باب ذكر الفتنة التي تموج موج البحر و قول النبي صلى الله عليه و سلم : هلاك أمتي على يد أغيلمة من سفهاء قريش
 
ابن ماجه عن شقيق عن حذيفة قال : كنا جلوساً عند عمر بن الخطاب فقال : أيكمك يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتنة ؟ قال حذيفة : فقلت أنا ، فقال إنك لجزيء ، قال : كيف سمعه يقول ؟ قلت سمعته يقول فتنة الرجل في أهله و ماله و جاره يكفرها الصلاة و الصيام و الصدقة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقال عمر : ليس هذا أريد التي تموج موج البحر . قال مالك و لها يا أمير المؤمنين إن بينك و بينها باباً مغلقاً ، قال يفتح الباب أو يكسر . قال : بل يكسر . قال : ذلك أجدر أن لا يغلق ، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب ؟ قال : نعم كما يعلم أن دون غد الليلة ، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب ؟ قال نعم كما يعلم أن دون غد الليلة إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط ، قال فهبنا أن نسأله من الباب فقلنا لمسروق : سله فسأله : هو عمر . أخرجه البخاري و مسلم أيضاً .
و خرج الخطيب أبو بكر بن أحمد بن علي من حديث مالك بن أنس أن عمر بن الخطاب دخل على بني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، فوجدها تبكي فقال : ما يبكيك ؟ قالت هذا اليهودي لكعب الأحبار يقول إنك باب من أبواب جهنم فقال عمر : ما شاء الله إني لأرجو أن يكون الله خلقني سعيداً ، قال ثم خرج فأرسل إلى كعب فدعاه فلما جاءه كعب قال يا أمير المؤمنين : و الذي نفسي بيده لا تنسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة ، فقال عمر : أي شيء هذا ؟ مرة في الجنة و مرة في النار ، قال : و الذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها ، فإذا مت لم يزالوا يتقحمون فيها إلى يوم القيامة .
البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد قال : أخبرني جدي قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة و معنا مروان ، فقال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : هلكة أمتي على يد أغيلمة من قريش قال مروان لعنة الله عليهم من أغيلمة . قال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان و بني فلان لفعلت ، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حتى تملكوا بالشام ، فإذا رآهم أحداثاً و غلماناً قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم . قلنا : أنت أعلم .
الغلام الطار الشارب و الجمع الغلمة و الغلمان ، و نص مسلم في صحيحه في كتاب الفتن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش قال : فما تأمرنا ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : هذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان عنده من علم الفتن ؟ العلم الكثير ، و التعيين على من يحدث عنه الشر الغزير . ألا تراه يقول لو شئت قلت لكم هم بنو فلان و بنو فلان ، لكنه سكت عن تعيينهم مخافة ما يطرأ من ذلك من المفاسد ، و كأنهم و الله أعلم يزيد بن معاوية ، و عبيد الله بن زياد و من تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية ، فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و سبيهم ، و قتل خيار المهاجرين و الأنصار بالمدينة و بمكة و غيرها ، و غير خاف ما صدر عن الحجاج ، و سليمان بن عبد الملك ، و ولده من سفك الدماء ، و إتلاف الأموال ، و إهلاك الناس بالحجاز و العراق و غير ذلك ، و بالجملة و غير ذلك ، و بالجملة فبنو أمية قابلوا وصية النبي صلى الله عليه و سلم في أهل بيته و أمته بالمخالفة و العقوق ، فسفكوا دماءهم و سبوا نساءهم و أسروا صغارهم و خربوا ديارهم و جحدوا فضلهم و شرفهم و استباحوا لعنهم و شتمهم ، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه و سلم في وصيته و قابلوه بنقيض مقصودة و أمنيته ، فواخجلتهم إذا وقفوا بين يديه ، و افضحيتهم يوم يعرضون عليه ، و الله أعلم .