باب في الشافعين لمن دخل النار و ما جاء أن النبي صلى الله عليه و سلم يشفع رابع أربعة و ذكر من يبقى في جهنم بعد ذلك
 
ابن ماجه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء .
و ذكر ابن السماك أبو عمرو عثمان بن أحمد قال : حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان قال : أخبرنا علي بن عاصم قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي الزعراء قال : قال عبد الله بن مسعود يشفع نبيكم رابع أربعة : جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم صلى الله عليه و سلم ثم الملائكة ثم النبيون ثم الصديقون ثم الشهداء ، و يبقى قوم من جهنم فيقال لهم ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * و لم نك نطعم المسكين إلى قوله : فما تنفعهم شفاعة الشافعين قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : فهؤلاء الذين يبقون في جهنم .
قال المؤلف رحمه الله : و قيل إن هذا هو المقام المحمود لنبينا صلى الله عليه و سلم خرجه أبو داود الطيالسي قال ، حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله قال : ثم يأذن الله عز و جل في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل عليه الصلاة و السلام ، ثم يقوم إبراهيم خليل الله صلى الله عليه و سلم ، ثم يقوم موسى أو عيسى عليه السلام . قال أبو الزعراء : لا أدري أيهما قال ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه و سلم رابعاً فيشفع لا يشفع لأحد بعده في أكثر مما يشفع و هو المقام المحمود الذي قال الله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً .
ابن ماجه ، عن عبد الله بن أبي الجدعاء أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم قالوا : يا رسول الله : سواك ؟ قال : سواي قلت : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : أنا سمعته أخرجه الترمذي و قال : حديث حسن صحيح غريب . و لا نعرف لابن الجدعاء غير هذا الحديث الواحد .
قال المؤلف رحمه الله : و خرجه البيهقي في دلائل النبوة و قال في آخره قال عبد الوهاب الثقفي ، قال هشام بن حيان كان الحسن يقول إنه أويس القرني ، و ذكر ابن السماك قال : حدثنا يحيى بن جعفر ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن عبد الله بن ميسرة و حبيب بن عدي الرحبي ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل أحد الحيين : ربيعة و مضر قال قيل يا رسول الله و ما ربيعة من مضر ؟ قال إنما أقول ما أقول قال : فكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان .
الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن من أمتي من يشفع للفئام ، و منهم من يشفع للقبيلة ، و منهم من يشفع للعصبة ، و منهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة قال : حديث حسن .
و ذكر البزار في مسنده عن ثابت أنه سمع أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الرجل ليشفع للرجلين و الثلاثة و ذكر القاضي عياض في الشفاء عن كعب : [ أن لكل رجل من الصحابة رضي الله عنهم شفاعة ] ذكره ابن المبارك قال : أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يكون في أمتي رجل يقال له : صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا و كذا .
فصل : إن قال قائل : كيف تكون الشفاعة لمن دخل النار ، و الله تعالى يقول إنك من تدخل النار فقد أخزيته و قال : و لا يشفعون إلا لمن ارتضى و قال : و كم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى و من ارتضاء الله لا يخزيه . قال الله تعالى يوم لا يخزي الله النبي و الذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم الآية ؟ قلنا : هذا مذهب أهل الوعيد الذين ضلوا عن طريق ، و حادوا عن التحقيق .
و أما مذهب أهل السنة الذين جمعوا بين الكتاب و السنة ، فإن الشفاعة تنفع العصاة العصاة من أهل الملة ، حتى لا يبقى منهم أحد إلا دخل الجنة . و الجواب عن الآية الأولى ما قاله أنس بن مالك رضي الله عنه أن معنى من تدخل النار من يخلد . و قال قتادة : يدخل مقلوب يخلد و لا تقول كما قال أهل حروراء فيكون قوله على هذا فقد أخزيته على بابه من الهلاك أي أهلتكه و أبعدته و مقته . و بهذا قال سعيد بن المسيب ، فإن الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار . دليله قوله في آخر الآية و ما للظالمين من أنصار أي الكفار .
و إن قدرنا الآية في العصاة من الموحدين ، فيحتمل أن يكون الخزي بمعنى الحياء . يقال : خزي يخزي خزاية إذا استحي فهو خزيان و امرأة خزناية . كذا قال أهل المعاني فخزي المؤمنين يومئذ : استحياؤهم في دخول النار من سائر أهل الأديان إلى أن يخرجوا منها . و الخزي للكافرين هو هلاكهم فيها من غير موت و المؤمنون يموتون ، فافترقوا في الخزي و الهوان ، ثم يخرجون بشفاعة من أذن الله له في الشفاعة و برحمة الرحمن و شفاعته على ما يأتي في الباب بعد هذا ، و عند ذلك يكونون مرضيين قد رضي عنهم ، ثم لا يأتي الإذن في أحد حتى يرضى لا يبقى عليه من قصاص ذنبه إلا ما تجيزه الشفاعة فيؤذن فيه فيلحق بالفائزين الراضين ، و الحمد لله رب العالمين .
و أما قوله تعالى : يوم لا يخزي الله النبي و الذين آمنوا معه فمعناه : لا يعذبه و لا يعذب الذين آمنوا و إن عذب العصاة و أماتهم فإنهم يخرجهم بالشفاعة و برحمته على ما يأتي بيانه في الباب بعد هذا ، و الله أعلم .