باب فيمن يشفع لهم قبل دخول النار من أجل أعمالهم الصالحة و هم أهل الفضل في الدنيا
 
ذكر أبو عبد الله محمد بن ميسرة الجبلي القرطبي في كتاب التبيين له . روى أبي و ابن وضاح من حديث أنس يرفعه قال : يصف أهل النار فيقرنون فيمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول الرجل منهم يا فلان : أما تذكر رجلاً سقاك شربة ماء يوم كذا و كذا ؟ فيقول : إنك لأنت هو . قال : فيقول نعم . قال فيشفع فيه فيشفع و يقول الرجل منهم يا فلان لرجل من أهل الجنة : أما تذكر رجلاً وهب لك وضوءاً يوم كذا و كذا ؟ . فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه .
قلت : أخرجه ابن ماجه في سننه بمعناه قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير و علي بن محمد قالا : حدثنا الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يصف الناس يوم القيامة صفوفاً و قال ابن نمير أهل الجنة فيمر الرجل من أهل النار على الرجل من أهل الجنة فيقول يا فلان : أما تذكر يوم استسقيتني فسقيتك شربة ؟ قال : فيشفع له ، و يمر الرجل على الرجل فيقول : أما تذكر يوم ناولتك طهوراً فيشفع له . قال ابن نمير و يقول يا فلان أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا و كذا فذهبت لك فيشفع له .
و خرج أبو نعيم الحافظ بإسناده عن الثوري ، حدثنا الأعمش ، عن شفيق عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليوفيهم أجورهم يوم القيامة و يزيدهم من فضله قال : أجورهم يدخله الجنة و يزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا .
و ذكر أبو جعفر الطحاوي أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الجنة صفوفاً ، و أهل النار صفوفاً ، فينظر الرجل من صفوف أهل النار إلى الرجل من صفوف أهل الجنة فيقول يا فلان : تذكر يوم اصطنعت معروفاً إليك ؟ فيقول : اللهم إن هذا اصطنع إلي في الدنيا معروفاً قال فيقال له خذ بيده و أدخله الجنة برحمة الله عز و جل ، قال أنس رضي الله عنه أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوله .
قال أبو عبد الله محمد بن ميسرة : و رأيت في الكتاب الذي يقال إنه الزبور [ إني أدعو عبادي الزاهدين يوم القيامة فأقول لهم : عبادي إني لم أزو عنكم الدنيا لهواتكم علي ، و لكن أردت أن تستوفوا نصيبكم موفوراً اليوم ، فتخللوا الصفوف فمن أحببتموه في الدنيا أو قضى لكم حاجة أو رد عنكم غيبة أو أطعمكم لقمة ابتغاء وجهي و طلب مرضاتي فخذوا بيده و أدخلوه الجنة ] .
فصل : و ذكر أبو حامد في آخر كتاب الآحياء . قال أنس رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رجلا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار فيناديه رجل من أهل النار و يقول يا فلان هلى تعرفني ؟ فيقول : لا و الله ما أعرفك . من أنت ؟ فيقول : أنا الذي مررت بي في الدنيا يوماً فاستسقيتني شربة ماء فسقيتك . قال : قد عرفت . قال فاشفع لي بها عن ربك فيسأل الله تعالى و يقول : إني أشرفت على أهل النار فناداني رجل من أهلها فقال هل تعرفني ، فقلت : لا . من أنت ؟ قال أنا الذي استسقيتني في الدنيا فسقيتك فاشفع لي بها فشفعني . فيشفعه الله تعالى فيؤمر به فيخرج من النار . و الله تعالى أعلم .