أبواب الميزان باب ما جاء في الميزان و أنه حق
 
قال الله تعالى و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً و قال فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * و أما من خفت موازينه * فأمه هاوية . قال العلماء : و إذا انقضى الحساب كان بعد وزن الأعمال لأن الوزن للجزاء فينبغي أن يكون بعد المحاسبة فإن المحاسبة لتقدير الأعمال و الوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها . قال الله تعالى و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً الآية .
و قال فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * و أما من خفت موازينه إلى آخر السورة .
و قال و من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم الآيتين . في الأعراف و المؤمنين .
و هذه الآيات إخبار لوزن أعمال الكفار لأن عامة المعنيين بقوله خفت موازينه في هذه الآيات هم الكفار و قال في سورة المؤمنين فكنتم بها تكذبون و في الأعراف بما كانوا بآياتنا يظلمون و قال فأمه هاوية و هذا الوعيد بإطلاقه للكفار ، و إذا جمع بينه و بين قوله و إن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين ثبت أن الكفار يسألون عما خالفوا فيه الحق من أصل الدين و فروعه إذ لم يسألوا عما خالفوا فيه أصل دينهم من ضروب تعاطيهم و لم يحاسبوا به و لم يعتد بها في الوزن أيضاً ، فإذا كانت موزونة دل على أنهم يحاسبون بها وقت الحساب ، و في القرآن ما يدل أنهم مخاطبون بها مسؤولون عنها محاسبون بها مجزيون على الإخلال بها لأن الله تعالى يقول : وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة فتوعدهم على منعهم الزكاة و أخبر عن المجرمين أنهم يقال لهم ما سلككم في سقر الآية . فبان بهذا أن المشركين مخاطبون بالإيمان و البعث و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة ، و أنهم مسؤولون عنها محتسبون مجزيون على الإخلال بها .
و في البخاري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة و اقرأوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً .
قال العلماء : معنى هذا الحديث أنه لا ثواب لهم و أعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن في موازين يوم القيامة ، و من لا حسنة له فهو في النار . قال أبو سعيد الخدري : يؤتى بأعمال كجبال تهامة فلا تزن شيئاً . و قيل : يحتمل أن يريد المجاز و الاستعارة كأنه قال : فلا قدر لهم عندنا يومئذ و الله أعلم . و فيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه لما في ذلك من تكلف المطاعم و الاشتغال بها عن المكارم ، بل يدل على تحريم كثرة الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه و السمن و قد قال صلى الله عليه و سلم إن أبغض الرجال إلى الله الحبر السمين .