باب الأمر بتعليم كتاب الله و اتباع ما فيه و لزوم جماعة المسلمين عند غلبة الفتن و ظهورها و صفة دعاة آخر الزمان و الأمر بالسمع و الطاعة للخليفة و إن ضرب الظهور و أخذ المال
 
أبو داود ، عن نصر بن عاصم الليثي قال : أتينا اليشكري في رهط من بني ليث فقال : من القوم ؟ قال بنو الليث أتيناك نسألك عن حديث حذيفة ، فقال : أقبلنا مع أبي موسى قافلين و غلت الدواب بالكوفة . قال : فسألت أبا موسى الأشعري أنا و صاحب لي فأذن لنا فقدمنا الكوفة فقلت لصاحبي : أنا داخل المسجد فإذا قامت السوق خرجت إليك قال : فدخلت المسجد فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رؤوسهم يستمعون إلى حديث رجل واحد قال فقمت عليهم ، فجاء رجل فقام إلى جنبي قال فقلت من هذا ؟ قال : أبصري أنت ؟ قال : قلت نعم . قال : قد عرفت و لو كنت كوفياً لم تسأل عن هذا . هذا حذيفة ، فدنوت منه فسمعت حذيفة رضي الله عنه يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير و كنت أنا أسأله عن الشر ، و عرفت أن الخير لن يسبقني قال فقلت يا رسول الله بعد هذا الخير شر قال : يا حذيفة تعلم كتاي الله و اتبع مافيه ثلاث مرات قلت يا رسول الله بعد هذا الخير شر ؟ قال : فتنة و شر . قلت يا رسول الله : بعد هذا الخير شر ؟ قال : فتنة و شر . قلت يا رسول الله بعد هذا الشر خير ؟ فقال : يا حذيفة تعلم كتاب الله و اتبع ما فيه . قال : قلت يا رسول الله بعد هذا الشر خير ؟ قال : هدنة على دخن و جماعة على أقذاء فيهم أو فيها . قلت يا رسول الله : الهدنة على الدخن ما هي ؟ قال : لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه . قال قلت يا رسول الله بعد هذا الخير شر ؟ قال : فتن عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار ، فإن مت يا حذيفة و أنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم .
و خرج أبو نعيم الحافظ ، عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : خذوا العطاء ما دام عطاء فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه و لستم بتاركيه يمنعكم من ذلك الفقر و الحاجة ، إلا أن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، إلا أن الكتاب و السلطان سيتفرقان فلا تفارقوا الكتاب ، إلا أنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم إن عصيتوهم قتلوكم و إن أطعتموهم أضلوكم . قالوا يا رسول الله : كيف نصنع ؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى بن مريم عليهما الصلاة و السلام نشروا بالمناشير و حملوا على الخشب موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله خرجه في باب يزيد بن مرثد غريب من حديث معاذ لم يروه عنه إلا يزيد بن مرثد و عن الرضين بن عطاء .
و خرج البخاري و مسلم و أبو داود ، عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير ، و كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية و شر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : نعم فقلت : هل بعد ذلك من خير ؟ قال : نعم و فيه دخن قلت : و ما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي و يهتدون بغير هديي تعرف منهم و تنكر فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله :صفهم لنا . قال : نعم قوم من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا فقلت يا رسول الله : فما تأمرني إن أدركت ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين و إمامهم قلت : فإن لم يكن لهم جماعة و لا إمام ؟ قال فاعتزل الفرق كلها و لو إن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت و أنت على ذلك .
و في رواية قال : تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي و لا يستنون بسنتي و سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جسمان إنس قال فكيف أصنع يا رسول الله إن إدركت ذلك ؟ قال : تسمع و تطيع و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع لفظ مسلم .
و في كتاب أبي داود بعد قوله هدنة على دخن قال قلت يا رسول الله : ثم ماذا ؟ قال إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك و أخذ مالك فأطعه و إلا فمت و أنت عاض في جذل شجرة قلت ثم ماذا ؟ قال : ثم يخرج الدجال و معه نهر و نار فمن وقع في ناره وجب أجره و حط وزره و من وقع في نهره وجب وزره و حط أجره قال ثم ماذا ؟ قال : هي قيام الساعة .
فصل
قوله : على أقذاء ، الأقذاء ، جمع القذا و القذا جمع قذاة و هو ما يقع في العين من الأذى و في الطعام و الشراب من تراب أو نتن أو غير ذلك ، فالمراد به في الحديث الفساد الذي يكون في القلوب أي أنهم يتقون بعضهم بعضاً و يظهرون الصلح و الاتفاق ، و لكنهم في باطنهم خلاف ذلك ، و الجذل : الأصل كما هو مبين في كتاب مسلم على أصل شجرة .