باب ما جاء في تعظيم جسد الكافر و أعضائه بحسب اختلاف كفره و توزيع العذاب على العاصي المؤمن بحسب أعمال الأعضاء
 
مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد ، و غلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع .
الترمذي عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن غلظ جلد الكافر إثنان و أربعون ذراعاً و إن ضرسه مثل أحد ، و إن مجلسه من جهنم كما بين مكة و المدينة . قال هذ حديث حسن صحيح غريب من حديث الأعمش . و في رواية : و فخذه مثل البيضاء ، و مقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة . أخرجه عن صالح مولى التؤامة عن أبي هريرة ، و قال : هذا حديث حسن غريب . و قال : مثل الربذة ، يعنى به كما بين مكة و المدينة . و البيضاء : جبل .
ابن المبارك ، أنبأنا يونس عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد ، يعظمون لتمتلىء منهم و ليذوقوا العذاب .
أخبرنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : ضرس الكافر مثل أحد ، و فخذه مثل البيضاء ، و جبينه مثل الورقان ، و مجلسه من النار كما بيني و بين الربذة ، و كثف بصره سبعون ذراعاً ، وبطنه مثل إضم إضم بالكسر ، جبل ، قاله الجوهري .
قلت : و الورقان جبل بالمدينة كما روي عن أنس بن مالك . قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم فلما تجلى ربه للجبل صار بعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بمكة : ثور ، و ثبير ، و حراء و بالمدينة : أحد ، و ورقان ، و رضوى .
و ذكر ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بصر الكافر ـ يعني غلظ جلده ـ سبعون ذراعاً ، و ضرسه مثل أحد في سائر خلقه . و ذكر عن عمرو بن ميمون أنه يسمع بين جلد الكافر و جسده دوي كدوي الوحش .
الترمذي ، عن أبي المخارق ، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الكافر ليسحب لسانه الفرسخ و الفرسخين يتوطؤه الناس .
مسلم عن سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال : منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ، و منهم من تأخذه إلى ركبتيه ، و منهم من تأخذه إلى حجزته ، و منهم من تأخذه إلى ترقوته . و في رواية : حقويه مكان حجزته .
فصل : هذا الباب يدلك على أن كفر من كفر فقط ، ليس ككفر من طغى و كفر و تمرد و عصى ، و لا شك في أن الكفار في عذاب جهنم متفاوتون كما قد علم من الكتاب و السنة ، و لأنا نعلم على القطع و الثبات أنه ليس عذاب من قتل الأنبياء و المسلمين و فتك فيهم و أفسد في الأرض و كفر مساوياً لعذاب من كفر فقط و أحسن للأنبياء و المسلمين . ألا ترى أبا طالب كيف أخرجه النبي صلى الله عليه و سلم إلى ضحضاح لنصرته إياه ، و ذبه عنه و إحسانه إليه ؟ و حديث مسلم عن سمرة يصح أن يكون في الكفار بدليل حديث أبي طالب ، و يصح أن يكون فيمن يعذب من الموحدين . إلا أن الله تعالى بميتهم إماتة حسب ما تقدم بيانه .
و في خبر كعب الأحبار : يا مالك ، مر النار لا تحرق ألسنتهم فقد كانوا يقرأون القرآن ، يا مالك قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم ، فالنار أعرف بهم و بمفدار استحقاقهم من الوالدة بولدها ، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه ، و منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه و منهم من تأخذه النار إلى سرته ، و منهم من تأخذه إلى صدره ، و ذكر الحديث و سيأتي بكماله إن شاء الله تعالى .
و ذكر القتبي في عيون الأخبار له مرفوعاً عن أبي هريرة أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله إذا قضى بين خلقه و زادت حسنات العبد دخل الجنة ، و إن استوت حسناته و سيئاته حبس على الصراط أربعين سنة ، ثم بعد ذلك يدخل الجنة ، و إن زادت سيئاته على حسناته دخل النار من باب التوحيد ، فيعذبون في النار على قدر أعمالهم . فمنهم من تنتهي له النار إلى كعبيه ، و منهم من تنتهي إلى ركبتيه ، و منهم من تنتهي النار إلى وسطه و ذكر الحديث .
و ذكر الفقيه أبو بكر بن برجان أن حديث مسلم في معنى قوله تعالى و لكل درجات مما عملوا و ليوفيهم أعمالهم و هم لا يظلمون قال : أرى ـ و الله أعلم ـ أن هؤلاء الموصوفين في هذه الآية و الحديث أهل التوحيد ، فإن الكافر لا تعاف النار منه شيئاً ، و كما اشتمل في الدنيا على الكفر شملته النار في الآخرة ، قال الله تعالى لهم من فوقهم ظلل من النار و من تحتهم ظلل ، أي أن ما فوقهم ظلل لهم ، و ما تحتهم ظلل لمن تحتهم .