باب ما جاء أن في جهنم جبالاً و خنادق و أودية و بحاراً و صهاريج و آبارً و جباباً و تنانير و سجوناً و بيوتاً و جسوراً و قصوراً و أرحاء و نواعير و حيات أجارنا الله منها و في وعيد من شرب الخمر و المسكر و غيره
 
الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الصعود جبل من نار يصعد فيه الكافر سبعين خريفاً و يهوي فيه كذلك أبداً قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .
و قد تقدم من حديث أنس : أن من مات سكران فإنه يبعث يوم القيامة سكران إلى خندق في وسط جهنم يسمى السكران و اختلف العلماء في تأويل قوله تعالى فويل فذكر ابن المبارك ، أخبرنا رشدين ابن سعد ، عن عمر بن الحارث أنه حدثه عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ويل : واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره .
و الصعود : جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك . قال : و أخبرنا سعيد بن أبي أيوب عن ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار قال : الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر ، لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره . قال : و أخبرنا سفيان عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض أنه قال : الويل : مسيل في أصل جهنم .
و ذكر ابن عطية في تفسيره عن أن الويل صهريج في جهنم من صديد أهل النار . قال : و حكى الزهراوي عن آخرين : أنه باب من أبواب جهنم .
و قال أبو سعيد الخدري : إنه واد بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفاً ، ذكره ابن عطية ، و قد تقدم رفعه .
و خرجه الترمذي أيضاً مرفوعاً عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الويل : واد في وسط جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث ابن لهيعة .
و قال ابن زيد في قوله تعالى و ظل من يحموم اليحموم : جبل في جهنم يستغيث إلى ظله أهل النار . لا بارد بل حار لأنه من دخان شفير جهنم . و لا كريم أي لا عذب ، عن الضحاك . و قال سعيد بن المسيب : و لا حسن منظره.
و ذكر ابن وهب ، عم مجاهد في قوله تعالى موبقاً قال : واد في جهنم يقال له موبق . و قال عكرمة : هو نهر في جهنم يسيل ناراً على حافتيه حيات مثل البغال الدهم ، فإذا سارت إليهم لتأخذهم استغاثوا منها بالاقتحام في النار . و قال أنس بن مالك : هو واد في جهنم من قيح و دم .
و قال نوف البكالي في قوله تعالى : وجعلنا بينهم موبقاً قال : واد في جهنم بين أهل الضلالة و بين أهل الإيمان .
و عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها سئلت عن قول الله عز و جل فسوف يلقون غياً قالت : نهر في جهنم .
و اختلفوا في الفلق في قوله تعالى قل أعوذ برب الفلق فروى ابن عباس أنه سجن في جهنم ، و قال كعب : هو بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره ، ذكره أبو نعيم .
و ذكر أبو نعيم عن حميد بن هلال قال : حدثت أن في جهنم تنانير ضيقها كضيق زج أحدكم في الأرض ، تضيق على قوم بأعمالهم .
ابن المبارك ، أخبرنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا ثعلبة بن مسلم ، عن أيوب بن بشير ، عن شقي الأصبحي قال : إن في جهنم جبلاً يدعى صعوداً ، يطلع فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يرقاه ، قال الله تعالى سأرهقه صعوداً و أن في جهنم قصراً يقال له هواء ، يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفاً قبل أن يبلغ أصله ، قال الله تعالى و من يحلل عليه غضبي فقد هوى . و أن في جهنم وادياً يدعى آثاماً ، فيه حيات و عقارب ، في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة من سم ، و العقرب منهن مثل البغلة المؤلفة ، تلدغ الرجل فلا تلهيه عما يجد من حر جهنم حمة لدغتها ، فهو لما خلق له ، و أن في جهنم سبعين داء لأهلها ، كل داء مثل جزء من أجزاء جهنم ، و أن في جهنم وادياً يدعى غياً ، يسيل قيحاً و دماً ، فهو لما خلق له ، قال الله تعالى فسوف يلقون غياً .
و روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة قال : حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في جهنم بحراً أسود مظلماً منتن الريح ، يغرق الله فيه من أكل رزقه و عبد غيره
و ذكر أبو نعيم ، عن محمد بن واسع قال : دخلت يوماً على بلال بن أبي بردة ، فقلت : يا بلال ، إن أباك حدثني عن جدك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن في جهنم وادياً يقال له لملم ، و لذلك الوادي بئر يقال له هبهب ، حق على الله تعالى أن يسكنها كل جبار ، فإياك أن تكون منهم .
