باب ما جاء في أطفال المسلمين و المشركين
 
و ذكر أبو عمرو في كتاب التمهيد و الاستذكار ، و أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول و المفسرون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين قال : هم أطفال المسلمين ، زاد الترمذي : لم يكتسبوا فيرتهنوا بكبسهم . و قال أبو عمرو : الجمهور من العلماء : على أن أطفال المسلمين في الجنة . و قد ذهب طائفة من العلماء إلى الوقف في أطفال المسلمين و أولاد المشركين أن يكونوا في جنة أو في نار ، منهم حماد ابن زيد ، و حماد بن سلمة ، و ابن المبارك ، و إسحاق بن راهويه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الأطفال ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، هكذا قال الأطفال و لم يخص طفلاً عن طفل .
قال الحليمي في كتاب منهاج الدين : و قد توقف في ولدان المسلمين من توقف في ولدان المشركين و قال : إذا كان كل منهم يعامل بما عمل الله تعالى منه أنه فاعله لو بلغه فكذلك ولدان المسلمين . و احتج بأن صبياً صغيراً مات لرجل من المسلمين ، فقالت إحدى نساء النبي صلى الله عليه و سلم : طوبى له عصفور من عصافير الجنة . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : و ما يدريك إن الله خلق الجنة و خلق لها أهلاً ، و خلق النار و خلق لها أهلاً ، قال : فهذا يدل على أنه لا يمكن أن يقطع في أطفال المسلمين بشيء .
قال الحليمي : و هذا الحديث يحتمل أن يكون إنكاراً النبي صلى الله عليه و سلم على التي قطعت بأن الصبي في الجنة لأن القطع بذلك قطع بإيمان أبويه ، و قد يحتمل أن يكون منافقين فيكون الصبي ابن كافرين فيخرج هذا على قول من يقول : قد يجوز أن يكون ولدان المشركين في النار ، و قد يحتمل أن يكون أنكر ذلك لأنه لم يكن أنزل عليه في ولدان المسلمين شيء ثم أنزل عليه قوله تعالى : و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم و قد قريء : و أتبعناهم ذريتهم ، فأخبر تعالى أن الذين آمنوا في الحياة الدنيا جعل ذرياتهم أتباعهم في الإيمان و أنه يلحق بهم ذرياتهم في الآخرة ، فثبت بذلك أن ذراري المسلمين في الجنة ، و قال النبي : سألت ربي أن يريني أهل الجنة و أهل النار فجاءني جبريل و ميكائيل عليهما السلام في النور فقالا : انطلق يا أبا القاسم إلى أن قال و أنا أسمع لغط الصبيان ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هم ذرية أهل الإسلام الذين يموتون ، قبل آبائهم يكفل بهم عليه السلام حتى يلحق آباؤهم ، فدل أنهم في الجنة .
قال المؤلف رحمه الله : الحديث الذي احتجوا به خرجه أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن يحيى بن إسحاق .
و عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بصبي من الأنصار ليصلى عليه فقالت : يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءاً قط و لم يدره ، فقال : يا عائشة أو لا تدرين أن الله تبارك و تعالى خلق الجنة و خلق لها أهلاً و خلق النار و خلق لها أهلاً و هم في أصلاب آبائهم .
و قالت طائفة : أولاد المسلمين في الجنة و أولاد المشركين في النار ، و احتجوا بما ذكرناه من الآية و الحديث بحديث سلمة بن يزيد الجعفي ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم أنا و أخي ، فقلنا يا رسول الله إن أمنا ماتت في الجاهلية و كانت تقري الضيف و تصل الرحم و تصوم و تفعل و تفعل ، فهل ينفعها من عملها ذلك شيء ؟ قال : لا قال : فقلنا إن أمنا و أدت أختاً لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فهل ذلك نافع أختنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرأيتم الوائدة و المؤودة فإنهما في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها .
قال أبو عمرو : هذا الحديث صحيح الإسناد إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على جواب السائل في عين مقصودة فكانت الإشارة لها .
و في بعض طرق حديث سلمة بن زيد فلما رأى ما قد دخل علينا ، قال : و أمي مع أمكما ، خرجه و رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن سلمة بن يزيد ، قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : أمي ماتت و كانت تقري الضعيف و تطعم الجار و كانت وأدت وأداً في الجاهلية و لها سعة من مال أفينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا ينفع الإسلام إلا من أدركه إنها و ما وأدت في النار و رأى ذلك قد شق علي فقال : و أم محمد معها و ما فيهما خيره .
و خرج أبو نعيم الحافظ و غيره عن ابن مسعود قال : جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالا : يا رسول الله ، إن أمنا كانت تكرم الزوج و تعطف على الولد و ذكر الضيف غير أنها وأدت في الجاهلية فقال : أمكما في النار فأدبر و الشر يرى في وجوههما فأمر بهما فرداً و البشرى ترى في وجوههما رجاء أن يكون حدث شيء قال : أمي مع أمكما و ذكر الحديث .
