باب منه و كيف التثبت في الفتنة و الاعتزال عنها و في ذهاب الصالحين
 
ابن ماجه عن عديسة بنت أعبان قالت : لما جاء علي بن أبي طالب ها هنا بالبصرة دخل على أبي ، فقال يا أبا مسلم : ألا تعينني على هؤلاء القوم ؟ قال : بلى فدعى جاريته فقال يا جارية : أخرجي سيفي . قالت فأخرجته فسل منه قدر شبر ، فإذا هو خشب ، فقال : إن خليلي و ابن عمك صلى الله عليه و سلم عهد إلي إذا كانت فتنة بين المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب ، فإن شئت خرجت معك . قال : لا حاجة لي فيك و لا في سيفك .
و عن زيد بن شرحبيل عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظالم يصبح الرجل فيها مؤمناً و يمسي كافراً و يصبح كافراً و يمسي مؤمناً ، و القاعد فيها خير من القائم ، و القائم فيها خير من الماشي ، و الماشي فيها خير من الساعي ، فكسروا قسيكم و قطعوا أوتاركم و اضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير بني آدم أخرجه أبو داود أيضاً .
و خرج من حديث سعد بن أبي وقاص قلت يا رسول الله : إن دخل على بيتي و بسط يده إلي ليقتلني قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كن كخير ابني آدم و تلا هذه الآية لئن بسطت إلي يدك لتقتلني و
ابن ماجه ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كيف بكم و بزمان يوشك أن يأتي فيغربل الناس فيه غربلة يبقى حثالة من الناس قد مزجت عهودهم ، و خفت أمانتهم ، و اختلفوا فكانوا هكذا و هكذا و شبك بين أصابعه ، قالوا : كيف بنا يا رسول الله ؟ إذا كان ذلك الزمان ؟ قال : تأخذون بما تعرفون ، و تدعون بما تنكرون ، و تقلبون على خاصتكم و تذرون أمر عامتكم أخرجه أبو داود أيضاً .
و خرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده عن محمد بن كعب القرظي أن الحسن بن أبي الحسن حدثه أنه سمع شريحاً و هو قاضي عمر بن الخطاب يقول : قال عمر بن الخطاب ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس قد مزجت عهودهم ، و خربت أماناتهم ، فقال قائل : كيف بنا يا رسول الله ؟ قال تعلمون بما تعرفون ، و تتركون ما تنكرون ، و تقولون : أحد أحد أنصرنا على من ظلمنا و اكفنا من بغانا غريب من حديث محمد بن كعب و الحسن و شريح ما علمت له وجهاً غير هذا .
النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأيت الناس مزجت عهودهم ، و خفت أماناتهم ، و كانوا هكذا و هكذا و شبك بين أصابعه فقمت إليه فقلت له : كيف أصنع عند ذلك يا رسول الله جعلني الله فداك ؟ قال : الزم بيتك و أملك عليك لسانك و خذ ما تعرف ودع ما تنكر و عليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة خرجه أبو داود أيضاً .
الترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به و هلك و يأتي على الناس زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا قال هذا حديث غريب . و في الباب عن أبي ذر رضي الله عنه .
فصل
قوله : و يوشك . معناه يقرب ، و قوله : فيغربل الناس فيها غربلة . عبارة عن موت الأخيار و بقاء الأشرار كما يبقى الغربال من حثالة ما يغربله ، و الحثالة ما يغربله ، و الحثالة : ما يسقط من قشر الشعير و الأرز و التمر و كل ذي قشر إذا بقي ، و حثالة الدهن تفله و كأنه الرديء من كل شيء ، و يقال : حثالة و حفالة بالثاء و الفاء معاً .
كما روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لتنتقون كما ينتقي التمر من أغفاله و ليذهبن خياركم و ليبقين شراركم فموتوا إن استطعتم .
و خرج البخاري عن مرداس الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يذهب الصالحون الأول فالأول و يبقى حفالة كحفالة الشعير و التمر لا يباليهم الله بالة و في رواية لا يعبأ الله بهم يقال ما أباليه بالة و بال و بلى مقصور و مكسور الأول مصدر و قيل اسم أي ما كثرت به و البال الاكتراث و الاهتمام بالشيء ، و الصالحون هم الذين أطاعوا الله و رسوله و عملوا بما أمرهم به و انتهوا عما نهاهم عنه .
قال أبو الخطاب بن دحية و مرداس ، و هذا هو مرداس بن مالك الأسلمي من أسلم بفتح اللام سكن الكوفة ، و هو معدود في أهلها و لم يحفظ له من طريق صحيح سوى هذا الحديث .
قال المؤلف رحمه الله : انفرد به البخاري رحمه الله . روى عن قيس بن أبي حازم في الرقاق و مزجت معناه اختلطت و اختلفت و المزج الاختلاط و الاختلاف .