باب منه و في ثواب من قدم ولدا
 
مسلم عن أبي حسان قال : قلت لأبي هريرة رضي الله عنه أنه مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم تطيب به أنفسنا عن موتانا ؟ قال : نعم صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنيعة ثوبك هذا فلا يتناهى أو قال فلا ينتهي حتى يدخله الله و أبويه الجنة .
و خرج أبو داود الطيالسي قال : حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يختلف إليه رجل من الأنصار معه ابن له ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم : أتحبه يا فلان ؟ فقال : نعم . قال : أحبك الله كما أحبه ففقده النبي صلى الله عليه و سلم ، فسأله عنه فقالوا يا رسول الله مات ابنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما ترضى أو لا ترضى أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا جاء يسعى حتى يفتحه لك فقالوا يا رسول الله : أله واحده ألم لنا كلنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل لكلكم . ذكره أبو عمر في التمهيد أيضاً . و قال هذا حديث حسن ثابت صحيح .
و خرج أبو داود الطيالسي في مسنده قال : حدثنا هشام عن قتادة عن راشد عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : و النفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة .
فصل
هذا الحديث يدل على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة ، و هو قول أكثر أهل العلم كما بينا في الباب قبل هذا و هو مقتضى ظاهر قول الله عز و جل و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم كما تقدم .
و قد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم ، و هذا فما عدا أولاد الأنبياء عليهم السلام ، فإنه قد تقرر الإجماع على أنهم في الجنة . حكاه أبو عبد الله المازري . و دعاميص : جمع دعموص و هو دويبة تغوص في الماء و الجمع دعاميص و دعامص قال الأعشى :
فما ذنبنا أن حاش لي بحر علمكم و بحرك ساج لا يوارى الدعامصا
و قد قيل : إن الدعموص يراد به الآذن على الملوك المتصرف بين أيدهم .
قال أمية ابن الصلت :
دعموص أبواب الملوك ، و جانب للخرق فاتح .
و هذا هو المراد بالحديث .
و في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجاباً من النار و أدخله الجنة .
قال المؤلف رحمه الله : قوله عليه الصلاة و السلام : لم يبلغوا الحنث معناه عند أهل العلم : لم يبلغوا الحلم و لم يبلغوا أن يلزمهم حنث .
و قد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا له حصناً حصيناً من النار . قال أبو ذر قدمت اثنين قال و اثنين . فقال أبي بن كعب سيد القراء قدمت واحداً . قال و واحداً و لكن إنما ذاك عند الصدمة الأولى . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، و أبو عبيدة لم يسمع من أبيه . خرجه ابن ماجه أيضاً . و في هذا كله دليل على أن أطفال المسلمين في الجنة لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم . قال أبو عمر بن عبد البر : و هذا إجماع من العلماء في أن أطفال المسلمين في الجنة و لم يخالف في ذلك إلا فرقة شذت من المجرة ، فجعلتهم في المشية و هو قول مهجور مردود بإجماع الحجة الذين لا يجوز مخالفتهم و لا يجوز على مثلهم الغلط .
إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من أخبار الآحاد الثقات العدول و أن قوله صلى الله عليه و سلم : الشقي من شقى في بطن أمه و أن الملك ينزل فيكتب أجله و رزقه الحديث مخصوص . و أن مات من أطفال المسلمين قبل الاكتساب فهو ممن سعد و هو في بطن أمه و لم يشق بدليل الأحاديث و الإجماع . و كذلك قوله صلى الله عليه و سلم لعائشة : إن الله خلق الجنة و خلق لها أهلاً ، و هم في أصلاب آبائهم ، و خلق النار ، و خلق لها أهلاً و هم في أصلاب آبائهم ساقط ضعيف مردود بالإجماع و الآثار ، و طلحة بن يحيى الذي يرويه ضعيف لا يحتج به . و هذا الحديث مما انفرد به فلا يعرج عليه .