باب منه و في سلام الله تعالى عليهم
 
روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : بينا أهل الجنة في نعيمهم إذا سطع لهم نور من فوقهم فإذا الرب سبحانه قد أشرف عليهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، و ذلك قوله تعالى سلام قولاً من رب رحيم قال : فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم ، فإذا احتجب عنهم بقي نوره و بركته عليه في ديارهم .
[ فصل ] قوله : قد أشرف عليهم أي أطلع كما يقال فلان مشرف عليك أي مطلع عليك من مكان عال ، و الله تعالى لا يوصف بالمكان من جهة الحلول و التمكن ، و إنما يوصف من جهه العلو و الرفعة فعبر عن اطلاعه عليهم و نظره إليهم بالإشراف ، و لما كان سبحانه قائلاً متكلماً و كان الكلام له صفة في ذاته ، و لم يزل و لا يزال فهو يسلم عليهم سلاماً هو قوله منه ، كما قال تعالى : سلام قولاً من رب رحيم و قوله : فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة أي لهواً عنه بلذة النظر إلى وجهه الكريم ، و ذلك أن ما دون الله تعالى لا يقاوم تجليه ، و لولا أن الله تعالى يثبتهم و يبقيهم لحل بهم ما حل بالجبل حين تجلى به ، و قوله حتى يحتجب عنهم يجوز أن يكون معناه حتى يردهم إلى نعيم الجنة الذي نسوه و إلى حظوظ أنفسهم و شهواتها التي سهوا عنها فانتفعوا بنعيم الجنة الذي وعده لهم و تنعموا بشهوات النفوس التي أعدت لهم ، و ليس ذلك إن شاء الله تعالى على معنى الاحتجاب عنهم الذي هو بمعنى الغيبة و الاستتار ، فيكونوا له ناسين و عن شهوده محجوبين ، و إلى نعيم الجنة ساكنين ، و لكنه يردهم إلى ما نسوه و لا تحجبهم عما شاهدوا حجبة غيبة و استتار ، يدل على ذلك قوله : بقي نوره و بركته عليهم في ديارهم و كيف يحجبهم عنه و هو ينعت المزيد عليهم و ما وعدهم به من النعيم و النظر إذا صح و الحجبة إذا ارتفعت لم يكن بين ةنظر البصر و شهود السر فرق . و لا بين حال الشهود و الغيبة فرق فيكون محجوباً في حال الغيبة بل تتفق الأوقات و تتساوى الأحوال فيكون في كل حال شاهداً و بكل جارحة ناظراً و لا يكون في حال محجوباً و لا بالغيب موصوفاً .
حكاية
حكي عن قيس المجنون أنه قيل له : ندعو لك ليلى ؟ فقال و هل غابت عني فتدعى ؟ فقيل له : أتحب ليلى ؟ فقال : المحبة ذريعة الوصلة و قد وقع الوصل فأنا ليلى و ليلى أنا . و الله أعلم .