باب منه و الأمر بلزوم البيوت عند الفتن
 
ابن ماجه عن أبي بردة قال : دخلت على محمد بن مسلمة ، فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنها ستكون فتنة و خلاف و فرقة و اختلاف ، فإذا كان ذلك فائت بسيفك أحداً فاضرب به حتى ينقطع ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية قد وقعت و فعلت ما قال النبي صلى الله عليه و سلم .
أبو داود عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً و يمسي كافراً . القاعد فيها خير من القائم ، و القائم فيها خير من الساعي قالوا فما تأمرنا ؟ قال و كونوا أحلاس بيوتكم .
فصل
قال علماؤنا رحمه الله عليهم : كان محمد بن مسلمة رضي الله عنه ممن اجتنب ما وقع بين الصحابة من الخلاف و القتال ، و أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره إذا كان ذلك أن يتخذ سيفاً من خشب ففعل و أقام بالربذة ، و ممن اعتزل الفتنة أبو بكرة ، و عبد الله بن عمر ! و أسامة ابن زيد ، و أبو ذر ، و حذيفة ، و عمران بن حصين ، و أبو موسى ، و أهبان ، و سعد بن أبي وقاص و غيرهم ، و من التابعين شريح و النخعي و غيرهما رضي الله عنهم .
قلت : هذا و كانت تلك الفتنة و القتال بينهم على الاجتهاد منهم ، فكان المصيب منهم له أجران و المخطئ له أجر ، و لم يكن قتال على الدنيا ، فكيف اليوم الذي تسفك فيه الدماء باتباع الهوى طلباً للملك والاستكثار من الدنيا ، فواجب على الإنسان أن يكف اليد و اللسان عند ظهور الفتن و نزول البلايا و المحن . نسأل الله السلامة و الفوز بدار الكرامة بحق نبيه و آله و أتباعه و صحبه . و قوله : كونوا أحلاس بيوتكم حض على ملازمة البيوت و القعود فيها حتى يسلم من الناس و يسلموا منه . و من مراسيل الحسن و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : نعم صوامع المؤمنين بيوتهم و قد تكون العزلة في غير البيوت كالبادية و الكهوف . قال الله تعالى إذ أوى الفتية إلى الكهف .
و دخل سلمة بن الأكوع على الحجاج ، و كان قد خرج إلى الربذة حين قتل عثمان ، و تزوج امرأة هناك و ولدت له أولاداً ، فلم يزل بها حتى كان قبل أن يموت بليال ، فدخل المدينة له الحجاج : ارتددت على عقيبك ؟ قال : لا و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن لنا في البدو .
و خرجه مسلم و غيره و قد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع به شغف الجبال و مواقع القطر يفر بدينه منة الفتن ، و ما زال الناس يعتزلون و يخالطو كل واحد منهم على ما يعلم من نفسه و يتأتى له من أمره و قد كان العمري بالمدينة معتزلاً ، و كان مالك مخالطاً للناس ، ثم اعتزل مالك آخر عمره رضي الله عنه فيروي عنه أنه أقام ثماني سنة لم يخرج إلى المسجد فقيل له في ذلك ، فقال : ليس كل واحد يمكنه أن يخبر بعذره ، و اختلف الناس في عذره على ثلاثة أقوال فقيل لئلا يرى المناكير ، و قيل لئلا يمشي إلى السلطان ، و قيل كانت به أبردة ، فكان يرى تنزيه المسجد عنها ذكرره القاضي أبو بكر بن العربي كتاب سراج المريدين له .