ابن المبارك قال : حدثنا يحيى بن عبيد الله قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في جهنم وادياً يقال له لملم ، و إن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره .
مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : كل مسكر خمر ، وثلاثة غضب الله عليهم و لا ينظر إليهم و لا يكلمهم ، و هم في المنسا . و المنسا : بئر في جهنم : للمكذب بالقدر ، و المبتدع في دين الله ، و مدمن الخمر و ذكره الخطيب أبو بكر من حديث أحمد بن سليمان الخفاني القرشي ، الأسدي عن مالك.
و ذكر ابن وهب من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذر على صورة الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار ، فيساقون حتى يدخلوا سجناً في جهنم يقال له بولس ، يسقون من عصارة أهل النار من طينة الخبال أخرجه ابن المبارك .
أخبرنا محمد بن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس ، يغشاهم الذل من كل مكان ، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس ، تعلوهم نار الأنيار ، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال أخرجه الترمذي و قال : حديث حسن .
قلت : طينة الخبال عرق أهل النار أو عصارتهم شراب أيضاً لمن شرب المسكر ، جاء ذلك في صحيح البخاري .
و عن جابر : أن رجلاً قدم من جيشان ، و جيشان من اليمن ، فسأل النبي صلى الله عليه و سلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة ، يقال له المزر ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمسكر هو ؟ قال : نعم . قال : إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال . قالوا : يا رسول الله ، و ما طيتة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار .
وروي عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : المدينة مهاجري ، و فيها مضجعي ، و منها مخرجي ، حق على أمتي حفظ جيراني فيها ، من حفظ وصيتي كنت له شهيداً يوم القيامة ، و من ضيعها أورده الله حوض الخبال ، قيل : و ما حوض الخبال ؟ قال : حوض من صديد أهل النار . غريب من حديث خارجة بن زيد عن أبيه . لم يروه عنه غير أبي الزناد ، تفرد به عنه ابنه عبد الرحمن .
و روى الترمذي و أسد بن موسى ، عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تعوذوا بالله من جب الحزن ، فقيل يا رسول الله : و ما جب الحزن ؟ قال : واد في جهنم تتعوذ منه جهنم في كل يوم سبعين مرة ، أعده الله للقراء المرائين . و في رواية : أعده لله للذين يراءون الناس بأعمالهم .
و قال الترمذي في حديث أبي هريرة مائة مرة . قلنا : يا رسول الله ، و من يدخله ؟ : القراء المراءون بأعمالهم قال : حديث غريب . خرجه ابن ماجه أيضاً عن أبي هريرة و لفظه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تعوذوا بالله من جب الحزن . قالوا : يا رسول الله و ما جب الحزن ؟ قال : واد في جهنم تتعوذ منه جهنم في كل يوم أربعمائة مرة ، قيل : يا رسول الله ، من يدخله ؟ قال : أعد للقراء المرائين بأعمالهم ، و إن من أبغض القراء إلى الله تعالى الذين يزورون الأمراء .
قال المحاربي : الجورة .
و في حديث آخر ذكره أسد بن موسى أنه عليه السلام قال : إن في جهنم لوادياً إن جهنم لتتعوذ من شر ذلك الوادي في كل يوم سبع مرات ، و إن في ذلك الوادي لجباً ، إن جهنم و ذلك الوادي ليتعوذان بالله من شر ذلك الجب ، و إن في الجب لحية ، إن جهنم و الوادي و ذلك الجب ليتعوذان بالله من شر ذلك الحية أعدها الله للأشقياء من حملة القرآن .
و قال أبي هريرة : إن في جهنم أرجاء تدور بعلماء السوء فيشرف عليهم بعض من كان يعرفهم في الدنيا : فيقول : ما صيركم إلى هذا و إنما كنا نتعلم منكم ؟ قالوا : إنا كنا نأمركم بالأمر و نخالفكم إلى غيره .
قلت : و هذا مرفوع معناه في صحيح مسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه ، و سيأتي في من أمر بالمعروف و لم يأته .
و قال أبو المثنى الأملوكي : إن في النار أقواماً يربطون بنواعير من نار تدور بهم تلك النواعير ، ما لهم فيها راحة و لا فترة . و قال محمد بن كعب القرظي . إن لمالك مجلساً في وسط جهنم و جسوراً تمر عليها ملائكة العذاب ، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها . الحديث و سيأتي .