و روى بقية بن الوليد عن محمد بن يزيد الألمعاني قال : سمعت عبد الله بن قيس يقول : سمعت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذرارى المسلمين فقال : هم مع آبائهم قلت : بلا عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين . و سألته عن ذرارى المشركين فقال : مع آبائهم فقالوا : بلا عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين . قال أبو عمر عبد الله بن قيس : هذا شامي تابعي ثقة ، و أما بقية بن الوليد فضعيف و أكثر حديثه مناكير . و لكن هذا الحديث قد روي مرفوعاً عن عائشة من غير هذا الوجه . قالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم ولدان المسلمين أين هم يوم القيامة ؟ قال : في الجنة قالت : و سألته عن ولدان المشركين أين هم يوم القيامة ؟ قال : في النار فقلت مجيبة له : يا رسول الله لم يدركوا الأعمال و لم تجر عليهم الأقلام قال : ربك أعلم بما كانوا عاملين و الذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار قال أبو عمر : في طريقه أبو عقيل صاحب لهية لا يحتج بمثله عند أهل العلم .
قال المؤلف رحمه الله : كذا ذكر أبو عمر هذا الحديث بهذا اللفظ ، و كذلك ذكر أبو أحمد بن علي فيما ذكر أبو محمد عبد الحق .
و ذكره أبو داود الطيالسي قال : حدثنا أبو عقيل عن بهية عن عائشة قالت : سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن أطفال المشركين قال : هم في النار يا عائشة قالت فقلت : فما تقول في المسلمين ؟ قال : هم في الجنة يا عائشة ، قالت قلت : و كيف لم يدركوا الأعمال و لم تجر عليهم الأقلام ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ربك أعلم بما كانوا عاملين قال أبو محمد عبد الحق و يحيى بن المتوكل ضعيف عندهم و بهية لم يرو عنها إلا أبو عقيل .
و قالت طائفة : إن الأطفال يمتحنون في الآخرة و احتجوا بحديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : في الهالك في الفترة و المعتوه و المولود قال : يقول الهالك في الفتره و المعتوه و المولود : قال : يقول الهالك في الفترة : لم يأتني كتاب و لا رسول ثم تلا و لو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً الآية . و يقول المعتوه : رب لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيراً و لا شراً و يقول المولود : رب لم أدرك العمل فترقع لهم نار فيقول لهم ردوها و ادخلوها قال : فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيداً لو أدرك العمل و يمسك عنها من كان في علم الله شقياً لو أدرك العمل قال فيقول الله : إياي عصيتم فكيف رسلي لو أتتكم .
قال أبو عمر : من الناس يوقف هذا الحديث على أبي سعيد و لا يرفعه منهم أبو نعيم الملاي .
قلت : و يضعفه من جهة المعنى أن الآخرة ليست بدار تكليف و إنما هي دار جزاء ثواب و عقاب .
قال الحليمي : و هذا الحديث ليس بثابت و هو مخالف لأصول المسلمين لأن الآخرة ليست بدار الامتحان ، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة و لا مجنة مع الضرورة ، و لأن الأطفال هناك لا يحلو من أن يكونوا عقلاء أو غير عقلاء فإن كانوا مضطرين إلى المعرفة فلا يليق بأحوالهم المحنة و إن كانوا غير عقلاء فهم من المحنة أبعد .
و قال أبو عمر رحمه الله : هذا الأحاديث من أحاديث الشيوخ و فيها علل ، و ليست من أحاديث الأئمة الفقهاء و هو أصل عظيم و القطع فيه بمثل هذه الأحاديث ضعيف في العلم و النظر مع أنه قد عارضها ما هو أقوى مجيباً منها .
ذكر البخاري حديث أبي رجاء العطاردي ، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم الحديث الطويل حديث الدويا ، و فيه قوله عليه الصلاة و السلام : و أما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم عليه السلام ، و أما الوالدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة فقيل : يا رسول الله و أولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و أولاد المشركين . .
و خرج البخاري أيضاً في رواية أخرى عن أبي رجاء العطاردي : و الشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام و الصبيان حوله أولاد الناس ، و هذا يقتضي عمومه جميع الناس .
قلت : ذهب إلى هذا جماعة من العلماء و هو أصح شيء في الباب قالوا أولاد المشركين إذا ماتوا صغاراً في الجنة و احتجوا بحديث عائشة . ذكره أبو عمر في التمهيد قالت : سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أولاد المشركين فقال : هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت و لا تزر وازرة وزر أخرى قال هم على القنطرة أو قال هم في الجنة .
