤمنة و أما الآخرون أو قال الكفار فتطبخهم طبخاً فإنما تقول أجوافهم : [ غق غق ] قال نعيم : الطحرية : الخرقة . و أخرجه هناد بن السري ، حدثنا قبيضة عن سفيان عن سليمان التيمي فذكره سواء إلا أنه قال [ و لا يجد حرها ] بدل [ و لا يضر ] و قال [ و أما الكافر أو الآخرون فتطبخهم طبخاً حتى يسمع لأجوافهم غق غق ] .
مسلم عن سليم بن عامر ، عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل قال سليم بن عامر فو الله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين قال [ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، و منهم من يكون إلى ركبتيه ، و منهم من يكون إلى حقويه ، و منهم من يلجمه إلجاماً ] قال : و أشار رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده إلى فيه ، و أخرجه الترمذي و زاد قوله تكحل به العين فتصهرهم الشمس .
و ذكر ابن المبارك ، أخبرنا مالك بن مغول ، عن عبيد الله بن العيزار قال : إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن و السعيد الذي يجد لقدميه موضعاً يضعهما عليه ، و إن الشمس تدنى من رؤوسهم حتى لا يكون بينها و بين رؤوسهم إما قال ميلاً أو ميلين ثم يزاد في حرها بضعة و ستون ضعفاً ، و عند الميزان ملك إذا وزن العبد نادى ألا إن فلان بن فلان قد ثقلت موازينه و سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً . ألا فلان ابن فلان قد خفت موازينه و شقى شقاء لا يسعد بعده أبداً .
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعاً و إنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو آذانهم يشك ثور أيهما قال : أخرجه البخاري ، و عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه و سلم يوم يقوم الناس لرب العالمين قال : يوم يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه أخرجه البخاري و الترمذي و قال : حديث صحيح مرفوعاً و موقوفاً .
و روى هناد بن السري قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن المكتب ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال له رجل إن أهل المدينة ليوفون الكيل يا أبا عبد الرحمن . قال : و ما يمنعهم أن يوفوا الكيل .
و قد قال الله تعالى ويل للمطففين حتى بلغ يوم يقوم الناس لرب العالمين .
قالت : إن العرق ليبلغ أنصاف آذانهم من هول يوم القيامة و عظمه .
و خرج الوائلي من حديث ابن وهب قال : حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ، عن ابن هانئ ، عن أبي عبد الرحمن الحيلي ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية يوم يقوم الناس لرب العالمين ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف بكم إذا جمعكم الله عز و جل كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم ؟ قال الوائلي غريب جيد الإسناد .
و قد خرج مسلم لابن وهب عن أبي هانئ نفسه عن الحيلي عن عبد الله أحاديث ابن المبارك قال : أخبرنا الأوزاعي قال : سمعت بلال بن سعيد يقول : إن للناس يوم القيامة جولة و هو قوله عز و جل يقول الإنسان يومئذ أين المفر و قوله : لو ترى إذ فزعوا فلا فوت و في حديث جويبر عن الضحاك : فينزل الملك و مجنبته اليسرى جهنم فيسمعون زفيرها و شهيقها فلا يأتون قطراً من أقطارها إلا وجدوا صفوفاً قياماً من الملائكة فذلك قوله : يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات و الأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان و السلطان العذر و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خوفني جبريل من يوم القيامة حتى أبكاني فقلت يا جبريل ألم يغفر لي ربي ذنبي ما تقدم و ما تأخر ؟ فقال لي يا محمد لتشهدن من هول ذلك اليوم أحدهما ينسيك المغفرة . ذكره أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله .
فصل : قلت : ظاهر ما رواه ابن المبارك عن سلمان أن الشمس لا يضر حرها مؤمن و لا مؤمنة العموم في المؤمنين و ليس كذلك لحديث المقداد المذكور بعده ، و إنما المراد لا يضر حرها مؤمناً كامل الإيمان أو من استظل بظل عرش الرحمن كما في الحديث الصحيح سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الحديث رواه الأئمة مالك و غيره و سيأتي في الباب بعد هذا .
و كذلك ما جاء أن المرء في ظل صدقته و كذلك الأعمال الصالحة أصحابها في ظلها إن شاء الله ، و كل ذلك من ظل العرش و الله أعلم .
و أما غير هؤلاء فمتفاوتون في العرق على ما دل عليه حديث مسلم ، قال ابن العربي : و كل واحد يقوم عرقه معه فيغرق فيه إلى أنصاف ساقيه و إلى جانبيه مثلاً يمين من يبلغ كعيبه ، و من الجهة الشمال من يبلغ ركبتيه ، و من أمامه من يكون عرقه إلى نصفه ، ومن خلفه من يبلغ العرق صدره ، و هذا خلاف المعتاد في الدنيا فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتدلة أخذهم الماء أخذاً واحداً و لا يتفاوتون ، كما ذكرنا مع استواء الأرض و مجاورة المحل ، و هذا من القدرة التي تخرق العادات في زمن الآيات .
و قال الفقيه أبو بكر بن برجان في كتاب الإرشاد له : و لا يبعدون عليك هذا يرحمك الله أن يكون الناس كلهم في صعيد واحد و موقف سواء يشرب أحدهم أو بعض من الحوض و لا يشرب الغير ، و يكون النور يسعى بين يدي البعض في الظلمات مع قرب المكان و ازدحام الناس ، و يكون أحدهم يغرق في عرقه حتى يلجمه أو يبلغ منه عرقه ما شاء الله جزاء لسعيه في الدنيا و الآخرة في ظل العرش على قرب المكان و المجاورة ، كذلك كانوا في الدنيا يمشي المؤمن بنور إيمانه في الناس و الكافر في ظلام كفره ، و المؤمن في وقاية الله و كفايته و الكافر و العاصي في خذلان الله لهما و عدم العصمة ، و المؤمن السني يكرع في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و يروى ببرد اليقين و يمشي في سبل الهداية بحسن الاقتداء و المبتدع عطشان إلى ما روى المؤمن به حيران لا يشعر سالك في مسالك ضلالات البدع و هو لا يدري ، كذلك في الوجود الأعمى لا يجد نور بصر البصير و لا ينفعه دواء إنما هي بواطن و ظواهر بطنت فتشعر لذلك و تفطن و استعن بالله يعنك ، و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل .
و قال أبو حامد : و اعلم أن كل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج و جهاد و صيام و قيام و تردد في قضاء حاجة مسلم و تحمل مشقة في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، فسيخرجه الحياء و الخوف في صعيد القيامة و يطول فيه الكرب ، و لو سلم ابن آدم من الجهل و الغرر لعلم أن تعب العارف في تحمل مصاعب الدنيا أهون أمراً و أقصر زماناً من عرق الكرب و الانتظار في القيامة ، فإنه يوم عظيم شديد طويل مدته .
و ذكر أبو نعيم عن أبي حازم أنه قال : لو نادى مناد من السماء أمن أهل الأرض من دخول النار لحق عليهم الوجل من هول ذلك الموقف و معاينة ذلك اليوم .