باب ذكر الصراط الثاني و هو القنطرة التي بين الجنة و النار
 
اعلم رحمك الله أن في الآخرة صراطين : أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم و خفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب أو من يلتقطه عنق النار فإذا خلص من هذا الصراط الأكبر الذي ذكرناه و لا يخلص منه إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم حسبوا على صراط آخر خاص لهم و لا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء الله لأنهم قد عبروا ا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يسقط فيها من أوبقه ذنبه و أربى على الحسنات بالقصاص جرمه .
البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخلص المؤمنون من النار فيحسبون على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا و نقوا أذن لهم في دخول الجنة ، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم بمنزله في الجنة منه بمنزله كان له في الدنيا .
فصل : قلت : معنى يخلص المؤمنون من النار أي يخلصون من الصراط المضروب على النار ، و دل هذا الحديث على أن المؤمنين في الآخرة مختلفو الحال قال مقاتل : إذا قطعوا جسر جهنم حسبوا على قنطرة بين الجنة و النار ، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا و طيبوا قال لهم رضوان و أصحابه سلام عليكم بمعنى التحية طبتم فادخلوها خالدين .
و قد ذكر الدراقطني حديثاً ذكر فيه : أن الجنة بعد الصراط .
قلت : و لعله أراد بعد القنطرة بدليل حديث البخاري و الله أعلم . أو يكون ذلك في حق من دخل النار و خرج بالشفاعة فهؤلاء لا يحبسون بل إذا خرجوا بثوا على أنهار الجنة على ما يأتي بيانه في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى .
و قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أصحاب الجنة محبوسون على قنطرة بين الجنة و النار يسألون عن فضول أموال كانت بأيديهم . و لا تعارض بين هذا و بين حديث البخاري ، فإن الحديثين مختلفا المعنى لاختلاف أحوال الناس ، و كذلك لا تعارض بين قوله عليه السلام لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة و بين قول عبد الله بن سلام إن الملائكة تدلهم على
طريق الجنة يميناً و شمالاً ، فإن هذا يكون فيمن لم يحبس على قنطرة و لم يدخل النار فيخرج منها فيطرح على باب الجنة . و قد يحتمل أن يكون ذلك في الجميع ، فإذا وصلت بهم الملائكة إلى باب الجنة كان كل أحد منهم أعرف بمنزلة في الجنة و موضعه فيها منه بمنزله كان في الدنيا و الله أعلم و هو معنى قوله و يدخلهم الجنة عرفها لهم قال أكثر أهل التفسير : إذا دخل أهل الجنة الجنة يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم .
و قيل : إن هذا التعريف إلى المنازيل بدليل ، و هو أن الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه و حديث أبي سعيد الخدري يرده و الله أعلم .