باب ما جاء في أشجار الجنة و في ثمارها و ما يشبه ثمر الجنة في الدنيا
 
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الله عز و جل أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، و لا أذن سمعت ، و لا خطر على قلب بشر . اقرأوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين و في الجنة سجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها . و اقرأوا إن شئتم و ظل ممدود و موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها ، و اقرأوا إن شئتم فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
ابن المبارك ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين أو قال مائة سنة ، و هي شجرة الخلد ، قال : و أخبرنا ابن أبي خلدة عن زياد مولى بني مخزوم ، سمع أبا هريرة يقول : في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة . و اقرأوا إن شئتم و ظل ممدود فبلغ ذلك كعباً فقال : صدق و الذي أنزل التوراة على لسان موسى بن عمران و الفرقان على محمد صلى الله عليه و سلم لو أن رجلاً ركب حقة أو جذعة ثم دار في أصل تلك الشجرة و ما يبلغها حتى يسقط هرماً . إن الله تعالى غرسها بيده و نفخ فيها من روحه و إن أفنائها لمن وراء سور الجنة و ما في الجنة نهر إلا و يخرج من أصل تلك الشجرة .
الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ـ و ذكر لها سدرة المنتهى ـ قال : يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة أو يستظل بظلها مائة راكب ـ شك يحيى ـ فيها فراش الذهب ـ كأن ثمرها القلال . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
و ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لما رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة . نبقها مثل قلال هجر و ورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ، و نهران باطنان ، قلت : يا جبريل ما هذه ؟ قال : أما الباطنان ففي الجنة ، و أما الظاهران ، فالنيل و الفرات .
قلت : كله لفظ مسلم إلا قوله : نبقها مثل قلال هجر . أخرجه الدارقطني في سننه ، قال : حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق فذكره .
و خرج البخاري أيضاً من حديث قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك عن مالك ابن صعصعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحديث حديث الإسراء و فيه : و رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر و ورقها كأنه آذان الفيلة . و في أصلها أربعة أنهار : نهران ظاهران ، و نهران باطنان . وذكر الحديث .
و في حديث ابن مسعود سدرة المنتهى : صبر الجنة ، قال أبو عبيدة : صبرها أعلاها . و كذلك صبر كل شيء أعلاه ، و الجمع : أصبار .
قال النمر بن تولب يصف روضة :
غرست و باكرها الربيع نديمة و طفاء تملؤها إلى أصبارها
يعني إلى أعاليها و هي جماعة للصبر ، و قال الأحمر : الصبر جانب الشيء ، لغتان : صبر ، و بصر ، كما قالوا : جبذ و جذب ، و قال أبو عبيد : ـ و قول أبي عبيدة أعجب ـ إلى أن يكون في أعلاها من أن يكون في جانبها .
ابن المبارك قال : حدثنا صفوان عن سليم بن عامر قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يقولون : إنه لتنفعنا الأعراب و مسائلهم قال : أقبل أعرابي يوماً ، فقال يا رسول الله : لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية و ما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ما هي ؟ قال : السدر فإن له شوكاً مؤذياً فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أو ليس يقول الله تعالى في سدر مخضود خضد شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها تنبت ثمراً ، تفتق الثمر منها على إثنين و سبعين لوناً و طعام ما فيه لون يشبه الآخر و يروى التمر بالتاء باثنين فيها كلها ، قاله أبو محمد عبد الحق .
و ذكر عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عمرو بن يزيد البكالي عن عتبة بن عبد السلمي قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عن الجنة و ذكر له الحوض فقال فيها فاكهة ؟ قال : نعم فيها شجرة تدعى طوبى قال يا رسول الله أي شجر أرضنا يشبهه ؟ قال : لا يشبهه شيء من شجر أرضك ، أتيت الشام ؟ هنالك شجرة تدعى الجوزة تنبت على ساق و يفرش أعلاها ، قال يا رسول الله فما أعظم أصلها ؟ قال لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر قوتها هرماً ، قال فهل فيها عنب ؟ قال : نعم ! قال : فما عظم العنقود منها ؟ قال : مسيرة الغراب شهراً لا يقع و لا يفتر ، قال : فما عظم الحبة منها ؟ قال : أما أعمد أبواك و أهلك إلى جذعة فذبحوها و سلخ إهابها ؟ فقال : افروا لنا منها دلواً ، فقال يا رسول الله : إن تلك الحبة لتشبعني و أهل بيتي ؟ قال : نعم و عامة عشيرتك ، ذكره أبو عمر في التمهيد بإسناده و هو إسناد صحيح .
و ذكر مسلم من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف ، قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت في مقامك شيئاً ، ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال : إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً ، و لو أخذته لأكلتم منها ما بقيت في الدنيا ، تكعكعت ، معناه تأخرت ، يقال منه : كع يكع كعوعاً تأخر ، و الكع : الضعيف العاجر ، قال الشاعر :
و لكني أمضي على ذاك مقدماً إذا بعض من لا قى الخطوب تكعكعاً
و ذكر ابن المبارك : حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، و ثمرها كأمثال القلال ، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى ، و إن ماءها ليجري في غير أخدود ، و العنقود اثنا عشر ذراعاً ، ثم أتى على الشيخ ، فقال: من حدثك بهذا ؟ قال : مسروق .
و ذكر ابن وهب من حديث شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة الباهلي قال : طوبى شجرة في الجنة ! ليس منها دار إلا فيها غصن منها ، و لا طير حسن إلا و هو فيها ، و لا ثمرة إلا و هي فيها .
و ذكر الخطيب أبو بكر أحمد عن إبراهيم بن نوح قال : سمعت مالك بن أنس يقول : ليس في الدنيا من ثمارها شيء يشبه ثمار الجنة إلا الموز لأن الله تعالى يقول : أكلها دائم و ظلها و إننا نجد الموز في الشتاء و الصيف .
و ذكر الثعلبي بإسناده من حديث الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني الثقة عن أبي ذر ، قال : أهدى للنبي صلى الله عليه و سلم طبق من تين ، فأكل منه و قال لأصحابه : كلوا . فلو قلت إن فاكهة نزلت من السماء قلت : هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم ، فكلوها فإنها تقطع البواسير و تنفع من النقرس ذكره القشيري أبو نصر و هذا أتم .
قلت : و رأيت بخط الفقيه الإمام المحدث أبي الحسن علي بن خلف الكوفي أبي شيخنا أبي القاسم عبد الله و حدث حديثاً عليه سماع جماعة على أبي الفرج محمد بن أبي حاتم محمود بن أبي الحسن القزويني في ربيع الأول سنة ثمان و تسعين و أربعمائة قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن زيد الجعفري في شوال سنة ثمان و ثلاثين و أربعمائة قال : حدثنا أبي قال : حدثنا يحيى بن الحسين الحسيني قال : حدثنا عقيل بن سمرة ، حدثنا علي ابن حماد الغازي ، حدثنا عباس ابن أحمد قال : حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا علي فكهوا بالبطيخ و عظموه فإن ماءه من الجنة و حلاوته من حلاوة الجنة و ما من عبد أكل منها لقمة إلا أدخل الله جوفه سبعين دواء و أخرج منه سبعين داء و كتب الله له بكل لقمة عشر حسنات و محا عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنبتنا عليه شجرة من يقطين قال : الدباء و البطيخ من الجنة .