قلت : هذا حديث مرتب في غاية البيان و هو يقضي على ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في أحاديث صحاح من قوله في الأطفال الله أعلم بما كانوا عاملين فكان ذلك منه قبل أن يعلم أن أولاد المشركين في الجنة و قيل أن ينزل عليه و لا تزر وازرة وزر أخرى .
و قد كان عليه الصلاة و السلام أنزل عليه بمكة قل ما كنت بدعاً من الرسل و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي و لم يكشف له عن عاقبة أمرهم و أمر المشركين ثم أنزل عليه هو الذي أرسل رسوله بالهدى الآية ، و أنزل عليه و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون و أنزل عليه و أخرى تحبونها نصر من الله و فتح قريب فاعلمه بأن الذي يفعل به أن يظهر عليهم .
و قد ذكر ابن سنجر و اسمه محمد بن سنجر قال : حدثنا هوذة ، حدثنا عوف عن حسناء بنت معاوية قالت : حدثني عمي قال : قلت يا رسول الله من في الجنة ؟ قال : النبي في الجنة و المولود في الجنة و الوثيدة في الجنة و الشريد في الجنة .
و عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم قال أبو عمر : إنما قيل للأطفال اللاهين لأن أعمالهم كاللهو و اللعب من غير عقد و لا عزم من قولهم لهيت في الشيء أي لم أعتقده كقوله لاهية قلوبهم و قالت طائفة : أولاد المشركين خدم أهل الجنة ، و حجتهم ما رواه الحجاج بن نضير عن مبارك بن فضلة بن علي بن زيد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه قال : أولاد المشركين خدم أهل الجنة ذكره أبو عمر .
قلت : و إسناده إذاً الحديث ليس بالقوي لكن يدل على صحة هذا القول . أعني أنهم في الجنة أو أنهم خدم أهل الجنة ، ما ذكر جماعة من العلماء بالتأويل أن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صور الذر أقروا له بالربوبية و هو قوله و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بأنه لا إله . إلا هو ثم يكتب العبد في بطن أمه شقياً أو سعيداً على الكتاب الأول فمن كان في الكتاب الأول شقياً عمر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك ، و من كان في الكتاب الأول سعيداً عمر حتى يجري عليه القلم فيؤمن فيصير سعيداً ، و من مات صغيراً من أولاد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة ، و من كان من أولاد المشركين فمات قبل أن يجري عليه القلم فليس يكونون مع آبائهم في النار لأنهم ماتوا على الميثاق الأول الذي أخذ عليهم في صلب آدم صلى الله عليه و سلم و لم ينقضوا الميثاق .
قلت : و غفر له و هذا أيضاً حسن ، فإنه جمع بين الأحاديث و يكون معنى قوله عليه الصلاة و السلام لما سئل عن أولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين يعني لو بلغوا بدليل حديث البخاري و غيره مما ذكرناه .
و قد روى أبان عن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أولاد المشركين ، فقال : لم يكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة و لم يكن لهم سيئات فيعاقبوا عليها فيكونوا من أهل النار فهم خدم لأهل الجنة .
ذكره يحيى بن سلام في تفسيره . و أبو داود الطيالسي في مسنده ، و أبو نعيم الحافظ أيضاً عن يزيد الرقاشي عن أنس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذراري المشركين لم يكن لهم ذنوب يعاقبون عليها فيدخلون النار ، و لم تكن لهم حسنات يجازون بها فيكونوا من ملوك الجنة ، فقال النبي : من خدم أهل الجنة .
روى أبو عبد الله الترمذي الحكيم قال : حدثنا أبو طالب الهروي قال : حدثنا يوسف بن عطية عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كل مولود يولد من ولد كافر أو مسلم فإنما يولدون على الفطرة على الإسلام كلهم ، و لكن الشياطين أتتهم فاختالتهم عن دينهم فهودتهم و نصرتهم و مجستهم و أمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً .
و خرج من حديث عياض بن حماد المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في خطبته : أن الله أمرني أن أعلمكم و قال إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاختالتهم عن دينهم و أمرتهم أن يشركو بي و حرمت عليهم ما أحللت لهم .
قال أبو عبد الله الترمذي : هذا بعد الإدراك حين عقلوا أمر الدنيا ، و تأكدت حجة عليهم بما نصب من الآيات الظاهرة من خلق السموات و الأرض و الشمس و القمر و البر و البحر ، و اختلاف الليل و النهار ، فلما غلبت أهواؤهم عليهم أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية و النصرانية بأهوائهم يميناً و شمالاً .
قلت : و هذا أيضاً يقوي ما أخذناه من أطفال المشركين في الجنة ، و حديث عياض بن حماد خرجه مسلم في صحيحه و حسبك حسبك . و للعلماء في الفطرة أقول قد ذكرناها في كتاب جامع أحكام القرآن من سورة الروم ، و الحمد لله .