باب في إرضاء الله تعالى الخصوم يوم القيامة
 
روينا في الأربعين و ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم جالس إذ رأيته ضحك حتى بدت ثناياه ، فقيل له : مم تضحك يا رسول الله ؟ قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي ربي عز و جل فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من أخي ، فقال الله تعالى : أعط أخاك مظلمته فقال يا رب ما بقي من حسناتي شيء ، فقال يا رب فليحمل من أوزاري و فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قال إن ذلك اليوم ليوم يحتاج الناس فيه إلى أن تحمل عنهم أوزارهم ، ثم قال الله تعالى للطالب حقه ارفع بصرك فانظر إلى الجنان فرفع بصره ما أعجبه من الخير و النعمة فقال : لمن هذا يا رب ؟ فقال : لمن أعطاني ثمنه . قال و من يملك ثمن ذلك ؟ قال أنت . قال : بم إذاً ؟ قال بعفوك عن أخيك . قال يا رب فإني قد عفوت عنه . قال خذ بيد أخيك فأدخله الجنة . ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فاتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة .
و عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : يجيء المؤمن يوم القيامة قد أخذه صاحب الدين فيقول ديني على هذا فيقول الله تعالى أنا أحق من قضى عن عبدي قال : فيرضى هذا من دينه و يغفر لهذا . و قال ابن أبي الدنيا ، و حدثني عبد الله بن محمد بن إسماعيل قال ، بلغني أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه بيعني ما يتحمل المتحملون من أجلي ، و ما يكابدون في طلب مرضاتي أتراني أنسى لهم عملاً كيف و أنا أرحم الراحمين بخلقي . لو كنت معاجلاً بالعقوبة أحداً أو كانت العقوبة من شأني لعاجلت بها القانطين من رحمتي و لو يرى عبادي المؤمنون كيف استوهبهم ممن ظلموه ثم أحكم لمن وهبهم بالخلد المقيم في جواري إذاً ما اتهموم فضلي و كرمي .
فصل : قلت : و هذا لبعض الناس ممن أراد الله بها أن لا يعذبه بل يعفو عنه و يغفر له و يرضى عنه خصمه و قد يكون هذا في الظالمين الأوابين و هو قوله تعالى إنه كان للأوابين غفوراً و الأواب : الذي أقلع عن الذنب فلم يعد إليه . كذا تأوله أبو حامد ، و هو تأويل حسن أو يكون ذلك فيمن يكون له خبيثة حسنة من عمل صالح يغفر الله له به و يرضى خصماؤه كما تقدم ، و ظاهر حديث أنس الخصوص بذينك الرجلين لقوله رجلان ، و لفظ التثنية لا يقتضي الجمع إلا ما روي في الحديث : مثل المنافق كالشاة العابرة بين الغنمين خرجه مسلم و ليس هذا موضعه ، و لو كان ذلك في جميع الناس ما دخل أحد النار ، و كذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ينادي مناد من تحت العرش يوم القيامة يا أمة محمد أما ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم و بقيت التبعات فتواهبوها و ادخلوا الجنة برحتمي ما دخل أحد النار و هذا واضح فتأمله .