باب منه
 
ما جاء في صفة أهل الجنة و مراتبهم و سنهم و طولهم و شبابهم و عرقهم و ثيابهم و أمشاطهم و مجاهرهم و أزواجهم ، و في لسانهم و ليس في الجنة عزب .
مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أول زمرة يدخلون الجنة و في رواية : من أمتي على صورة القمر ليلة البدر ، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاء . و في رواية : ثم هم بعد ذلك منازل . لا يبولون و لا يتغوطون و لا يتفلون و لا يتمخطون ، أمشاطهم الذهب . و في رواية : الفضة و رشحهم المسك و مجاهرهم و أزواجهم الحور العين . و في رواية : لكل و احد منهم زوجتان يرى مخ ساقيها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم و لا تباغض ، قلوبهم قلب واحد يسبحون بكرة و عشياً .
قال أبو علي : الألوة : هو العود . و في رواية : أخلاقهم على خلق رجل واحد عل طول أبيهم . و في رواية : على صورة أبيهم ستون ذراعاً في السماء .
و قال أبو كريب : على خلق رجل واحد . و قال أبي هريرة حين تذاكروا : الرجال في الجنة أكثر أم النساء ؟ فقال لكل رجل منهم زوجتان اثنتان يرى مخ ساقيها من وراء اللحم و ما في الجنة عزب .
الترمذي عن الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن المرأة من اهل الجنة ليرى ساقيها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها . و ذلك بأن الله سبحانه و تعالى يقول : كأنهن الياقوت و المرجان فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته .
و روى موقوفاً عن البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما و لملأته ريحاً و لنصيغها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها .
الترمذي عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم و لا تبلى ثيابهم قال : حديث غريب .
و خرج عنه أيضاً ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يدخل أهل الجنة الجنة جرداء مرداء مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث و ثلاثين سنة قال : حديث غريب ، و روى عن قتادة مرسلاً .
و ذكر الميانش من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أهل الجنة مرد إلا موسى بن عمران فإن لحية إلى سرته .
الترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لو أن ما يقله ظفر مما في الجنة بدا إلى الدنيا لتزخر له ما بين خوافق السموات و الأرض ، و لو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدت أساور ، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم قال : حديث حسن غريب .
و عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من مات من أهل الجنة من صغير و كبير يرون بني ثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها و لا ينقصون و كذلك أهل النار . قال : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين .
فصل : في حديث أبي هريرة لكل واحد منهم زوجتان ، و قد تقدم من حديث عمران بن حصين : [ أن أقل ساكني الجنة النساء ] .
قال علماؤنا : لم يختلفوا في جنس النساء و إنما اختلفوا في نوع من الجنس و هو نساء الدنيا و رجالها أيهما أكثر في الجنة فإن كانوا اختلفوا في المعنى الأول و هو جنس النساء مطلقاً ، فحديث أبي هريرة حجة ، و إن كانوا اختلفوا في نوع من الجنس و هم أهل الدنيا فالنساء في الجنة أقل .
قلت : يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار ، و أما بعد خروجهن في الشفاعة و رحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال لا إله إلا الله ، فالنساء في الجنة أكثر ، و حينئذ يكون لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا ، و أما الحور العين فقد تكون لكل واحد منهم الكثير منهن .
و في حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة ذكره الترمذي و قال فيه : حديث غريب .
و مثله حديث أبي أمامة خرجه أبو محمد الدارمي و سيأتي و الأخبار دالة على هذا .
و قوله و أمشاطهم الذهب و الفضة و مجامرهم الألوة . و قد يقال هنا أي حاجة في الجنة للامتشاط و لا تتلبد شعورهم و لا تتسخ و أي حاجة للبخور و ريحهم أطيب من المسك و يجاب عن ذلك بأن نعيم أهل الجنة و كسوتهم ليس عن رفع ألم أعتراهم فليس أكلهم عن جوع و لا شربهم عن ظمأ و لا تعليهم عن نتن ، و إنما هي لذات متوالية و نعم متتابعة ألا ترى قوله تعالى لآدم إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى و حكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا و زادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز و جل .
قلت : و قد جاء مثل هذا في أهل الدنيا حيث قال : إذ الأغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون و قال إن لدينا أنكالاً و جحيماً فعذبهم في النار بنوع ما كانوا يعذبون به في الدنيا ، قال الشعبي : أترون أن الله جعل الأنكال في الرجل خشية أن يهربوا لا و الله ، و لكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استثقلت بهم .
ابن المبارك قال : أخبرنا سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني عقيل عن ابن شهاب قال : لسان أهل الجنة عربي ، و إذا خرجوا من قبورهم سرياني و قد تقدم ، و قال سفيان : بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة قبل أن يدخلوا الجنة بالسريانية فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية .