باب ما جاء أن اللسان في الفتنة أشد من وقع السيف
 
أبو داود عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستكون تستطف قتلاها في النار . اللسان فيها أشد من وقع السيف خرجه الترمذي و قال في حديث غريب ، و سمعت محمد بن إسماعيل يقول : لا يعرف لزياد بن سمين كوشى عن عبد الله بن عمر غير هذا الحديث الواحد .
و روي موقوفاً . و ذكره أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفت له . اللسان فيها كوقوع السيف أخرجه ابن ماجه أيضاً عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إياكم و الفتن فإن اللسان فيها مثل وقع السيف .
فصل
قلت : قوله [ تستنطف ] أي ترمي . مأخوذ من نطف الماء أي قطر . و النطفة الماء الصافي قل أو كثر و الجمع النطاف .أي أن هذه الفتنة تقطر قتلاها في النار أي ترميهم فيها لأقتتالهم على الدنيا و اتباع الشيطان و الهوى و قتلاها بدل من قوله العرب هذا المعنى الذي ظهر لي في هذا و لم أقف فيه على شيء لغيري و الله أعلم . قوله : اللسان فيها أشد من وقع السيف أي بالكذب عند أئمة الجور و نقل الأخبار إليهم ، فربما ينشأ عن ذلك من النهب و القتل و الجلد و المفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها .
و في الصحيحين ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار بعد ما بين المشرق و المغرب و في رواية عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي في النار أبعد ما بين المشرق و المغرب لفظ مسلم .
و قد روي أن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقى لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً فقوله : من سخط الله أي مما يسخط الله ، و ذلك بأن يكون كذبة أو بهتاناً أو بخساً أو باطلاً يضحك به الناس ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ويل للذي تكلم بالكلمة من الكذب ليضحك الناس ويل له و ويل له .
و في حديث ابن مسعود [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الرفاهية من سخط الله ترديه بعد ما بين السماء و الأرض ] قال أبو زياد الكلابي : الرفاهية السعة في المعاش و الخصب ، و هذا أصل الرفاهية ، فأراد عبد الله بن أن يتكلم بالكلمة في تلك الرفاهية و الأتراف في دنياه مستهيناً بها لما هو فيه من النعمة ، فيسخط الله عز و جل عليه . قال أبو عبيدة و في الرفاهية لغة أخرى الرفاعية ، و ليس في هذا الحديث يقال : هو في رفاهية و رفاعية من العيش . و قوله : صماء بكاء عمياء يريد أن هذه الفتنة لا تسمع و لا تبصر فلا تقلع و لا ترتفع ، لأنها لا حواس لها فترعوى إلى الحق و أنه شبهها لاختلاطها و فتل البريء فيها و السقيم بالأعمى الأصم الأخرس الذي لا يهتدي إلى شيء فهو يخبط عشواء ، و البكم الخرس في أصل الخلقة ، و الصم الطرش .