باب ما جاء أن الأعمال الصالحة مهور الحور العين
 
قال الله تعالى : و بشر الذين آمنوا و عملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار إلى قوله و لهم فيها أزواج مطهرة .
و روى الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول قال : حدثنا الخطاب أبو الخطاب قال : حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : حدثنا جرير بن أيوب البجلي قال : حدثنا الشعبي عن نافع بن بردة ، عن أبي مسعود الغفاري من الحور العين في خيمة من درة مجوفة مما نعت الله حور مقصورات في الخيام على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى ، و يعطى سبعين لوناً من الطيب ليس منهن لون على ريح الآخر ، لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء موشحة بالدر و الياقوت ، على كل سرير سبعون فراشاً على كل فراش أريكة ، لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها ، و سبعون ألف وصيف ، مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون من طعام تجد لآخر لقمة لذة لا تجد لأوله ، و يعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر عليه سوران من ذهب موشح بياقوت أحمر ، هذا بكل يوم صامه من شهر رمضان سوى ما عمل من الحنسات ] .
و خرج أبو عيسى الترمذي من حديث المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : للشهيد عند الله ست خصال . الحديث و فيه و يزوج باثنتين و سبعين زوجة من الحور العين ، و قد تقدم في باب ما ينجي من أهوال القبر و فتنته .
قلت : و هذا يؤكد ما ذكرناه في حديث أبي هريرة لكل واحد منهم زوجتان ، أن ذلك من نساء الدنيا ، و قال يحيى بن معاذ : ترك الدنيا شديد ، و فوت الجنة أشد ، و ترك الدنيا مهر الآخرة و يقال : مهر الحور العين كنس المساجد . رفعه الثعلبي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كنس المساجد مهور الحور العين ، و عن أبي قرصافة أيضاً سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين ، القمامة الكناسة و الجمع : قمام . قاله الجوهري .
و عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : مهور الحور العين قبضات التمر و فلق الخبز ، ذكره الثعلبي أيضاً و قال أبو هريرة : [ يتزوج أحدكم فلانة بنت فلان بالمال الكثير و يدع الحور العين باللقمة و التمرة و الكسوة ] .
و قال محمد بن النعمان المقري : كنت قاعداً عند الجلا المقرى بمكة في المسجد الحرام إذ مر بنا شيخ طويل نحيل الجسم عليه أطمار خلقة ، فقام إليه الجلا و وقف معه ساعة ثم انصرف إلينا فقال : هل تعرفون من هذا الشيخ ؟ فقلنا : لا ، فقال : ابتاع من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة ، فلما أكملها رآها في المنام في حليها و حللها فقال : من أنت ؟ فقالت : أنا الحور التي ابتعتني من الله تعالى بأربعة آلاف ختمة هذا الثمن فما نحلتي أنا منك ؟ قال : ألف ختمة ، قال الجلا : فهو يعمل فيها بعد .
و روى عن سحنون أنه قال : كان بمصر رجل يقال له سعيد ، و كانت له أم من المتعبدات ، و كانت إذا قام من الليل يصلي تقوم والدته خلفه ، فإذا غلب عليه النوم و نعس تناديه والدته : يا سعيد إنه لا ينام من يخاف النار و يخطب الحور الحسان فيقوم مرعوباً .
و يروى عن ثابت أنه قال : كان أبي من القوامين لله في سواد الليل ، قال : رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء ، فقلت لها : من أنت ؟ فقالت حوراء أمة الله ، فقلت لها : زوجيني نفسك ، فقالت : اخطبني من عند ربي و أمهرني فقلت : و ما مهرك ؟ فقال : طول التهجد و أنشدوا :
يا خاطب الحور في خدرهاو طالباً ذلك على قدرها
انهض بجد لا تكن وانياًو جاهد النفس على صبرها
و جانب الناس و ارفضهم و حالف الوحدة في ذكرها
و قم إذا الليل بدا وجهه و صم نهاراً فهو من مهرها ‌‌
فلو رأت عيناك إقبالها و قد بدت رمانتا صدرها ‌‌
و هي تماشي بين أترابها و عقدها يشرق في نحرها
لهان في نفسك هذا الذيتراه في دنياك من زهرها
و قال مضر القارئ : غلبني النوم ليلة فنمت عن حزبي فرأيت في منامي فيما يرى النائم جارية كأن وجهها القمر المستتم و معها رق فقالت : أتقرأ أيها الشيخ ؟ قلت : نعم ، فقالت : اقرأ هذا الكتاب ، ففتحه فإذا فيه مكتوب : فو الله ما ذكرته قط إلا ذهب عني النوم .
ألهتك اللذائذ و الأماني عن الفردوس و الظل الدواني
و لذة نومة عن خير عيش مع الخيرات في غرف الجنان
تيقظ من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران
و قال مالك بن دينار : كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة ، فنمت ذات ليلة ، فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن و جمال و بيدها رقعة ، فقالت : أتحسن أن تقرأ ؟ فقلت : نعم ، فدفعت إلي الرقعة ، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :
لهاك النوم عن طلب الأمانيو عن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيها و تلهو في الخيام مع الحسان
تنبه من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران
و روي عن يحيى بن عيسى بن ضرار السعدي و كان قد بكى شوقاً إلى الله ستين عاماً قال : رأيت كأن ضفة نهر يجري بالمسك الأذفر حافتاه شجر اللؤلؤ و نبت من قضبان الذهب ، فإنا بجوار مزينات يقلن بصوت واحد : سبحان المسبح بكل لسان . سبحان الموجود بكل مكان . سبحان الدائم في كل زمان سبحانه سبحانه ، قال : فقلت : من أنتن ؟ قلن : خلق من خلق الله سبحانه ، قلت : و ما تصنعن ها هنا فقلن :
يناجون رب العالمين لحقهم و تسري هموم القوم و الناس نوم
ذرانا إله الناس رب محمد لقوم على الأقدام بالليل قوم
فقلت : بخ . بخ لهو من هؤلاء ، لقد أقر الله أعينهم ، فقلن : أما تعرفهم ؟ فقلت : و الله ما أفهم ، قلن : هؤلاء المتهجدون بالليل أصحاب السهر .