باب من دخل النار من الموحدين مات و احترق ثم يخرجون بالشفاعة
 
مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها و لا يحيون و لكن ناساً أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن لهم في الشفاعة فيجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم ، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل فقال رجل من القوم كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كان يرعى الغنم بالبادية .
فصل : هذه الموتة للعصاة موتة حقيقية لأنه أكدها بالمصدر ، و ذلك تكريماً لهم حتى لا يحسوا ألم العذاب بعد الاحتراق بخلاف الحي الذي هو من أهلها و مخلد فيها كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و قيل : يجوز أن تكون إماتتهم عبارة عن تغيبه إياهم عن آلامها بالنوم ، و لا يكون ذلك موتاً على الحقيقة ، فإن النوم قد يغيب عن كثير من الآلام و الملاذ ، و قد سماه الله موتاً . فقال الله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فهو وفاة و ليس بموت على الحقيقة الذي هو خروج الروح عن البدن ، و كذلك الصعقة قد عبر الله بها الموت في قوله تعالى فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله .
و أخبر عن موسى عليه السلام أنه خر صعقاً و لم يكن ذلك موتاً على الحقيقة غير أنه لما غيب عن أحوال المشاهدة من الملاذ و الآلام جاز أن يسمى موتاً ، و كذلك يجوز أن يكون أماتهم غيبهم عن الآلام و هم أحياء بلطيفة يحدثها الله فيهم ، كما غيب النسوة اللاتي قطعن أيديهن بشاهد ظهر لهن فغيبهن فيه عن آلامهن ، و التأويل الأول أصح لما ذكرناه على الحقيقة كما أن أهلها أحياء على الحقيقة و ليسوا بأموات .
فإن قيل : فما معنى إدخالهم النار و هم فيها غير عالمين ؟ قيل : يجوز أن يدخلهم تأديباً لهم و إن لم يعذبهم فيها ، و يكون صرف نعيم الجنة عنهم مدة كونهم فيها عقوبة لهم كالمحبوسين في السجون ، فإن الحبس عقوبة لهم و إن لم يكن معه غل و لا قيد و الله أعلم . و سيأتي لهذا مزيد بيان في أبواب النار إن شاء تعالى .
و قوله : ضبائر ضبائر معناه جماعات جماعات الواحدة ضبارة بكسر الضاد و هي الجماعة من الناس . و بثوا : فرقوا . و الحبة بكسر الحاء بزر البقول و حميل السيل ما احتمله من غثاء و طين . و سيأتي إن شاء الله تعالى .